افتقدت اليمن والأمة العربية والإسلامية في أول ليالي بدر شوال ١٣ منه في عامنا هذا ١٤٤٥هـ رجلاً فريداً في علمه الذي برع فيه وأبدع وأنتج ، وفكره الأصيل المستند إلى الشريعة ومقاصدها ، ودعوته الربانية التجديدية التي أيقضت كثيرين من سباتهم ، وسياسته الحكيمة التي مارسها في الدولة وإن لم تطل ، ومارسها حزبياً وقبلياً قال عنه كثيرون بعد رحيله أقوالاً صادقة صادرة عن حزن وحب له فيها قليل من المبالغة التي لو سمعها لكرهها وأنكرها فما كان - رحمه الله - من الذين يحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا .
لن أناقش هنا مالاحظته في كتابة بعض محبيه ، ولن أكرر ما أنصفوه به ، وماقلته أنا في غير هذا الموقع لكنني سأكرر شيئاً واحداً قلته في مطلع قصيدة بدأتها لرثائه ولم أتمكن من إكمالها لمرضي.
جل الأسى برحيله الزنداني
وعزاؤنا بتراثه الرباني
لا أستسيغ المدح لكن ذمتي
تأبى السكوت عن العظيم الباني
فلكم تفنّن في البناء مشاركاً
في ثورةٍ كانت على الطغيان
ثم سأقف مع مايتصل بدوره السياسي في الدولة وفي الحزب الذي ينتمي إليه وهو من أهم أقطابه ، ومفكريه والمحافظين عليه :
أ ) دوره السياسي في الدولة
---------------
بدأ دور الأستاذ عبدالمجيد السياسي منذ التحضير للثورة في القاهرة حيث كانت مكاناً مناسباً للإنطلاق ، وفيها مثقفون على رأسهم محمد محمود الزبيري وأحمد محمد نعمان وابنه محمد ، وكثرة طلاب تتجاذبهم الأفكار والاستقطابات كانت أهم حركة طلابية هناك الطليعة يحركها قوميون والشيخ عبدالمجيد كان في حيرة مع من يتعاون وإلى من ينتمي، ففطرته السليمة وعقله النير يقتضيان توجهاً سليماً يجمع بين العروبة والإسلام فكان له نشاط طلابي يشهد به من عايشه ، وكان هناك طلاب مستنيرون مثله ، اجتمعوا وزاروا الزبيري والنعمان فوجدوا تشجيعاً ، تبلورت مجموعة صغيرة كان أهمهم هو وياسين عبدالعزيز وعبده محمد المخلافي الذي قدم من العراق لأكمال دراسته في القاهرة ، استمروا في نشاطهم حتى قامت ثورة ٦٢/٩/٢٦م سارعوا جميعهم في السفر
ورافق الشاب عبدالمجيد الزبيري حتى استشهد الزبيري في برط وهو يسايره مشياً والنعمان معهما أحدهما على يمينه والثاني يساره وهو راكب حماراً
وفي المرحلة الأولى بعد الثورة تولى فقط نيابة وزير ، ولم يكن مبتعداً عن سياسة الدولة كونه كان ملازماً للزبيري
وكلام كثير يطول محله التاريخ سيسطره من يتولى كتابة تاريخه .
أهم عمل سياسي هو عضوية مجلس رئاسي من خمسة أعضاء استأثر المؤتمر باثنين والاشتراكي باثنين حيث كانا الحاكمين بعد الوحدة من ٢٢ مايو ٩٠ إلى ٢٧ إبريل ٩٣ ، وحيث إن الإصلاح فاز في الانتخابات وكان ترتيبه الثاني ، قَبِل المشاركة ولو بواحد لغرض نبيل هو عمل توازن ، وتقريب بين حزبي الوحدة وتجربة ، فكان مرشح الإصلاح الشيخ عبدالمجيد وكان له أثر إيجابي كبير .
ب) دوره السياسي حزبياً :
--------------
أما دوره في الحزب فإنه أيضاً قد بدأ في القاهرة حيث كان له ذلك النشاط الذي أشرت إليه وهو عمل سياسي وحينما تكونت المجموعة اختارت الاتجاه واختارت أميناً عاماً من خارجهم ولو لم يكن أحدهم إنه محمد محمود الزبيري لفضله وسنه وتشجيعه لهم وكانوا حكماء في ذلك .
ولما سافروا إلى صنعاء مع بداية عهد الثورة استمروا حتى قتل الزبيري وهو في منتصف عمره اختارت المجموعة عبده محمد المخلافي ، ولم يدم فقد مات بحادث سير وهو قادم من تعز إلى صنعاء ، فكان الاستاذ عبدالمجيد بديلاً له حيث أصبح رقم ٣ بعد الزبيري والمخلافي فسار بالمجموعة سيراً حسناً أكثر من عقد من الزمن وهذا عمل حزبي سياسي وإن كان غير مُقر من الدولة فلم تكن تعددية ولا ديمقراطية
- فلما جاءت الوحدة وحملت معها بذرة التعددية الحزبية في منتصف عام ١٩٩٠م تنادى منتسبوا المجموعة الدعوية الإصلاحية وأنصارهم وحضّروا لإنشاء حزب إسلامي إصلاحي اجتماعي انخرط فيه شيوخ كبار على رأسهم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ، فكان اول رئيس لحزب التجمع اليمني للإصلاح ، والشيخ عبدالمجيد رئيس مجلس الشورى والأستاذ عبدالوهاب الآنسي أميناً عاماً ومحمد عبدالله اليدومي أمينا عاما مساعدا وشُكلت دوائر الإصلاح
- وكان للأستاذ عبدالمجيد في سير التحضير للإصلاح ، والسير السياسي والتنظيمي دور كبير فقد كان مرجعاً وصمام أمان على رئاسة مجلس الشورى.
رحم الله الأستاذ عبدالمجيد رحمة واسعة