في الغالب لا أحب التعازي، خاصة إذا كان الفقيد قد ارتقى شهيدًا في خطوط التماس مع العدو الحوثي. فالمقاتلون الكبار من أمثال هؤلاء لم يعودوا أبناء ذويهم وأسرهم، بل أبناء بلدٍ بأسرها.
ولذا، من المناسب الحديث ليس عنهم، بل عن قضيتهم التي عاشوا من أجلها، وأهدافهم التي ماتوا في سبيلها. لقد خاضوا معركة بلدٍ تواجه خطرين: تمزيق المجتمع، وتجزئة الأرض.
ليس أمام اليمني إلا التمسك بنسيج اجتماعي قوي، والتشبث بجغرافية متحدة. ولذا جاء قتالهم من أجل الحفاظ على المجتمع قويًّا قادرًا على الوقوف في وجه تلك المخاطر، متحدًا كشعب، ولتبقى الأرض عصيةً غير قابلة للتوزيع كغنيمةٍ لأصحاب السلاح. إنهم يقاتلون للحفاظ على مداميك دولتهم الموعودة.
هذا المعنى يصبح أكثر إلحاحًا حين يتعلق الأمر بشهيدٍ تربطه علاقة نسب بقياداتٍ أفنت السنوات في المتاريس والخطوط الأمامية. ففي هذا الميدان، يمكن للأبناء أن يسبقوا آباءهم في الحضور، حيث لا تركة هنا ولا ميراث، ولا سابقة إلا سابقة الدم المسفوح على أعتاب الكرامة.