رمضان، شهر الرحمة والمغفرة، حمل معاني مختلفة من المعاناة والصمود لأولئك الذين اختطفتهم مليشيا الحوثي وأخفتهم في سجونها ومعتقلاتها حيث والظلم والظلام يلف كل شيء.
بعد عودتهم لأسرهم حمل المختطفون معهم ذكريات مؤلمة وقاسية عاشوها في المعتقلات، حيث كان الجوع والعطش يمتزجان بالأمل والصبر، وحيث الإفطار البسيط والدموع والدعاء بالفرج القريب.
الحرمان والإيمان
المختطف "علي" قال: " أن يحل عليك رمضان وأنت في السجن شيء موحش، وهو الاختبار الحقيقي لإيمانك".
وأضاف في حديثه لـ "الصحوة نت" أن الصيام والجوع والعطش ليست هي المشقة في السجن، بل الضرب والتعذيب الجسدي النفسي، هي المشقة الكبيرة التي يعانيها المختطفون في شهر الرحمة رمضان".
يقول علي إن مليشيا الحوثي لم تحترم قدسية رمضان، وتحول الشهر الفضيل والصيام إلى وسيلة للتعذيب النفسي والجسدي للمختطفين، مشيرا إلى استخدام المليشيات الإفطار للتعذيب حيث تتلاعب في وقت احضاره.
وتابع" يضطر المختطفون غالبا إلى الإفطار على كسرة خبز يابس وماء".
ويتذكر علي (اسم مستعار) انتظاره ورفاقه لحظة الإفطار بفارغ الصبر، حيث يعتمدون على أصوات مفاتيح السجان عندما تقترب منهم بدلا من أذان المغرب، "كنا ننتظر منه أي شيء حتى لو كانت مجرد قطعة خبز".
في المعتقل كان لدى علي كتاب عن قصص الأنبياء وما تعرضوا له وكيف صبروا، فكان رفيقه وجليسه الذي ساعده على تحمل السجن والتعذيب.
لحظات الوحدة والتضامن
أما محمد، مختطف سابق، قال إنه ورفاقه في المختطف حاولوا صناعة لحظات تراحم وتكاتف رغم المعاناة".
وأضاف في حديثه لـ "الصحوة نت" رغم قسوة ظروف السجن، "كنا نتجمع حول طبق صغير من الأرز أو العدس، ونبدأ بالإفطار معا ونصنع من تلك لحظات مميزة بالتكافل والتآلف" مشيرا إلى أنهم لم يتذوقوا التمر في السجن بشكل نهائي، ونعلم بالتأكيد أننا لسنا وحدنا، فهناك مختطفون آخرون يعانون وحالتهم أسوأ.
ويسرد محمد جزءا من تفاصيل حياتهم داخل المعتقل، فقد كان ورفاقه يتناوبون على قراءة الدعاء قبل الإفطار، "كنا ندعو لأنفسنا ولأسرنا، ولليمن كلها بالفرج القريب، وكل سجين يوصي زميله بأن يدعو له برغم أننا جميعا في نفس الزنزانة لكنا كنا نشعر أن دعاءنا في هذا المكان المظلم قد يكون أقرب إلى الله."
التراويح في الظلام
ويواصل محمد سرد الذكريات قائلا: "كنا نصلي التراويح -بالسر-في زوايا الزنزانة وحتى لا يرانا السجانون لان التراويح كانت ممنوعة ولم يكن هناك مسجد، لكننا كنا نجتمع في زاوية ونصلي معاً بصوت خافت، بما تيسر مما نحفظ من القرآن.
يقول " لا تسمح مليشيا الحوثي بإدخال المصاحف للمختطفين، وتمنع عنهم التراويح أيضا، ورغم كل ذلك كنا نشعر أننا قريبون من الله، ولدينا يقين أن الله لن يضيعنا".
ليلة القدر والأمل
يوسف الذي ضاق به الحال في المختطف، لجأ ورفاقه الى إحياء ليلة القدر فهي أملهم في أن يستجيب الله لهم ويتحرروا من سجون الكهنوت الحوثي".
يقول يوسف في حديثه لـ "الصحوة نت" أحيينا هذه الليلة المباركة وكأنها هي فرجنا واملنا في الخلاص ودعونا الله من خالص قلوبنا أن يحررنا من هذا الظلم".
يضيف أن زميلا له قال له بعد صلاة القيام "إن هذه الليلة هي بداية النهاية لمعاناتنا لأن الله سيستجيب لدعائنا، وبالفعل تم اطلاق سراحي بعد أيام، ليلة القدر تلك الليلة مميزة بالنسبة لي، لن أنساها"
ويضيف لموقع الصحوة نت “كنت ابكي كل ليلة، واتخيل أطفالي وهم يبحثون عني وأتساءل: هل يأكلون؟ هل ينامون؟ هل يذكرونني؟ كانت هذه الأسئلة تؤلمني لكني كنت أجد عزائي في الصلاة والدعاء وأدعو الله أن يحفظ أطفالي، وأن يعيدني إليهم، وأتخيل يوم خروجي، وكيف سأحتضنهم بقوة، وبعد خروجي من السجن أول شيء فعلته هو الذهاب إلى أطفالي وبكينا جميعا، كانت لحظة لا تُنسى".
درس قاسي
لم ينس خالد، المختطفين في سجون مليشيا الحوثي، فهو يخصص لهم دعوات أن يفرج الله عنهم وأن يعودوا على أسرهم وأطفالهم.
على الرغم أن خالد تحرر من تلك السجون قبل سنوات، لكن الألم والمعاناة التي واجهها اثناء الاختطاف لم تنسه بقية المختطفين والأسرى.
في حديثه لـ "الصحوة نت" يقول خالد :"رمضان في السجن كله حزن وشوق ولوعة وألم، وأنا بين أهلي اليوم فإني أدعوا للمختطفين والمغيبين والأسرى الذين يعانون كل يوم، كما أدعو الله أن يرحمنا جميعاً وألا يتعرض أي شخص لهذه الجريمة."
ويضيف: "عشنا اختباراً قاسياً لانزال نحمل ذكرياته المؤلمة، لكننا أيضاً تعلمنا دروساً في الصبر والقوة، وتعلمنا أن الحرية نعمة لا تُقدر بثمن، وأن الإيمان يمكن أن يكون أقوى من أي قيد".