رمضان الحديدة في ظل سيطرة المليشيا.. معاناة متفاقمة وقمع متصاعد وطقوس غائبة

رمضان الحديدة في ظل سيطرة المليشيا.. معاناة متفاقمة وقمع متصاعد وطقوس غائبة

عامًا بعد عام، تتلاشى الطقوس الشعبية المعتادة لاستقبال شهر رمضان في مدينة الحديدة، ويخفت معها جزء من وهج روحانية الشهر الكريم، في ظل سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية على المدينة وتشديد قبضتها الأمنية على الأهالي، وفرضها طقوسًا دخيلة على المجتمع المحلي.

وحولت مليشيا الحوثي الإرهابية شهر رمضان إلى مناسبة سنوية لممارسات القمع الطائفي والتضييق الاقتصادي وطمس هوية المجتمع اليمني، ليصبح الشهر الفضيل في مدينة الحديدة مجرد ذكرى باهتة لما كان عليه قبل مجيء مليشيا الحوثي وسيطرتها على المدينة.

- "مثل الكابوس".. رمضان في ظل سلطة الحوثي:

"مثل الكابوس".. بهذه العبارة أجابت أم هاني (53 عامًا) حين سألناها: كيف رمضان معكم؟، لتصف واقعًا مريرًا فرضته مليشيا الحوثي على الأهالي. فاطمة، أو كما يناديها الناس "الخالة أم هاني"، هي أم لأربعة أبناء، أكبرهم هاني (19 عامًا) وهو مقعد، بينما فقدت زوجها بسبب الفشل الكلوي قبل سنوات.

نزحت أم هاني مع أسرتها من الدريهمي إلى الحديدة أواخر 2019، وذلك بعد أن تدمر منزلها إثر القصف الحوثي العشوائي على المنطقة حينها. ويعيشون اليوم مستأجرِين في غرفة ضيقة غير مسقوفة، وأمامها مساحة رملية صغيرة، صار جزء منها مطبخهم وجزء آخر يستخدمونه كحمام.

تضطر فاطمة إلى الوقوف يوميًا في سوق عثمان، وسط مدينة الحديدة، من الساعة 2 ظهرًا حتى 7 مساءً، لبيع "شوربة" و"لحوح"، قامت بإعدادهما مسبقًا في البيت بعد أن حصلت عليهما كمساعدات من فاعلي خير، وذلك لتوفير الحد الأدنى من احتياجات أسرتها، خاصة علاج ابنها المقعد.

في مخيمات النازحين بأطراف مدينة الحديدة، يبدو الوضع أكثر قسوة، حيث يستقبل ضحايا الحرب وكارثة سيول العام الماضي، شهر رمضان بظروف مأساوية، وسط غياب تام لسلطات مليشيا الحوثي، التي تتنصل عن مسؤوليتها تجاه أوضاع المدنيين.

بحسب شهادات النازحين، لم تقدم مليشيا الحوثي الإرهابية للمتضررين - المتواجدين في المخيمات- سوى خيمة وسلة غذائية لمرة واحدة عقب كارثة السيول، ومنذ ذلك الحين تعتمد عشرات الأسر في المخيمات على مساعدات التجار ورجال الأعمال وفاعلي الخير.

- فرض طقوس طائفية:

كجزء من طقوسهم الخاصة، يحرص أبناء تهامة، ومدينة الحديدة بشكل خاص، على إحياء ليالي رمضان بتجمعات خاصة بعد صلاة التراويح، حيث يجتمعون في الساحات العامة أو داخل الأحياء والحواري، ويتخلل سهراتهم الرمضانية ترديد الأناشيد الدينية والذكر والألعاب الشعبية والفعاليات الثقافية التي تعكس روح المجتمع التهامي.

هذه الطقوس والمظاهر المفعمة بالروحانية، طغت عليها اليوم أفكار سلالية طائفية مستوردة من قواميس طهران ومليشياتها في العراق ولبنان، حيث فرضت سلطات الحوثي في مدينة الحديدة على كل التجمعات الاستماع لمحاضرات زعيم المليشيا وبرامجهم الطائفية طيلة السهرة، من خلال نشرها شاشات كبيرة في الأماكن والساحات العامة.

إلى ذلك، اختفت الزينة الشعبية والإضاءات الملونة التي كانت تزين شوارع وأحياء مدينة الحديدة في كل رمضان، لتحل محلها رايات خضراء ولافتات طائفية تتضمن صور الهالك "حسن نصر الله"، رفعتها مليشيا الحوثي في المدينة، في إطار استهدافها لهوية اليمنيين وتثبيت فكرة الصوت واللون الواحد.

- تضييق وحرب على المساجد:

وفي سياق تضيقها على المواطنين، أصدرت ميليشيا الحوثي الإرهابية توجيهات لأئمة المساجد في مدينة الحديدة بتأخير أذان المغرب، واعتماد تقويم الصلاة ومواقيت الإمساك التي عممتها المليشيات على مساجد المدينة، محذرة من أن أي مخالفات ستواجه بعقوبات صارمة.

وأجبرت سلطات مليشيا الحوثي أئمة الجوامع الكبيرة في المدينة بعدم فتح مكبرات الصوت أثناء إقامة صلاة التراويح، والاكتفاء بالسماعات الداخلية، في حين قامت بنشر سماعات ومكبرات صوت في جولات المدينة وأسواقها الرئيسية، وذلك لبث برامجها الطائفية على مدار الساعة.

كما ألزمت مليشيا الحوثي القائمين على المساجد في مدينة الحديدة بتشغيل دروس ومحاضرات "عبدالملك الحوثي" عبر مكبرات الصوت خلال فترة العشاء طيلة شهر رمضان، في خطوة إضافية لفرض خطاب الكهنوت الحوثي على المجتمع اليمني.

- إتاوات ومنع للأعمال الخيرية:

لم تقتصر انتهاكات مليشيا الحوثي الإرهابية، في شهر رمضان، على تقييد الحريات الدينية، بل امتدت إلى استهداف الاقتصاد المحلي عبر فرض إتاوات جديدة على التجار في مدينة الحديدة.

خلال الأسبوعين الماضيين، شنت المليشيا حملة واسعة لإجبار أصحاب المتاجر على دفع مبالغ مالية تحت ذرائع واهية، منها "الرقابة على الأسعار" و"تمويل أنشطة رمضانية"، ما أدى إلى إغلاق 38 متجرًا واعتقال 18 تاجرًا.

ووفقًا لصحيفة "الشرق الأوسط"، اقتحم مسلحو الحوثي الأسواق في مديريات متعددة مدعومين بعربات عسكرية، وأجبروا التجار على دفع الإتاوات بالقوة، في خطوة تعكس استغلال الجماعة للشهر الكريم لتعزيز مصادر تمويلها على حساب معاناة السكان.

ومنعت مليشيا الحوثي التجار وأصحاب المطاعم ومحلات الصرافة في الحديدة، من تقديم أي مساعدات مالية أو سلال غذائية أو توزيع وجبات الإفطار للفقراء والمحتاجين دون إذن مسبق من سلطاتها في المدينة، في إطار مساعيها للتضييق على المواطنين.

وفي وقتٍ سابق، أكدت مصادر خاصة لـ"الصحوة نت" أن مليشيا الحوثي فرضت على عشرات المطاعم في الحديدة تقديم وجبات إفطار يومية، وذلك لتوزيعها على عناصرها الأمنية، في صورة جلية لمدى بُعد هذه الجماعة عن واقع المواطنين وتنصلها عن المسؤولية تجاههم.

وفي ظل هذا الواقع، يتحول شهر رمضان في مدينة الحديدة من مناسبة دينية تملؤها الروحانية والتكافل إلى موسمٍ تتجدد فيه معاناة الأهالي، تحت وطأة سياسات التضييق والتجويع والقمع التي تفرضها مليشيا الحوثي على السكان في هذا الشهر الكريم.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى