ظهر عم زعيم ميلشيات الحوثي الإرهابية، محمد عبد العظيم الحوثي، مؤخرا من إيران وقدم نفسه كمرجعية دينية للزيدية في اليمن، وكشف عن أراء ومواقف طائفية ومذهبية متطرفة ضد غالبية اليمنيين وقضايا أخرى، وهي فتاوى دينية في الواقع ينظر إليها أتباعه بثقة مطلقة.
ويأتي ظهور الحوثي عبد العظيم الحوثي، بعد الضربة التي تعرض لها المحور الإيراني في لبنان والعراق، وسوريا، في الوقت الذي تحاول طهران لملمة خسائرها في المنطقة العربية، حيث لم يتبقى من أتباعها سوى ميلشيات الحوثي مازالت صالحة للاستخدام في مفاوضاتها مع الغرب وأمريكا في برنامجها النووي.
ومع دخول تصنيف ميلشيات الحوثي منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة قيد التنفيذ، وحالة الرفض التي تواجه الجماعة لدى اليمنيين في مناطق سيطرتها، يحفز هذا سقوطها في أقرب معركة عسكرية مع قوات الجيش الوطني والشرعية اليمنية التي تهدف لاستعادة الدولة وإنهاء سيطرة الميلشيات.
من هنا نطرح تساؤل، ماذا تريد إيران من محمد عبد العظيم الحوثي، المرجعية الزيدية المتطرفة والذي لم يكن دائما على علاقة توافق كلية مع زعيم ميلشيات الحوثي، لكن تجمعهم كثير من القواسم المشتركة في العداء لليمنيين والتطرف والاستعلاء السلالي، مع تباينات في أوليات الحق الإلهي في الحكم.
من هو عبد العظيم الحوثي؟
يعرف محمد عبد العظيم الحوثي نفسه بانه المولى والإمام والحجة على المذهب الزيدي في اليمن، ويقول بأنه ينتمي لأسرة حسنية هاشمية عمل أجداده كبار مستشاري حكم الإمامة خلال قرون مضت، وفق ما ذكر في مقابلة مع مؤسسة إيرانية في طهران.
وهو ابن عم والد زعيم ميلشيات الحوثي عبد الملك الحوثي، ورغم أنهم ينتسبون لذات المذهب إلا أنهم يختلفون في كثير من المسائل الفقهية ووجهات النظر المتطرفة، وصلت تلك الخلافات إلى مواجهات عسكرية خلال فترات متقطعة من السنوات الماضية بمحافظة صعدة شمالي اليمن.
ويعد "محمد عبد العظيم الحوثي" جزء من جماعة تقليدية في المذهب الزيدي الجارودي الذي نشأ في صعدة، والتي كانت تعيش صراعاً بزعيمين للمذهب وهما مجد الدين المؤيدي (توفي 2007) الذي ينتمي له عبد العظيم، بالإضافة إلى بدر الدين الحوثي، والذي تولى أبناؤه حسين سابقاً، وعبد الملك حالياً في تأسيس جماعة الحوثي المصنفة حالياً ضمن المنظمات الإرهابية الدولية.
خاضا جناحي الطائفية في اليمن معارك فكرية وعقائدية ضمن ما يعرف بأولويات الإمامة الزيدية، لكن يتفقان بشكل مطلق مع إمامة البطنين أو آل البيت، بمعنى ألا يتولى الحكم إلا أحد سلالتهم، لكن يطغى على "عبد العظيم الحوثي" التطرف المطلق ليس فقط ضد اليمنيين بل حتى في المذهب الزيدي الجارودي.
وبرز هذا التطرف -خلال مقابلته مؤخرا في إيران- حيث قال عبد العظيم الحوثي "أجبرنا جميع السكان على التشيع في صعدة، بما فيهم أتباع الوهابية" على حد قوله، في إشارة لبقية اليمنيين. وتابع "التشيع في صعدة أجبر هؤلاء على التشيع قسرا، وعلى إظهار ممارسة التشيع من دون رغبة منهم وجعلناهم يمارسون التقية في إظهار الطقوس الشيعية".
وتفاخر بطرد اليمنيين الذين هم ليسوا من "الزيدية الشيعية" في محافظة صعدة وقال: "لم يعد خطر على الزيدية في صعدة، قد صرنا أخطر منهم جميعا، وأنا وحدي طردتهم من وايلة ودهم (قبائل كبيرة في صعدة)". وكان "عبد العظيم الحوثي" سابقا يتفاخر أمام بعض زواره بأنه هو من طرد يهود آل سالم من صعدة.
علاقته بإيران
تعد الزيارة الأخيرة لمحمد عبد العظيم الحوثي إلى إيران تطورا بارزاً في محاولة استقطاب جديدة ولها سوابق تأريخية، منذ ثمانينات القرن الماضي، بعد بدء طهران تصدير الثورة إلى الدولة العربية وكان ذلك مشروع الخميني لنفوذ أوسع يحمي إيران ونظام ولاية الفقية.
