فضائح التعليم العالي في ظل سيطرة الحوثيين.. شهادات حسب الولاء"

فضائح التعليم العالي في ظل سيطرة الحوثيين.. شهادات حسب الولاء"


برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة استغلال التعليم العالي كأداة للترويج لأجندات الحوثيين وتلميعهم، وامتدت هذه الظاهرة إلى منح شهادات علمية لقيادات المليشيات دون استيفاء الشروط الأكاديمية المطلوبة.

 

وأثارت هذه الممارسات تساؤلات حول مصداقية الدرجات العلمية وقيمة الشهادات الممنوحة من قبل الجامعات اليمنية، لا سيما جامعة صنعاء، التي كانت تُعتبر في السابق واحدة من أبرز المؤسسات التعليمية في المنطقة.

 

- تشويه التعليم العالي:

تشير تقارير غير رسمية إلى أن مليشيا الحوثي منحت نحو 400 شهادة علمية لعدد من قياداتها دون مراعاة للأسس الأكاديمية المتعارف عليها. وأحد أبرز الأمثلة على ذلك، منح المدعو "مهدي المشاط" درجة الماجستير في "العلوم السياسية"، رغم عدم حصوله على أي شهادة مدرسية أساسية.

 

ويرى أكاديميون أن هذا الإجراء يندرج ضمن استراتيجية مدروسة تهدف إلى تعزيز شرعية هذه القيادات سياسيًا واجتماعيًا، عبر منحهم شهادات علمية وهمية أو غير مستحقة لتلميعهم وتبرير ترقياتهم إلى مناصب عليا.

 

وقبل "المشاط"، حصل قيادي حوثي آخر يُدعى "علي الهتار" درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة صنعاء، رغم عدم وجود أي أبحاث أو دراسات أكاديمية منشورة باسمه.

 

بالإضافة إلى ذلك، تم تسريب معلومات تفيد بحصول قيادات أخرى، مثل شقيق زعيم المليشيات يحيى بدر الدين الحوثي، على شهادات عليا في القانون والعلوم الإنسانية دون اجتياز المتطلبات الأكاديمية المعتادة.

 

وفي عام 2019، كشفت معلومات عن منح حسين علي حازب، المعين من قبل الحوثيين وزيرًا للتعليم العالي منذ عام 2021، درجة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة صنعاء دون تقديم أي رسالة علمية، وذلك بعد تدخل مباشر من قيادات الجماعة.

 

كما تم تعيين القيادي الحوثي" أحمد المجاهد" في منصب بارز في كلية الطب بجامعة صنعاء برتبة "بروفيسور" في أواخر عام 2020، رغم أنه لم يدرس الطب أو يمارس الجراحة من قبل. وأظهرت وثائق مسربة أن تعيينه جاء بناءً على أوامر مباشرة من زعيم المليشيات.

 

وفي يونيو 2018، حصل علي حسين الحوثي، نجل مؤسس مليشيا الحوثي، على رتبة "لواء" من الأكاديمية العسكرية، رغم أنه لم يكن قد أكمل الثلاثين من عمره، وتم تعيينه لاحقًا قائدًا لقوات النجدة والأمن العام في صنعاء بصلاحيات واسعة.

 

- بيع وتزوير الشهادات:

في عام 2021، تم الكشف عن شبكة فساد داخل جامعة صنعاء يديرها رئيس الجامعة القاسم عباس شرف الدين ونائبه إبراهيم المطاع ومحمد شكري، نائب رئيس الجامعة لشؤون الطلاب، حيث يتم بيع شهادات البكالوريوس والماجستير بمبالغ تتراوح بين 5,000 و10,000 دولار أمريكي.

 

ووفقًا لمصادر خاصة، فإن هذه الشبكة كانت تعمل بتنسيق مباشر مع وزارة التعليم العالي الخاضعة للحوثيين، حيث يتم منح الشهادات لعدد من قيادات المليشيات وأقاربهم وأبنائهم دون حضور المحاضرات أو اجتياز الامتحانات، خصوصًا في كليات الشريعة والقانون، التجارة، والإعلام.

 

وأدى هذا الفساد المستشري وبروز الفضائح المتكررة إلى تدهور سمعة جامعة صنعاء دوليًا، حيث أوقفت دولة الكويت اعتماد شهاداتها، كما تم إلغاء الاعتراف الدولي بها من قِبَل عدد من المؤسسات التعليمية العالمية.

 

وفي عام 2022، تم اكتشاف أن بعض الأبحاث العلمية المنشورة باسم قيادات حوثية في مجلات أكاديمية وهمية كانت مجرد نسخ مكررة من أبحاث قديمة تم سرقتها من باحثين آخرين، منها بحثٌ نُشر باسم القيادي الحوثي علي العماد في مجال الأدب العربي، والذي تبين لاحقًا أنه مسروق بالكامل من أطروحة دكتوراه قدمها باحث مصري عام 2010.

 

وفي ديسمبر 2023، منحت جامعة صنعاء القيادي الحوثي قاسم الحمران، أحد أصهار زعيم المليشيات، درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف، رغم كونه المشرف الأول على معسكرات تجنيد الأطفال، ونائب وزير التربية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها.

 

وفي أواخر 2023، أقدمت مليشيا الحوثي على تعيين محمد أحمد الوشلي مديرًا لمكتب الأشغال العامة والطرق بمحافظة الحديدة بشهادة مزورة من جامعة صنعاء، لتُظهِر في وقت لاحق وثيقة رسمية صادرة عن الجامعة أن اسمه غير موجود في سجلات الخريجين، وأن الشهادة التي يحملها مزورة وغير صحيحة.

 

- أداة سياسية بيد الحوثيين:

يقدّر خبراء أن نسبة الشهادات العلمية الممنوحة دون استحقاق في الجامعات اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، لا سيما جامعة صنعاء، قد تصل إلى 30% من إجمالي الشهادات الممنوحة خلال السنوات العشر الماضية، وتشمل هذه النسبة شهادات البكالوريوس، الماجستير، والدكتوراه التي مُنحت لقيادات سياسية وعسكرية موالية للجماعة.

 

وفي هذا السياق، قال الأكاديمي الدكتور سمير الحكيمي لـ"الصحوة نت"إن هذه الممارسات أدت إلى تراجع كبير في سمعة الجامعات اليمنية، حيث انخفضت نسبة الطلاب الدوليين الذين كانوا يدرسون في اليمن من 15% قبل عام 2014 إلى أقل من 1% حاليًا.

 

وأضاف: "كما انخفضت نسبة اليمنيين الذين يعتمدون على شهاداتهم الجامعية للحصول على فرص عمل خارج البلاد، حيث أصبحت الشهادات اليمنية تواجه تشكيكًا واسعًا في دول الجوار والعالم العربي".

 

وأوضح الحكيمي أن جامعة صنعاء كانت تُعتبر في السابق من أعرق الجامعات العربية، وتُخرِّج آلاف الطلاب سنويًا في تخصصات متنوعة، وتتمتع بسمعة أكاديمية قوية وشهاداتها معترف بها دوليًا، لأن عملية منح الدرجات العلمية كانت تخضع لمعايير صارمة.

 

وأشار إلى أن الطلاب كانوا يخضعون لامتحانات دقيقة ويقومون بإعداد أبحاث علمية مكثفة للحصول على شهاداتهم، أما اليوم، فقد تحولت الجامعة إلى أداة سياسية في يد جماعة الحوثيين، حيث تم إضعاف النظام الأكاديمي وتهميش الكفاءات العلمية.

 

وأكد أن عملية منح الشهادات باتت اليوم تعتمد على الولاءات السياسية بدلاً من الجدارة الأكاديمية، حيث تم تعيين عدد من الأفراد غير المؤهلين في مناصب أكاديمية رفيعة، مما أدى إلى تدهور مستوى التعليم والبحث العلمي في البلاد.

 

- الآثار السلبية لهذه الظاهرة:

من جهته، يرى الدكتور "منصور المنتصر" أن هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على سمعة الجامعات اليمنية، بل لها تأثيرات سلبية واسعة النطاق على المجتمع اليمني ككل، حيث أدت إلى تآكل الثقة في المؤسسات التعليمية، وأصبح الطلاب والمجتمع يشككون في قيمة الشهادات الممنوحة.

 

وأضاف المنتصر، في تصريح لـ"الصحوة نت "، أن هذه الممارسات ساهمت في تفشي الفساد الأكاديمي، حيث أصبحت الشهادات تُباع وتُشترى، مما أدى إلى إنتاج جيل من الخريجين غير المؤهلين لسوق العمل.

 

إلى جانب ذلك، تسببت هذه الظاهرة في حرمان الطلاب المتفوقين من فرصهم الحقيقية للحصول على شهادات معترف بها، حيث تم تفضيل الموالين للجماعة على حساب الكفاءات الحقيقية، وهو ما دفع العديد من الطلاب اليمنيين للهجرة بحثًا عن تعليم أفضل في دول أخرى، بحسب تصريحه.

 

تعد ظاهرة منح الشهادات العلمية دون استحقاق واحدة من أخطر التحديات التي تواجه التعليم العالي في اليمن، حيث تهدد مستقبل الأجيال القادمة وتعمّق أزمة الثقة بين المجتمع والمؤسسات التعليمية.

 

وتكشف هذه الفضائح التي تخرج للعلن بين الفينية والأخرى، حجم الأزمة داخل قطاع التعليم تحت سيطرة مليشيا الحوثي، والتي حولت الجامعات إلى أدوات لخدمة مشروعها السياسي على حساب المعايير الأكاديمية والمهنية.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى