لا يزال السياسي اليمني والقيادي الإصلاحي الأستاذ محمد قحطان في غياهب الزنازين الحوثية، في ظل تعتيم ممنهج تمارسه مليشيا الحوثي الانقلابية، وحرب نفسية ظالمة تشنها المليشيا المتمردة على أسرته ورفاقه، بعد اختطافه وتغييبه في زنازينها منذ أبريل من العام 2015، دون أي مبرر أو تهمة وجهت إليه.
ويعد السياسي اليمني المختطف الأستاذ محمد قحطان من أهم الشخصيات الداعية إلى الشراكة الوطنية، ومن أبرز الوجوه المنظّرة للدولة المدنية الحديثة، دولة المواطنة المتساوية، وحاملا مشعل الكلمة، ومؤمنا بتاريخ نسجه اليمنيون، مدافعا عن وطن كان يراه يتسع للجميع، ونادى بالعمل المشترك، الأمر الذي جعل منه هدفا لقوى التمرد والفوضى التي أرادت إسكات صوته وإخفاءه ليلقى مصيرا مجهولا في متاهة من البحث والتساؤلات، من دون جواب شامل.
مصير مجهول
وكشف أحد الناشطين اليمنيين أن قياديا حوثيا أخبره بأن "محمد قحطان كان يمثل عائقا كبيرا بين المليشيا الحوثية والشراكة، وأن مشروعه وأفكاره كانت تحول دون وصول المليشيا إلى السلطة"، بينما كان ما يحمله قحطان من أفكار كانت على النقيض من ذلك تماما، وهو ما أكده القيادي محمد قحطان ذاته، حيث خاطب تلك الجهات بالقول: "أنت تنظر إليّ بأني شر يجب التخلص منه، بينما أنظر إليك بأنك مواطن له الحق في المواطنة وسأقدم رأسي من أجل ذلك".
ويضيف الناشط الإصلاحي فؤاد الحميري: "طلبت منه أن يخبرني عن وضع محمد قحطان وهل هو حي أم ميت، فقال لن يخرج محمد قحطان ولن نكشف عن حالته، ونريد أن نربي الإصلاح في إخفاء هذه الحقيقة".
وعلى الرغم من تلك الرؤية التي كان يحملها السياسي محمد قحطان وما كان ينشده من وطن يتسع للجميع، فإن ذلك المشروع ووجه من قبل مليشيا مسلحة رفضت الحوار وأعلنت الانقلاب عليه، لتزيد من جراح وطنه، وليصبح مصيره مجهولا كمصير بلاده.
مشروع إقصائي
ووفقا لمراقبين، فإن ما حدث لمحمد قحطان كشف وبما لا يدع مجالا للشك عن الوجه الحقيقي والمظلم لمليشيا الحوثي، وعن مشروعها الإقصائي القائم على الفكر السلالي والعصمة والاستحقاق الإلهي وفقا لما تعتقده وتؤمن به.
ومنذ انقلاب مليشيا الحوثي واستيلائها على السلطة في العام 2014، كرس الحوثيون سياسة الإقصاء والتغييب القسري ضد معارضيهم، تاركين الكثير من المواطنين بمختلف مستوياتهم وانتماءاتهم يسقطون في دوامة ظلمهم وهمجيتهم، فلا يُعرف مكانهم ولا يُعرف مصيرهم أو الحالة التي يعيشونها والظروف التي يقاسونها.
وبحسب الناشط الحقوقي أحمد القرشي فإن "حالات الإخفاء القسري منذ 2014 فاقت 17 ألف حالة، وما تبقى من المختطفين المدنيين قرابة 2000 مختطف مدني، يتعرضون لشتى صنوف التعذيب".
أكثر من عشر سنوات مريرة مرت على اليمنيين، محملة بكافة أشكال القمع وأدواته، وخصم لا يتورع عن أي جريمة وتكميم لأفواه من عارضوه وتغييبهم عن مشهد الحياة.
موقف مريب
وللسنة العاشرة على التوالي، تواصل مليشيا الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران إخفاءها وتغييبها للسياسي اليمني القيادي محمد قحطان في سجونها السرية في صنعاء، على طريقة العصابات الإرهابية، وتحاول جاهدة وبشتى الوسائل تغييب قضيّته عن ملف المفاوضات الذي يتم تفعيله بين الفينة والأخرى برعاية أممية وغيرها بهدف التوصل إلى إطلاق الأسرى والمختطفين.