وخلال سلسلة من الزيارات العلنية والسرية قام بها مسؤولين إيرانيين إلى صعدة في الثمانينات، لاستقطاب ودعم زعامات فكرية شيعية كان محمد عبد العظيم الحوثي أحد أهداف طهران من أجل دعمه كحليف في الوقت الذي كانت تنمو حركة التمرد ضد الدولة من مراجع الزيدية المتطرفة.
وكان المرجع الزيدي محمد عبد العظيم الحوثي من أوائل الذين قصدهم السفير الإيراني وفريقه القادم من طهران حينها، ضمن آخرين ومنهم بدر الدين الحوثي، الذي حصل أولاده على الدعم الإيراني خلال العقود الماضية، وأسسوا جماعة الحوثي الإرهابية وبعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء أصبحوا يعرفون أنفسهم بمسمى "أنصار الله".
ويرى مراقبون أن الزيارة الأخيرة إلى إيران من قبل عبد العظيم الحوثي، تكشف تطورا لافتا بعلاقته مع الحوثيين، بعد سنوات من العداء والفتاوى التكفيرية بينهما، حول من أحق بالحكم والسيطرة (الإمامة) منهما وتأتي في سياق أجندة الحوثيين.
ورأى الصحافي عدنان الجبرني المتخصص بشؤون جماعة الحوثي في حديث لـ"الصحوة نت"، "يصعب أن تكون زيارة محمد عبد العظيم الحوثي إلى إيران بدون تنسيق من الحوثيين أو بدون رضاه".
ورأت الباحثة اليمنية المتخصصة بالشأن الإيراني، امل العالم "إن الايرانيين يعملون على توجه في التقريب بين الزيدية والشيعة الاثنا عشرية في المنطقة وهذا الأمر يبدأ باللقاءات والحديث والتعرف على الفكر والمعتقدات".
وتضيف في حديث لـ"الصحوة نت"، "أعتقد سنرى في الفترة القادمة العديد من الشخصيات الزيدية في ايران، ولا يمكن إغفال أن المذهب الزيدي (الجارودي أو الهادوي) هو مذهب غير معروف"، في إشارة إلى حالة التكتل الإقليمي الذي تقوده إيران.
وسبق زيارة عبد العظيم الحوثي إلى إيران، زيارة إلى العراق في سبتمبر/ أيلول 2024، والتقى بالأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعليّ، أحد أبرز الفصائل الشيعية في العراق التابعة لإيران.
وقالت الباحثة أمل العالم "أن العلاقات الحوثية الإيرانية وارتباط الحوثيين بما يعرف بمحور المقاومة ظهر خلال فترة الصراعات والحروب والنزاعات ولم يسبق ذلك وجود علاقات شعبية بين الحوثيين وبقية جماعات المحور ولا يوجد مشتركات واضحة تجمعهم ببعض مثلما هو الحاصل بين الشيعة الاثنا عشرية في حزب الله والايرانيين وايضا الفصائل الشيعية في العراق".
ومن لقاءات محمد عبد العظيم الحوثي تقول العالم إن "هو مكان مخصص للفعاليات الثقافية الدينية والأشخاص الذين التقوا بهم هم من الكتاب والباحثين وصناع المحتوى، والهدف التعرف على معتقدات الزيدية في اليمن والنظر في إمكانية تعريف الأخرين بالزيدية".
وتؤكد امل العالم "بالمجمل هناك توجه إيراني لانفتاح على المجتمع والثقافة في اليمن ضمن سياق المشروع الإيراني، حيث أقاموا معرض لرسام الكاريكاتور الحوثي كمال شرف واحتفى به الإعلام الإيراني".
الأهداف الإيرانية
ان المتتبع للسياسة الإيرانية في إنشاء الجماعات المسلحة الشيعية العربية يدرك تماما إن طهران تعمل على "تجميع شبكة متعددة الطبقات من الميليشيات الإقليمية ذات هياكل تنظيمية وقيادة منفصلة ومصالح وعلاقات متداخلة مع المؤسسات الأمنية والدينية الإيرانية" وفق عدة خبراء.
وتهدف هذه البنية المتعددة بالنسبة لطهران الى تحقيق "نفوذا كبيرا وزرع بذور عدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط الكبير وخارجه مع الحفاظ على إمكانية الإنكار المعقول" وعلى الرغم من أن هذه العلاقات غالباً ما تكون انتهازية للغاية، فإن ذلك لا يبطل فائدتها لأي من طرفي المعادلة.
وقد عملت الطبيعة التطورية للاستثمارات الإيرانية في عملائها لصالحها، مما مكن المؤسسة الأمنية الإيرانية من بناء شراكات ذات قيمة استراتيجية دائمة، تمنح تلك السياسة إدارة طهران العملياتية لوكلائها إنها متعددة الاستخدامات وديناميكية، حيث تستخدم مجموعات شاملة وغرف عمليات مشتركة لتجميع وتوجيه الفصائل المتنوعة.
ثمة عامل اخر يدفع إيران الى التعرف بمحمد عبد العظيم الحوثي وإقامة علاقات معه حتى وان ظهرت في الفترة الحالية تحقيق أهداف متعددة مثل العلاقات مع الزيدية بشكل عام والإجابة عن تساؤلات والمحور الإيراني عن مستجدات المتغيرات الإقليمية والعملية السياسية في اليمن تدفع طهران لتوسيع خياراتها.
وفي الوقت الذي تتراجع آمال التسوية السياسية لإنهاء الحرب في اليمن مع تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية دولية، تحاول إيران تنويع خياراتها في الأتباع مع الميلشيات بأسس عقائدية متطرفة مثل عبد العظيم الحوثي، سواء عادت الحرب بأشكال مختلفة، أو انقسمت مجموعة الحوثيين بعد العقوبات.
نموذج العراق في اليمن
للإيرانيين تجربة متطورة في العراق في إنشاء الجماعات المتعددة التابعة لها، من أبو مهدي المهندس الى قيس الخزعلي الى أكرم الكعبي، كذلك كان الأمر في سوريا بتعدد المليشيات الإيرانية هناك قبل سحقها جميعا على يد الثورة السورية.
والهدف الرئيس من المليشيات الشيعية الوكيلة هي حماية إيران، ومن هذا ينشأ الهدف الإيراني في إنشاء طبقات متعددة من المليشيات وعدم الاعتماد على جماعة واحدة، خاصة بعد الضربات التي تعرضت لها في سوريا ولبنان، ومؤخراً دخول ميلشيات الحوثي ضمن أجندات العقوبات الأمريكية.
وكان لافتاً من محمد عبد العظيم الحوثي، في تقديم نفسه كوكيل صاعد لطهران في اليمن، لم يظهر انه وابن عمه جماعة واحدة، كما لم يقول انهم مجموعتين مختلفتين، غير انه تجاهل كليا الإشارة الى جماعة الحوثي وزعيها، ونسب الفضل كله في سيطرة الحوثيين الى جهوده على مدى ستة عقود مضت.
ويكشف عبد العظيم حالة التنافس مع عبد الملك الحوثي في تقديم أنفسهم لخدمة إيران، حيث قدم مقاربات أو تنازلات كبيرة في تصالحه مع "عقيدة الرجعة" -هي عودة الإمام الغائب يؤمن بها الاثنا عشرية في إيران- والتي ينكرها مرجعيات الزيدية يفتون بظلال من يؤمن بها. لكنه قال "أنا ما عندي مانع منها، لا يوجد وجه لثبوتها، ولا نفيها".
وتحدث -في المقابلات التي نشرتها مؤسسة إيرانية- عن حرمة الفرقة والعداء بين الفرق الشيعية، وضرورة التوحد، وأشاد بالدولة الصفوية والدفاع عنها بشرسة وتبرأتها من مسؤولية أنهاء الوجود الزيدي في الديلم وجيلان وطبرستان في إيران.
وتماهى مع الخطاب الإيراني بالقول "أن من يفرق بين الزيدية والصفوية هم من المستشرقين في الغرب بهدف ضرب الفرق الشيعية"، يشير النهج والفتاوى التي قدمها محمد عبد العظيم الى استعداد شامل من جانبه للتنازل عقديا من موقعه المذهبي الكبير من أجل الحصول على الدعم الإيراني.
وفي الوقت الذي يرى الرجل السبعيني، بأنه مرجع العائلة الحوثية والمذهب الزيدي لكن ذلك لم يمنحه التقدير والثقة من إيران، في المقابل يدرك أن سر تفوق عبد الملك الحوثي عليه -رغم أنه شاب صغير- كان الدعم القادم من طهران، ولذلك حاول تدارك ما فات، املا منه في الحصول على دعم من إيران التي تجد مصلحة أيضاً في ذلك.
وتخشى إيران من أي تطورات قد تودي الى انهيار منظومة عبد الملك الحوثي، خاصة أنها تخلو من مرجعيات معتبرة وفق التقاليد الزيدية ومن العائلات الزيدية الكبرى، وتريد بناء قاعدة شعبية يمكن الجماعات التابعة لها من البقاء والاستمرار إذا تعرضت تلك الجماعات العسكرية لتطورات مفاجئة على غرار ما حصل في سوريا مثلا، أو تعرضت لضربات كبيرة واغتيالات لم تكن متوقعة مثل حصل مع حزب الله.