الرد و الرد المضاد بين طهران و تل أبيب من الواضح أنها مناوشات حذرة حتى الآن، فلدى كل منهما حسابات و محاذير، و تخوف من مخاطر ليست بالحسبان فيما لو فقد التناوش من الجانبين السيطرة على مقدار الجرعة، و حدود العملية.
كل طرف يتحاشى أن يتعرض لضربة تدميرية من الآخر؛ كما يتحاشى أن يقوم هو بهذه الضربة، لأن مثل هذه الضربة القوية ستستفز الطرف الآخر للرد بضربة مثلها أو أشد، و هو ما يعني تجاوز الخطوط التي حددها، أو يراعيها كل طرف، و لا يريد أن يتجاوزها حفاظا على نفسه من ردة فعل أقوى !
لكن.. لا أحد يستطيع في ظل الظروف الأمنية و العسكرية القائمة أن يُلجم هذا الطيش هنا، أو ذلك الغرور هناك.
الجانب الأمريكي هو الآخر له حساباته التي لا يريد أن يفرط بها، فحاجته لإيران في المنطقة و خدماتها التي تقدمها له ليس في غنى عنها ؛ و مهما تكن عقيدة واشنطن فيما تسميه تعهدها في الدفاع عن أمن الكيان، لكنها لا تريد أن يذهب التناوش بين طهران و تل أبيب إلى حد أبعد بحيث يؤثر على مصالحها، إذ يعتمل في ظن واشنطن إنها تمتلك خطوطا و قنوات، و لها تفاهمات تستطيع من خلالها أن تبقى محافظة على حدود، و توازن التناوش.
و مع ذلك فإن الحرب تتكسر عندها كل القواعد و الحسابات، و كثيرا ما تنفلت الأمور، و تتجاوز كل الخطوط، و المخططات.
طهران و تل أبيب تجدان كلتاهما دافعا شعبيا و مجتمعيا يدفعهما للرد العسكري، و كلتاهما تسعيان لإرضاء غرور مجتمعيهما.
لكن في المقابل هناك في دائرة القرار في طهران أو تل أبيب من لا يريدا المواجهة، بزعم الحفاظ على مكتسباتهما، أو منعا لتجذير العداء بين الجانبين في حين هناك من يريد استعادة العلاقات القديمة بينهما.
القيادة الإيرانية تشعر تماما أن حالة من التململ الظاهر قد سمعته من أذرعها في المنطقة، حيث تشعر تلك الأذرع أن إيران ربما تخذلها، و أنها قد تذهب ؛ أو أنها قد ذهبت إلى تبادل صفقات مع أمريكا و أن هذا التحرك لن يكون إلا على حساب هذه الأذرع، وهذا الظن يشكل ضغطا إلى حد ما على السلطة في إيران.
و هنا لابد من الإشارة إلى أن المقاومة الطوفانية لها عزمها، و حزمها، وقرارها، و ليست في إطار هذه الأذرع.
من نافلة القول ما يؤكده المراقبون من أن واشنطن هي اللاعب الأكبر في الحرب على غزة ، و مخطط الإبادة و في دعمها المطلق للكيان اللقيط، حيث تنكرت معه واشنطن لكل المبـــــادئ و القيـم، و لكل القوانــين الدوليـة، و لكل الشرائع ، و الأعراف. و يبرز الكيان اللقيط ككيان مسعور، متسلح بالنازية و الوحشية، و تطل إيران كلاعب يسعى للحفاظ على حضوره و تأثيره في المنطقة، يساعده في ذلك غفوة أطراف أخرى في المنطقة، و سباتهم العميق، و أنهم غارقون في أوهامهم السرابية التي يمنيهم بها الكذاب الأشر ، و التي ستنقلب إلى ثمن باهظ يدفعونه و هم صاغرون.