ويعد السياسي محمد قحطان أحد المشمولين بقرار مجلس الأمن الدولي 2216، والذي يطالب مليشيا الحوثي بالإفراج الفوري عنه دون قيد أو شرط، إلى جانب من تم الإفراج عنهم، كوزير الدفاع الأسبق اللواء محمود الصبيحي، وشقيق الرئيس السابق هادي، اللواء ناصر منصور، والعميد فيصل رجب، وإن كان ذلك القرار لم يحظ باهتمام أو متابعة من قبل الراعي الأممي الذي رعى تلك المفاوضات، إلى جانب المنظمات والأطراف الأخرى الفاعلة في الملف، الأمر الذي أثار استغراب المتابعين وكافة اليمنيين.
وقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حينها موجة استنكار واسعة من قبل سياسيين ونشطاء وحقوقيين من مختلف المكونات السياسية والفكرية والاجتماعية، تنديدا باستمرار تجاهل قضيّة قحطان في مفاوضات المختطفين المدنيين، رغم أن قضيته إنسانية بحتة ولا علاقة لها بالحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات.
شعور بالإحباط
ويبدي أكاديمي يمني، يسكن في مناطق سيطرة الحوثيين فضل عدم الكشف عن اسمه، استغرابه إزاء الموقف السلبي الذي ظهرت به الأطراف الأممية، والتراخي الواضح تجاه تعنت المليشيا الحوثية وفرضها لشروطها المجحفة وتنفيذ سياستها التعسفية، مقابل تخاذل وصمت أممي واضح، الأمر الذي يثير تساؤلات عدة، ويترك علامات تعجب واسعة، إذ إن من شأن ذلك أن يفرغ القرارات الدولية من مضمونها، ويصيب المنظمات الأممية المعنية بحقوق الإنسان في مقتل.
وفي نفس الاتجاه يذهب الصحفي والناشط الحقوقي همدان العليي، الذي عبر عن استغرابه إزاء "تجاهل الأستاذ محمد قحطان السياسي المدني المعروف، وعدم الضغط لإطلاق سراحه، والكشف عن مصيره، وأن اليمنيين يشعرون بالصدمة من هذه المواقف المتراخية منذ نحو عقد من الزمان".
ويؤكد العليي أن ما يحدث في قضية الأستاذ محمد قحطان "يولد شعورا بالإحباط لمختلف اليمنيين، وأن هناك شيئا من التواطؤ ضد حقوقهم".
وأضاف: "نحن نتحدث عن محمد قحطان وبقية رفاقه، إلى جانب العديد من المختطفين الذين يرفض الحوثيون مجرد الحديث عنهم، وهذه جريمة"، مستغربا صمت المنظمات وتجاهلها لقضية قحطان وغيره من المختطفين، قائلاً إن "مجرد صمت المنظمات وتجاهلها لهذه المسائل يعني بأنها تتواطأ وتساهم بشكل أو بآخر في إطالة معاناة هؤلاء".
أقدم مختطف سياسي
ويرى الباحث اليمني عبد الله إسماعيل أن "استمرار إخفاء الأستاذ محمد قحطان والصحفيين والكثير من الشخصيات البارزة الذين تم اختطافهم، يمثل أداة ابتزاز بيد مليشيا الحوثي التي تدرك ذلك جيدا، فقد دأبت المليشيا على المماطلة في عقد أي صفقة تتضمّن إطلاق هؤلاء لأنها تعتبر هذه الشخصيات بالنسبة لها أداة ابتزاز، وتعتبرهم ورقة قوة بيدها، وتتعامل مع ملف المختطفين بشكل عام بشكل ابتزازي رخيص".
وأضاف أن "مليشيا الحوثي تمارس هذا الابتزاز وهذا الاستغلال القذر مع كل المختطفين، وكلما رأت أن المسألة تستدعي أن يكون لديها رصيد من المختطفين تتوجه لخطفهم من الشوارع ومن المدارس ومن مقار العمل".
وتابع إسماعيل: "هذه المليشيا تختطف كل شيء، ليس فقط السياسة، فهي تختطف الدولة والمجتمع، وبالتالي هذا ليس أمرا مستبعدا أن تقوم به مليشيا الحوثي، ولكن المستبعد أن نتعامل معها على أنها يمكن أن تؤمن بالسلام أو أن تكون شريكا في عملية سياسية".
ولفت إلى أن "مليشيا الحوثي عرقية عنصرية إرهابية متطرفة لا تعترف بالآخر، ولا تعترف بالعملية السياسية وبالعملية الديمقراطية، ولا تعترف بالندية في التعامل مع شركاء الوطن".
وقد اعتبر حزب الإصلاح الاستمرار في إخفاء السياسي محمد قحطان من قبل الحوثيين أمرا "غير مقبول"، منتقداً "غياب الضغوط الكافية من الجهة المُيسرة كحق طبيعي".
وقال مصدر مسؤول في الحزب إن "قحطان واحد من الذين يجب الإسراع في إنهاء معاناته ومعاناة أسرته باعتباره أقدم مختطف سياسي".
*الإصلاح نت