مع اقتراب وقت أذان المغرب، ينشغل "محمد عبدالسلام"، أحد سكان مديرية الشيخ عثمان في عدن، بإعداد وجبات الإفطار الجماعي، بينما يتوافد عشرات الصائمين إلى موائد الشوارع الممتدة في الأحياء السكنية والطرقات، بحثًا عن وجبة تسد رمقهم بعد يوم طويل من الصيام.
حيث يهرع الرجالٌ والشبابٌ من مختلف الأعمار إلى توزيع الوجبات، بينما يجلس المارة وعابرو السبيل والعمال البسطاء في حلقات متجاورة، يتبادلون الابتسامات والحديث بانتظار لحظة رفع الأذان، ليبدأوا إفطارهم وسط أجواء تسودها الألفة والمحبة.
ورغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، الا أن إفطارات الشوارع في عدن لا تزال عادة رمضانية متوارثة، يحرص الأهالي على إحيائها عامًا بعد عام، مقدمين وجبات الإفطار ليس فقط للفقراء والمحتاجين، بل لكل من تأخر عن بيته، في رسالة صادقة تعكس روح العطاء والكرم العدني الأصيل.
عادات متوارثة
يقول المواطن محمد عبدالسلام، وهو احد سكان مديرية الشيخ عثمان: "هذه المبادرة بدأت بشكل فردي، لكنها تحولت إلى عادة سنوية، حيث يجتمع المتبرعون والمتطوعون لتجهيز الوجبات وتوزيعها على الصائمين، سواء من المارة أو العمال البسطاء الذين لا يتمكنون من العودة إلى منازلهم قبل الإفطار."
ويضيف في تصريح خاص لـ"الصحوة نت" أن الإفطارات الجماعية في شوارع المدينة تُعد من أجمل العادات الرمضانية التي ترسخ قيم التكافل والتراحم بين أبناء المجتمع، مشيرًا إلى أن هذه المبادرات لا تقتصر فقط على تقديم الطعام، بل تخلق جوًا من الألفة والتواصل بين الناس.
ويؤكد محمد أن إفطارات الشوارع ليست مجرد عادة حديثة، بل هي موروث شعبي توارثته الأجيال عن أجدادهم، حيث كان الأهالي قديمًا يفرشون الحصائر أمام المنازل ويقدمون الطعام للمارة وعابري السبيل.
وأشار إلى أن أبناء عدن لا يزالون حتى اليوم يحافظون على هذه العادة بكل حب، رغم التغيرات التي طرأت على المدينة، متبرعين بالأطعمة ومتعاونين في تنظيم الموائد الرمضانية.
وأوضح أن هذه العادة تعكس روح المدينة القائمة على التآخي والتكاتف، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها اليمن، مشيرًا إلى أن ما يميز عدن هو أن الخير يظل حاضرًا فيها مهما كانت الظروف، فسكانها يتسابقون لفعل الخير، ويحرصون على استمرار هذه الإفطارات، لأنها ليست مجرد طعام، بل رسالة حب وتضامن بين الجميع.
تضامن مجتمعي
لم تكن إفطارات الشوارع تقتصر على العائلات المتبرعة فقط، بل انضمت إليها بعض المبادرات الشبابية والجمعيات الخيرية، التي تسعى إلى تنظيم هذه الفعاليات يوميًا طوال الشهر الكريم.
وفي هذا السياق، يوضح فؤاد الحاج، أحد القائمين على مبادرة شبابية لإفطار الصائمين، أن الهدف من هذه الأنشطة ليس فقط سد حاجة الجوعى، بل أيضًا تعزيز قيم التكافل والتراحم في المجتمع.
ويقول الحاج في تصريح خاص لـ"الصحوة نت": "الناس هنا يعانون من أزمات معيشية خانقة، لكن رمضان يُحيي فيهم روح العطاء، فنجد الجميع يتسابقون للمساهمة، بعضهم يتبرع بالطعام، وآخرون بالمال، وفريقٌ آخر يساهم بجهوده في توزيع الوجبات وترتيب الموائد."
ويشير إلى أنه مع انطلاق أذان المغرب، يبدأ الجميع في تناول طعامهم وسط تبادل الابتسامات والدعوات الطيبة، وكأن هذه الموائد لم تكن مجرد وجبات لسد الجوع، بل مساحة دافئة تبعث الطمأنينة في النفوس وتمنح الجميع شعورًا بالأخوة والانتماء.
ويؤكد أن إفطارات الشوارع في عدن، رغم أزمات الحياة وصعوباتها، تبقى شاهدًا على أن الخير لا يزال حاضرًا، وأن رمضان سيظل شهر الرحمة والعطاء مهما كانت التحديات.
