حديقة الثورة بصنعاء.. إيرادات تتدفق ومتنفس يحتضر

حديقة الثورة بصنعاء.. إيرادات تتدفق ومتنفس يحتضر

في أول أيام عيد الفطر المبارك، توجه "محمد" مع أسرته إلى حديقة الثورة بصنعاء، لكن ما أن وصل إلى مدخل الحديقة، حتى فوجئ بالاكتظاظ الشديد للزوار. وقال " عندما دخلت للحديقة صدمت بحجم الإهمال والتدهور".

 

وتسببت الحديقة بحوادث مميتة، ورغم أنها تحقق إيرادات لكن مثلها مثل بقية المنشآت العامة في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، تعاني من غياب الخدمات والإهمال، والأسوأ من ذلك غياب إجراءات السلامة لألعاب الأطفال مما يعرضهم للخطر.

 

وتعد حديقة الثورة واحدة من أكبر وأبرز الحدائق العامة في العاصمة صنعاء، تقع على مساحة تتجاوز 400 ألف متر مربع، وتعتبر متنفساً رئيسياً للعائلات خلال المناسبات والإجازات، في المدينة المزدحمة بالسكان.

 

إهمال وحالة سخط

كانت الحديقة سابقاً تمتد عبر مساحات خضراء مبهرة بأشجارها ومسطحاتها العشبية، إلا أن الإهمال أدى إلى اختفاء نحو 40% من الغطاء النباتي، وتحولها إلى أراضٍ جرداء تتراكم فيها النفايات.

 

ولا يقتصر الإهمال على الطبيعة، بل يشمل أيضاً المرافق العامة؛ إذ تحتوي الحديقة على ستة حمامات فقط، بعضها مغلق والبقية في حالة مزرية تفتقر للنظافة، وهذا يثير سخط الأسر التي لا تستمر طويلا في الحديقة.

 

وقال محمد "إن هناك إهمال كبير في الحديقة، والروائح الكريهة تنبعث من كل مكان، ما اضطر بعض الأسر إلى مغادرة الحديقة في منتصف زيارتهم، خاصة عند وجود أطفال أو كبار سن".

 

وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "أُجبرت على إخراج أطفالي من الحديقة والعودة إلى المنزل وما زال الوقت باكرا فقط لأننا لم نجد حمامًا نظيفًا واحدًا يمكن استخدامه، وهذا غير مقبول في مكان عام مثل هذا".

 

وقال محمد "نتيجة لعدم وجود دورات مياه نظيفة وكافية هناك مناظر مقززة وغير حضارية في مشهد يؤذي الإنسان ويجعلك تفضل البقاء في المنزل".

 

وكانت الحديقة تشتهر بأشجارها المعمرة وأجوائها الهادئة، لكن اليوم تواجه إهمالاً حاداً وتدهوراً في الخدمات الأساسية، في وقتٍ تتدفق فيه الإيرادات بشكل يومي دون أن ينعكس ذلك على وضعها.

 

إيرادات ضخمة

رغم أن الحديقة تفرض رسوماً على الزوار تبلغ 300 ريال للفرد، مما يحقق دخلاً كبيرا خاصة خلال المناسبات والعطلات، إلا أن هذه الإيرادات الطائلة لا تُرى آثارها على الحديقة، في غياب أعمال الصيانة والتطوير البنية التحتية، إلى جانب التدهور العام، يثير تساؤلات حول مصير هذه الأموال.

 

وبحسب ما أفادت مصادر من داخل الحديقة "تصل الإيرادات نحو مليوني ريال (ما يعادل 3700 دولار)، في عطلات نهاية الأسبوع والمناسبات الرسمية، اضافة إلى عائدات شهرية من تأجير المساحات التجارية، والأكشاك، والمقاهي".

 

وما يزيد الأمر سوءا هو غياب أبسط مقومات الراحة، مثل دورات المياه، حيث توجد فقط 6 حمامات عامة داخل الحديقة، بعضها مغلق تمامًا، والآخر في حالة مزرية، تفتقر للنظافة والمياه وحتى الإضاءة.

 

حوادث مميتة

تمثل الحديقة اليوم خطراً على زوارها، بدءاً من مجاري السيول المكشوفة التي تسببت في حوادث مأساوية، كما أن الألعاب قديمة ومتهالكة، وتشكل تهديداً حقيقياً على سلامة الأطفال، وهذا يثير مخاوف العائلات عند زيارة الحديقة.

 

وفي أبريل من العام 2024 في أول أيام عيد الفطر، توفيت الشابة "هيام مهيوب خالد قحطان"، (22 عاماً)، بعد أن سقطت في مجرى تصريف السيول بحديقة الثورة، وتم انتشال جثتها بعد ثلاثة أيام.

 

ونجت شقيقتها من الموت، بعد إنقاذها من زوار الحديقة، حيث تمسكت بقدميها عقب سقوطها، إلا أنهم لم يتمكنوا من إنقاذ الأخرى، التي سقطت في قناة مكشوفة لتصريف مياه السيول بالحديقة، واستمرت عملية البحث وشفط المياه وإزالة المخلفات المتراكمة فيها لمدة ثلاثة أيام.

 

وفي العام ٢٠١٦ لقي طفل يبلغ من العمر 15 عامًا مصرعه غرقًا في بحيرة مائية داخل الحديقة أثناء محاولته استعادة كرة سقطت في الماء، وتشير تقارير إلى وقوع حوادث أخرى في الحديقة نتيجة تهالك الألعاب وغياب الصيانة الدورية، ما يعرض حياة الزوار للخطر.

 

 وقال مواطن يسكن بجوار الحديقة -طلب عدم ذكر اسمه- "بأن الألعاب في حديقة الثورة يعود إلى الثمانينات، عفى عليها الزمن وأصبحت قديمة ومتهالكة تفتقر إلى التجديد والتطوير بل أصبحت تشكل خطرا على زوار الحديقة".

 

أما منطقة ألعاب الأطفال، فحالها لا يقل بؤسًا. فقد رُصدت العديد من الألعاب المكسورة والمتهالكة، وبعضها بدون أي صيانة أو حواجز أمان، ما يشكل خطرًا مباشرًا على الأطفال.

 

ميلشيات بلا مسؤولية

تفتقر إلى أي دليل يشير إلى الجهة المسؤولة عنها، ولا توجد أي آلية للشكاوى أو إدارة واضحة. هذا الغموض يزيد من حالة الاستياء العام، وسط مطالبات بإنقاذ الحديقة من الإهمال والاستغلال، وإعادتها كمساحة عامة تخدم سكان صنعاء وتعيد جزءاً من الوجه الإنساني المشرق للعاصمة.

 

وكعادة ميلشيات الحوثي لا تكترث بحياة الناس وتهتم فقط بجني الإيرادات لصالح اثراء قياداتها وتمويل حروبها ضد اليمنيين، ولا يستطيع أحد ان يسال من هي الجهات المسؤولة عن هذا التردي المتواصل للمرافق العامة التي يستفيد منها السكان الذين سحقتهم الظروف المعيشة السيئة.

 

وحديقة الثورة ليست مجرد مساحة خضراء، بل هي رمز لوجه صنعاء المدني والإنساني، وتعد المكان الذي يلجأ إليه الأطفال والعائلات والشباب في بلد يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم منذ سيطرة ميلشيات الحوثي على صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى