في العام الثاني عشر من البعثة النبوية كانت رحلة الإسراء و المعراج للنبي صلى الله عليه وسلّم، حيث أمّ الأنبياء في صلاة بالمسجد الأقصى، فيما كانت بيت المقدس تحت حكم الروم ، و بعد تلك الصلاة بستة عشر عاما تقريبا، كان عمر بن الخطاب يؤم المسلمين بنفس المكان في محراب المسجد الأقصى، حين فتح بيت المقدس.
عبر تاريخ الإسلام شهد شهر رمضان فتوحات و انتصارات خاضها المسلمون انتصارا للحق و الدين ؛ ليست أولاها غزوة بدر مرورا بفتح مكة المكرمة ، و لن تكون أٓخرها طوفان الأقصى،مرورا بمعركة العاشر من رمضان؛معركة العبور.
مما هو معلوم أن فتح بيت المقدس كان في الـ 13 من شهر رمضان من السنة الـ 15 من الهجرة النبوية الشريفة.
و قد سبق ذلك معركة اليرموك الشهيرة التي كانت الأساس الذي تتابع عليه طرد الروم، و فتح كل بلاد الشام، مُجبِرة امبراطور الروم هرقل على الرحيل، قائلا: وداعا ياسوريا، و داعا لا لقاء بعده !
لما وجد الروم أن جيوش الفتح الإسلامي تتموضع في عدة مواقع من بلاد الشام، قال قائل الروم: و الله لنشغلن أبا بكر عن أن يورد الخيول إلى أرضنا؛ بزعم أنهم ينوون غزو المدينة المنورة، فيما قال أبو بكر الصديق، و هو يومئذ الخليفة: و الله لأشغلن النصارى عن وساوس الشيطان بخالد بن الوليد، حيث وجه لخالد رسالة أن يتوجه بمن معه من العراق إلى الشام، على أن ينيب المثنى بن حارثة الشيباني على من بقي في العراق.
ليت شعري كيف يفكر أولئك الذين يريدون طمس تاريخ الفتح الإسلامي في الشام و العراق بُغْضا للصديق، و كُرها لخالد و سعد و المثنى، و حقدا على عمر، تزلفا و تقربا لأحقاد فارس؟!!
كانت معركة اليرموك نصرا عظيما، و فتحا كبيرا، تُعدُّ مع النصر العظيم في القادسية ـ على الفرس ـ من أهم، و أجل معارك الفتح الإسلامي، و التي كان لها ما بعدها.
بعد اليرموك تم فتح دمشق، و منها توجه المسلمون نحو بيت المقدس، و ضرب المسلمون بقيادة أمين الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح حصارا على المدينة استمر أربعة أشهر.
الشيئ بالشيئ يذكر، و البطولة بالبطولة تُذَكّر، و الهدف على إثر الهدف يمضي. فأبو عبيدة بالأمس، مع رجال الفتح في بيت المقدس، و أبو عبيدة اليوم مع رجال الطوفان في غزة، و الضفة و القدس.
الهدف واحد، و الراية واحدة، و مسيرة الأمة في حمل رسالتها مستمرّة ؛ و مهما كان التقاعس و التخاذل.. تبقى طائفة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم إلى قيام الساعة.
أصر المسلمون على فتح بيت المقدس؛ و هنا طلب بطريارك بيت المقدس الاستسلام، شرط أن يسلم مفاتيح المدينة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
يا للتاريخ ! كيف يقف بنا في مفارقات، و مقاربات ؛ عمر يتسلم مفاتيح بيت المقدس من الروم ، بينما ظهر على حين غفلة مَن يُسلم مفاتيحها لشذاذ الآفاق يهود ..!!
قارنوا بين الرجال.. قارنوا بين القادة ..!!
ما عسى أن يقول أولئك الذين يلمزون عمر،و يئنون من عمر،
خلف خرافات مختلقة،فيما الحقيقة أنهم يجارون من ينوحون على زوال إمبراطورية الأكاسرة على عهد عمر.
و بالفعل توجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من المدينة المنورة نحو بيت المقدس، لاستلام مفاتيحها.
كم هو عظيم أن يتم الفتح و يتحقق النصر، و يكون استلام مفاتيح بيت المقدس،و يصلي عمر في المسجد الأقصى، في المحراب الذي أمّ فيه المصطفى الرُّسْلَ الكرام ليلة الإسراء و المعراج،قبل ست عشرة سنة تقريبا من الفتح.
هناك فرق في الرجولة، و البطولة، و الاعتزاز بالمبدأ بين حاكم يرى أننا قوم أعزنا الله بالإسلام، و مهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، و تكون النتيجة النصر و استلام مفاتيح المدن و القلوب؛ و بين من يسلمون المفاتيح للأعداء.
و حين حان وقت صلاة الظهر اليوم التالي و كان عمر في كنيسة القيامة ينهي تحرير اتفاق التسليم ، فيما عرف بالعهدة العمرية، فقام ليذهب لصلاة الظهر، فقال له البطريارك : صلِّ هنا، فقال عمر بنظرة عادلة ثاقبة: لا، لئن صليت هنا، فقد يأتي زمن ينازعكم على هذا المكان منازع محتجا بأن عمر صلى هنا ..!!
ما عسى أن يقول الصهاينة اليوم أمام هذا الموقف الأخلاقي الرفيع في احترام الديانات و الاتفاقات؛ بينما يدفعون هم ـ اليوم ـ قطعان المستوطنين إلى باحات المسجد الأقصى بكل نذالة و صلف و انحطاط.
أثناء كتابة الاتفاق بشأن بيت المقدس، و الذي أعطى النصارى حريتهم الدينية،و المدنية؛ طلب النصارى عبر البطريارك، أن يتضمن الاتفاق منع اليهود من دخول بيت المقدس؛ لما يعرفونه عنهم من شرور، و فتن.
اليوم تعيد المقاومة الفلسطينية الروح الإسلامية التي تستعلي على الذل، والإذلال، و العالم كله يشهد الأنموذج الجهادي الرائع للشعب الفلسطيني في غزة و الضفة، و هم القوم الذين تسلم فيها الراية أبو عبيدة من أبي عبيدة.
نعم، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام و مهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
و في اليمن الميمون أبو عبيدة، يتوالى أبطالها عبر التاريخ، و فيها سيكون الفتح و النصر على سلالة تنكرت للدين القويم لتستبدله بخرافات و خزعبلات لتفرضها على شعب يأبى الذل، و يرفض الاستسلام لمشروع الخراب الإيراني، الذي سيلقى بإذن الله مصيره كما لقيه في سوريا و لبنان.