قحطان بين الغياب والتغييب.. ناشطون ينددون باستمرار إخفائه وازدواجية الموقف الدولي

قحطان بين الغياب والتغييب.. ناشطون ينددون باستمرار إخفائه وازدواجية الموقف الدولي

 

في زنزانة مجهولة، يُختزل مصير السياسي اليمني محمد قحطان، الناطق السابق باسم أحزاب اللقاء المشترك، منذ سنوات، محروماً من أبسط حقوقه، حتى التواصل مع عائلته أو استقبال زياراتها، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والإنساني.

 

وعلى مدى عشر سنوات من الغياب القسري، لم تخلُ الساحة من الأصوات المطالِبة بحرية المناضل قحطان، غير أنها كانت محدودة وغير كافية أمام جدار التعتيم الحوثي عن مصير قحطان، وصمت المجتمع الدولي وغياب دوره في القضية.

 

- جهد محدود وإمكانات ضائعة:

منذ إخفائه في 4 أبريل 2015، تحاول منظمات حقوقية محلية ودولية بين الحين والآخر إبقاء اسم محمد قحطان حياً في الذاكرة العامة، عبر حملات إعلامية متفرقة، وبيانات استنكار، ومناشدات للأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

 

لكن هذه الجهود تبقى مجرد خطابات في الفراغ أمام تعنت المليشيا الحوثية، التي ترفض حتى الإفصاح عن مكان احتجاز قحطان أو حالته الصحية، في تجاهل واضح لأي التزامات قانونية أو إنسانية.

 

ويعتقد بعض الناشطين أن هذه الحملات الإعلامية لم تصل إلى مستوى الضغط المطلوب، في حين يرى آخرون أن ضعف تأثيرها يعود إلى سيطرة مليشيا الحوثي على وسائل الإعلام ورفضها أي محاسبة أو مساءلة.

 

- غياب آليات التنفيذ:

يشير الكاتب والحقوقي اليمني أحمد النهمي إلى أن المشكلة في قضية تغييب "محمد قحطان" لا تكمن في غياب الحملات والأنشطة والجهود الحقوقية، وإنما في انعدام آليات التنفيذ لهذه الجهود.

 

ويوضح النهمي، في تصريح لـ"الصحوة نت"، أن الحوثيين لا يعترفون بالشرعية الدولية، ولا يخضعون لضغوط الرأي العام، منوِّهًا أنه لو كانت هناك حملة ضغط دولية منسقة، لربما اختلف الوضع.

 

بدورها، تعتبر الناشطة الحقوقية سماح الجبرني أن تقصير المنظمات الدولية هو المسؤول الأكبر عن تفاقم قضية قحطان، لأنها لم تُدرج بشكل جاد في مفاوضات السلام المتكررة.

 

وتؤكد الجبرني، في تصريحها، أن قضية قحطان لم تُرفع إلى مستوى جرائم الحرب، رغم أن اختطافه جزء من استهداف ممنهج للمعارضين، وهو مخالف للقوانين الدولية.

 

- الدور المفترض للمجتمع الحقوقي:

يرى مقربون من قحطان أن ما كان يجب على الحقوقيين فعله - وما زالوا مطالبين به- هو تحويل قضيته إلى قضية رأي عام، عبر توثيق الانتهاكات بشكل قانوني متين، وإحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية.

 

كما يؤكدون على ضرورة الضغط على الدول المؤثرة، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لربط أي مساعدات إنسانية بالإفراج عن المعتقلين، بمن فيهم محمد قحطان.

 

إضافة إلى تحريك الشارع اليمني عبر حملات مرئية ضخمة، ووقفات احتجاجية، وكشف العلاقات الخارجية للحوثيين التي تشجعهم على ارتكاب مثل هذه الانتهاكات وتجاهل صوت القانون.

 

لكن كل هذا، بحسب حقوقيين، قد يبدو بلا فائدة أمام واقع مرّ يتمثل في انشغال المجتمع الدولي بحروب أخرى، وتشتت الجهود اليمنية بين المطالب الحقوقية والمعركة السياسية والعسكرية.

 

- رهينة الصمت:

يمثل محمد قحطان، في نظر المليشيا الحوثية، نموذجًا للسياسي الخطير، ليس بسبب كونه قياديًا في المعارضة فحسب، بل لأن منهجه السياسي كان مختلفًا ويتناقض تمامًا مع نهج الكهنوت.

 

تبنى الرجل طوال مسيرته السياسية "المنهج المعتدل"، مؤمنًا بالحوار ورافضًا لأي شكل من أشكال التقسيم الطائفي، وهو ما جعل منه شخصية غير مرغوب فيها لدى الحوثيين، الذين يعتمدون على تأجيج الانقسامات المذهبية لتعزيز سلطتهم.

 

يملك قحطان رؤية سياسية قائمة على الحوار والتوافق، وهو ما يجعله تهديدًا مباشرًا لمشروع مليشيا الحوثي، الذي يعتمد على إقصاء الخصوم واحتكار القرار السياسي.

 

في هذا السياق، يؤكد الكاتب فؤاد الباشا أن "الحوثيين يخشون أي صوت وسطي قد يعيد ترتيب المشهد لصالح حل سياسي يخرجهم من دائرة السلطة المطلقة.

 

من جهته، يشير المحلل السياسي عمار علي القدسي، إلى جانب آخر من دوافع الحوثيين لإبقاء قحطان قيد الإخفاء القسري، حيث يقول: "المسألة لا تتعلق فقط بخوفهم من رؤيته السياسية، بل أيضًا بما يعرفه عن خبايا التحالفات الداخلية للحوثيين".

 

ويضيف القدسي، في تصريح لـ"الصحوة نت"، إن إبقاء قحطان خلف القضبان هو أمان لبعض الجهات ومحاولة لضمان عدم تسريب أي معلومات قد تحرجها أو تكشف طبيعة ارتباطاتها بالحوثيين.

 

ويلفت إلى أن هناك أيضًا بُعد آخر لقضية إخفاء قحطان، يتمثل في مخاوف مليشيا الحوثي من تحوّل قحطان إلى رمز سياسي وحقوقي وأيقونات للمقاومة السياسية، كما حدث مع شخصيات أخرى في سياقات مشابهة.

 

ويوضح القدسي أن المشكلة الكبرى تكمن في أن قضية قحطان لم تحظَ بالقدر الكافي من الضغط المحلي والدولي، مما شجع الحوثيين على الاستمرار في انتهاك حقوقه دون أن يواجهوا أي تبعات حقيقية.

 

- قحطان.. ليس مجرد رقم:

لا تقتصر قضية قحطان على كونه شخصية سياسية مغيّبة، بل تعكس غياب الإرادة السياسية الدولية في التعامل مع ملفه، حيث لم يتحرك المجتمع الدولي - طيلة سنوات تغييبه- بشكل جاد للضغط من أجل إطلاق سراحه.

 

وفي هذا الصدد، يقول الحقوقي خالد الشميري: "إذا نظرنا إلى طريقة تعامل المنظمات الحقوقية الدولية مع قضية قحطان، سنجد أنها لم تُمنح الجدية الكافية، ولو أنها تعاملت مع قضيته كما فعلت مع قضايا أخرى، لربما رأينا تحركًا ملموسًا".

 

ويضيف، في تصريح لـ"الصحوة نت"، أن واحدة من المشاكل هي أن الاختفاء القسري في اليمن أصبح أمرًا عاديًا، بينما في بلد آخر، لو تعرض سياسي بارز للاختفاء القسري، لشهدنا حملات تضامن عالمية.

 

ويرى أن المرحلة القادمة يجب أن تكون مرحلة ملاحقة قضائية عبر تقديم ملفات موثقة إلى المقررين الخاصين في الأمم المتحدة، كما يجب ربط أي مفاوضات سياسية أو إغاثية بالإفراج عن المعتقلين وعلى رأسهم محمد قحطان.

 

ويؤكد الشميري أن محمد قحطان ليس مجرد رقم في قائمة المختطفين، بل هو رمز سياسي يؤمن بالحوار والتوافق، مشيرًا إلى أن إهمال قضيته يبعث برسالة خطيرة مفادها أن الجرائم والانتهاكات في اليمن يمكن أن تمر دون عقاب.

 

- جريمة مستمرة وصمت متواطئ:

ورغم الحملات الحقوقية التي أُطلقت على مدار السنوات الماضية، لا يزال مصير محمد قحطان مجهولًا، كما لا تزال عائلته محرومة حتى من أبسط الحقوق في معرفة مكان احتجازه أو حالته الصحية.

 

الناشطة الحقوقية مريم الصعدي تقول إن "المشكلة ليست فقط في تعنّت الحوثيين، بل أيضًا في انعدام التنسيق بين المنظمات الحقوقية. نسمع بيانات استنكار هنا وهناك، لكن لا نرى خطوات ملموسة يمكنها إجبار الميليشيا على التراجع".

 

وتضيف: "لو كان محمد قحطان من جنسية أخرى، لربما تحرك العالم منذ سنوات. فوفقًا للقانون الدولي، فإن الاختفاء القسري يُعتبر جريمة مستمرة. والصمت عنه هو تواطؤ غير مباشر مع مرتكبيه".

 

وتتساءل الصعدي: لماذا لا نرى تحركات شعبية واسعة للمطالبة بالإفراج عن قحطان؟ ولماذا لا يتم تضمين قضيته في كل جلسات مجلس الأمن؟

 

وتضيف: "هناك إجراءات كان يمكن اتخاذها منذ وقت طويل، مثل إدراج قادة الحوثيين في قوائم العقوبات الشخصية. كما يمكن تجميد أرصدتهم الخارجية، ورفع دعاوى ضدهم أمام المحاكم الدولية".

 

وتختم الصعدي حديثها بالتأكيد على أن مليشيا الحوثي تستخدم المعتقلين كأوراق ضغط سياسية، وفي المقابل فإن الرد الدولي لا يزال ضعيفًا وغير فعال فيما يتعلق بهذا الملف.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى