أعلنت المملكة العربية السعودية وإيران، في 10 آذار/ مارس 2023، توصّلهما، عبر وساطة صينية، إلى اتفاقٍ يقضي باستئناف قريب للعلاقات الدبلوماسية بينهما، وهو الإعلان الذي حمل معه تساؤلات عديدة حول انعكاسات ذلك على الحرب في اليمن.
جاء هذا الإعلان بعد سبع سنوات من القطيعة؛ إثر اقتحام محتجين إيرانيين سفارة الرياض في طهران في يناير 2016م، حيث نص الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثليهما خلال مدة أقصاها شهرين. كما تضمن تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
لقي هذا الإعلان ترحيبًا دوليًا واسعًا، حيث رحبت قطر وتركيا وسلطنة عمان والإمارات والعراق ولبنان والأردن ومصر بالإضافة للأمم المتحدة وغيرها، إلا أن الاهتمام في اليمن كان يتركز على التأثير الذي يمكن أن ينتج عن الاتفاق، باعتبار اليمن الاختبار الحقيقي لدبلوماسية الصين بين الرياض وطهران، وفقا لمركز ويلسون الأمريكي.
ترحيب حكومي
رحبت الحكومة اليمنية، ومجلس القيادة الرئاسي، بإعلان الاتفاق بين السعودية وإيران، مؤكدين ثقة الشعب اليمني بمواقف المملكة العربية السعودية، التي لن تكون إلا في صالح اليمن وشعبه الكريم في مختلف المراحل، وفقا لعضو مجلس القيادة الرئاسي عبدالله العليمي خلال لقائه السفير الأمريكي لدى اليمن، ستيفن فاجن.
وأعرب العليمي، عن أمله أن يكون الاتفاق السعودي الايراني بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مقدّمة لوقف التدخلات الإيرانية السلبية في اليمن، ودافعاً لوقف الحرب، والوصول لاتفاق سلام دائم وشامل، يرتكز على انهاء الانقلاب، واستعادة الدولة، واستئناف العملية السياسية.
بدورها، أعربت الحكومة اليمنية، أن يشكل اتفاق السعودية، وإيران، مرحلة جديدة من العلاقات في المنطقة، بدءًا بكف إيران عن التدخل في الشؤون اليمنية، وألا تكون موافقتها على هذا الاتفاق؛ نتيجة للأوضاع الداخلية والضغوط الدولية التي تواجه النظام الإيراني.
جاءت تصريحات مجلس القيادة، للتأكيد على الدور البارز الذي لعبته ولا تزال المملكة العربية السعودية في دعم الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، والشعب اليمني منذ انقلاب مليشيا الحوثي على الدولة في سبتمبر 2014، وجهودها المستمرة في حل الأزمة اليمنية منذ الانقلاب وحتى اليوم.
جهود سعودية
لقد كان للمملكة العربية السعودية دور بارز وملموس في دعم الشعب اليمني، وكذا الحكومة في مواجهة الانقلاب واستعادة الدولة، من خلال تنفيذ عدد من المؤتمرات التي ضمت مختلف الأطياف اليمنية، وكذا المبادرة التي أطلقتها لحل الأزمة اليمنية، وقابلتها مليشيا الحوثي بالرفض.
حيث نظمت المملكة العربية السعودية مؤتمرا منتصف 2015، عرف بمؤتمر الرياض الأول، وهو مؤتمر سياسي يمني انعقد خلال الفترة من 17 - 19 مايو 2015، تحت شعار "انقاذ اليمن، وبناء الدولة الاتحادية"، ومشاركة 401 من مختلف الأطياف والمكونات السياسية اليمنية.
هدف المؤتمر إلى المحافظة على أمن واستقرار اليمن، والتمسك بالشرعية الدستورية ورفض الانقلاب عليها، وإعادة الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الدولة، وعودة الدولة لبسط سلطتها على كافة الأراضي اليمنية، واستئناف العملية السياسية وفقا للمبادرة الخليجية واليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني.
وهي الأهداف ذاتها التي لا تزال المملكة العربية السعودية تؤكد عليها في إطار رؤيتها للحل السياسي في اليمن حتى اليوم، حيث تجدد تأكيدها المستمر لدعم جهود الحل السياسي في اليمن وفقا للمرجعيات الثلاث، المتمثلة بالمبادرة الخليجية واليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرار الأممي 2216.
وفي مطلع نيسان/أبريل 2022، استضافت العاصمة السعودية الرياض مؤتمر الرياض، والذي جمع الأطراف اليمنية، ونتج عنه نقل السلطة من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، برئاسة الرئيس رشاد العليمي، وعضوية سبعة آخرين، وذلك في إطار حرصها على توسيع قاعدة الشراكة بين المكونات اليمنية المناهضة للحوثيين، والمضي قدمًا نحو استعادة الدولة اليمنية، وانهاء الانقلاب.
مفاوضات مباشرة
وعلاوة على مؤتمرات الرياض، فقد عملت المملكة العربية السعودية، على دفع أطراف الأزمة اليمنية إلى المفاوضات المباشرة، والتي انتهت جميعها بالفشل نتيجة تعنت مليشيا الحوثي، ورفضها لما تم التوصل إليه، كما حصل في المفاوضات الأولى التي عقدت في جنيف في حزيران/ يونيو 2015، والتي انتهت بالفشل بسبب رفض مليشيا الحوثي الموافقة على تطبيق القرار 2216.
وانطلقت مفاوضات جنيف الثانية والتي احتضنتها مقاطعة بيل السويسرية، في كانون الأول ديسمبر 2015، والتي انتهت بالفشل كسابقتها بعد تعنت المليشيا ورفضها إطلاق الأسرى، وتصعيدها في محافظة الجوف.
ومنتصف أبريل/نيسان 2016، استضافت الكويت المفاوضات بين الحكومة ومليشيا الحوثي، وفشلها كسابقاتها بعد محاولة المليشيا اشتراط وقف التحالف للعمليات العسكرية في اليمن، ورفض الحلول السياسية، ثم جاءت مفاوضات السويد في ديسمبر 2018، والتي تم خلالها توقيع اتفاق ستكهولوم، والخاص بالحديدة، وفشلت كالعادة بعد تعنت المليشيا في تنفيذ بنود الاتفاق.
مبادرة سعودية
واصلت المملكة العربية السعودية جهودها في حل الأزمة اليمنية، وسط تعنت حوثي. حيث أطلقت الرياض منتصف آذار/ مارس 2021، مبادرة سلام لوقف الحرب في اليمن، وهي المبادرة التي لاقت ترحيبًا أمميًا ودوليًا كبيرًا، لكنها اصطدمت بالتعنت الحوثي، الذي واصل رفضه لكل مبادرات السلام.
وفي الوقت الذي رحبت الحكومة اليمنية بالمبادرة السعودية فقد أكدت أنها وضعت الحوثي في مواجهة مع الشعب اليمني والمجتمع الدولي؛ نتيجة تعاملهم السلبي معها، وفقا لوزير الخارجية احمد بن مبارك. فيما اعتبر الحوثيون المبادرة "مشروع حرب" وفقا لما قاله حسن إيرلو المعين سفيرا لإيران لدى الحوثيين، والذي قضى نحبه فيما بعد بصورة غامضة.
ووصف دبلوماسي أمريكي المبادرة السعودية، بأنها عرّت موقف الحوثيين، مؤكدا أن التساهل الدولي معهم يقترب من نهايته، فيما قال أمين عام حزب الإصلاح عبدالوهاب الأنسي في تصريحات لصحيفة الوطن السعودية، بأن المبادرة السعودية "كشفت كذب الحوثي، وأن الخيار العسكري هو الحل الوحيد".
وأكد أمين عام حزب الإصلاح، أن مبادرة السلام السعودية جاءت في الوقت المناسب، وكشفت كثيرا من الأوراق، وأهمها الحوثي الذي أصبح مكشوفًا أمام الجميع، وفضحت تبريراتهم الكاذبة وتضليلهم، وكيف أنهم يتبنون الحرب وسيلة للوصول إلى ما يريدون.
مفاوضات ثنائية
ومع استمرار التعنت الحوثي في رفض كل مبادرات السلام، فقد واصلت المملكة العربية السعودية جهودها لحل الأزمة اليمنية من خلال التفاهمات الثانية بين المملكة والحوثيين، وتبادل الزيارات بين صنعاء والرياض، وهو ما أدى إلى حصول بعض الانفراج فيما يتعلق بالحل السياسي في اليمن، خصوصا فيما يتعلق بالأسرى والمختطفين، وجولة المفاوضات الجارية في سويسرا، والتوقيع بين الحكومة والحوثيين على إطلاق أكثر من 800 من المعتقلين من الجانبين.
حيث زار وفد سعودي العاصمة صنعاء، والتقى فيها عدد من قيادات مليشيا الحوثي، وذلك بالتزامن مع وصول وفد حوثي إلى مدينة أبها السعودية، منتصف أكتوبر الماضي، وذلك في إطار المساعي السعودية لوقف الحرب في اليمن، والتوصل إلى حل سياسي.
وسبق زيارة الوفدين، مفاوضات ثنائية مباشرة بين الجانبين السعودي والحوثي، في العاصمة العمانية مسقط. حيث كشفت وكالة "أسوشييتد برس"، نقلاً عن مسؤولين يمنيين وسعوديين وأمميين، عن إعادة السعودية والحوثيين إحياء المحادثات بينهما، منذ يناير الماضي، على أمل تعزيز وقف إطلاق النار منذ أكثر من 9 أشهر، ووضع مسار للتفاوض لإنهاء الحرب التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من سبع سنوات.
ورغم تلك الجهود السعودية المستمرة في الدفع لإنهاء الحرب في اليمن؛ إلا أن تلك الجهود لا تزال تصطدم بالتعنت الحوثي، وهو ما دفع خبراء لاستبعاد أن تقود المفاوضات بين الحوثيين والسعودية إلى تسوية سياسية على المدى القصير وفقا للباحث اليمني الدكتور علي الذهب.
المحك الحقيقي
ومع حصول بعض الانفراج فيما يتعلق بحل الأزمة اليمنية، في ظل الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية نحو إنهاء الحرب في اليمن، وإحلال السلام في البلاد، يبقى الواقع الميداني هو المحك الحقيقي لإثبات مدى مصداقية إيران وحلفائها في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
كما أن الواقع هو المحك لإثبات جدية إيران وحلفائها الحوثيين في اختبار مدى جديتها في إحلال السلام في اليمن، وعودة الدولة والشرعية، وهو ما يحتم التعامل مع الواقع بحذر شديد، وفقا لما أشارت اليه الحكومة اليمنية في بيانها، حيث أكدت أنها "ستستمر في التعامل الحذر تجاه النظام الإيراني حتى ترى تغيرًا حقيقيا في سلوكه، وسياساته التخريبية في بلادنا والمنطقة".
فالمؤشرات تؤكد سوء النوايا الحوثية التي تحاول استغلال الهدنة، والتهدئة، في تحقيق تقدم في عدد من الجبهات، وتحديدا في مأرب، والذي صعدت خلال اليومين الماضيين، في مديرية حريب غربي المحافظة؛ بغية تحقيق أي تقدم عسكري يذكر، في محاولة لاستغلال الهدنة لتحقيق أي نصر عسكري.
وختامًا، لقد بذلت المملكة العربية السعودية جهودًا كبيرة في محاولة التوصل إلى حل سياسي في اليمن، من خلال المؤتمرات التي عقدتها في الرياض، وكذا حث الأطراف على المفاوضات المباشرة عبر جولات مختلفة، وكذا المبادرة السعودية، مرورًا بالمفاوضات المباشرة مع الحوثيين، وصولا الى إعلان الاتفاق مع إيران، ولكن تلك الجهود ستظل مرتبطة بمدى قدرة إيران على التأثير في حليفها الحوثي في اليمن، للتوصل إلى حل سياسي، فهل ستنجح مساعي السلام أم أن للحوثي مآرب أخرى في استمرار الحرب والتصعيد.