في أحد شوارع العاصمة صنعاء، تجلس الفتاة "سلمى" مع شقيقها الصغير "احمد" يتسولون المارة خاصة الميسورين من ذوي السيارات الفارهة.
منذ سيطرة مليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء ونهبها رواتب الموظفين تضاعف أعداد المتسولين في شوارع صنعاء وغيرها من عواصم المدن التي تحت سيطرة المليشيات.
لم تكتف مليشيا الحوثي أن أجبرت آلاف الأسر اليمنية إلى التسول كما هو حال "سلمى" بل بدأت باستغلال هذه الشريحة وتوظيفها لحضور فعاليات ودورات طائفية عبر لجان انشأتها المليشيات تحت مسمى "لجنة معالجة التسول".
توفي والد سلمى قبل سنوات، وأصيب والدتها بالمرض أقعدها عن العمل، اضطرت "سلمى" للخروج إلى الشوارع لبيع الحلوى والمناديل واللعب البسيطة ومع تردي الأوضاع وازديادها سواء امتهنت التسول.
تقول سلمى في حديثها لـ الصحوة نت": " قبل أشهر، اقترب مني شخص وقال إنه يريد مساعدتي، ووعدني ببعض المال مقابل الانضمام إلى دورة ثقافية هدفها مساعدة الفقراء".
وأضافت أن الشخص سجلها اسمها وذهبت معه لتتفاجأ عندما دخلت احدى البنايات بالقرب من منصة السبعين بالعديد من المتسولات".
تابعت " في "الحلقة التعليمية" يعلمونا شعارات وقصص من سيرة "آل البيت" وقصص عن "العدو" و"القتال"، كما يعلمونا "حرمة السكوت عن الجار أو القريب أو أي شخص يسيء لـ"آل البيت" وضرورة التبليغ عنهم، من أجل "الخير العام" ولحماية الناس من تهديدات "الدواعش".
عندما شعرت "سلمى" بالملل من المكان والتعبئة، وهمت بعدم الحضور، هددها "أبو ابراهيم" الشخص الذي أحضرها بأنها ستخسر حياتها وأسرتها".
عندما شاهد "طارق"، اسم مستعار، جار لـ "سلمى" في مظاهرات نسوية بالسبعين استغرب فهي كونه يعرفها وكل حياتها بين الكد والتعب نتيجة وضع الأسرة.
تتجمع سلمى مع عدد من متسولات الحي، صباح كل جمعة مع أشخاص مسلحين بملابس نصفه عسكرية بالقرب من سوق الجملة قبيل وقت اوقات الاحتشاد في ميدان السبعين.
تقول فاطمة، شاهدة عيان، لـ "الصحوة نت" إن المتسولات يتلقين تعليمات من أولئك الأشخاص، ثم ينقلوهن فوق باص الى السبعين، ثم يتركوهن هناك يعدن مشيا على الاقدام".
تقول فاطمة "إنها حاولت أن تنصح سلمى بالابتعاد عنهم كونها صغيرة والخوف من استغلالها، ولكنها ترد عليها وهي تبكي أنها يجبروها على الحضور".
ليس لديها خيار
"ريم" (27عاما)، أجبرتها الظروف على التسول في شوارع العاصمة صنعاء، ومنذ أشهر بدأ عناصر من مليشيا الحوثي إقناعها بالانضمام إلى "دورات تعليمية" بذريعة مساعدة المحتاجين.
تشارك "ريم" بحسب جيرانها في المظاهرات التي تنظمها المليشيات بميدان السبعين، وشارع المطار، كما رفعت شعارات المليشيات في جدران منزلها.
"ريم" التي كان همها أسرتها وتوفير لقمة عيشهم من "التسول" تم استغلالها من قبل "مشرف" يدعى "أبوعلي الهادي"، مؤخرا بدأت تظهر تعصبها لأفكار المليشيات الطائفية، كما يقول جيرانها.
من متسولة إلى "زينبية"
في اغسطس العام الماضي داهمت عناصر نسوية مسلحة ما يطلق عليهن "زينبيات" منزل مختار الحيمي في حارة "السد" واختطفن امرأتين من الأسرة، واقتادتهن الى جهة مجهولة.
مسؤولة اقتحام منزل الحيمي، متسولة سابقة، تدعى "انتصار الروضي" وبعد تعبئتها في "دورات" طائفية للمليشيات غيرت اسمها إلى "أم العباس" وتقوم باقتحام منازل المواطنين واختطاف النساء.
يقول سكان حي "السد" إن "أم العباس" اختطفت 4 نساء وتسببت في اختطاف ثلاثة عشر رجلا أيضا.
وكانت وكالة "سبأ" التابعة لمليشيا الحوثي نشرت مؤخراً خبرا مفاده تأهيل 1440 متسولا بالتنسيق بين "وزارة التعليم الفني والتدريب المهني" و "برنامج مكافحة التسول" بتمويل من "هيئتي الزكاة والأوقاف" بسلسة برامج مزعومة تستمر 6 أشهر.
يقول أستاذ العلوم الاجتماعية السابق بجامعة صنعاء الدكتور عبد الله الماس، إن المتسولات اللواتي يتم تجنيدهن لا يدركن تمامًا العواقب السلبية لهذه الأفعال، وان ثمة من يستغلهن كوقود للنار في قضايا لا علاقة لهن بها".
وأضاف الماس في حديثه لـ "الصحوة نت" أن مثل هذه العمليات تدل على إيديولوجية عنصرية سامة تنتشر بهدوء بين المجتمع وتستهدف كافة شرائحه بشكل غير مسبوق".
ووفق الماس فإن هذه العمليات تعتبر حالات "تجنيد اجباري مخالفة للقانون ومبادئ حقوق الإنسان " وحتى في الحالات التي يكون فيها خيار الانضمام متروكا للمتسول، فان قرار الخروج يكون صعبا للغاية".
يرى الأخصائي بمركز مكافحة التسول بالعاصمة المؤقتة عدن الدكتور، علي عبد الرقيب الكردي، أن عمليات الاستقطاب الإجباري تتم عندما تواجه المتسولات تهديدات مباشرة، حينها تشعر المتسولة أنها مجبرة على الاستجابة.
وأضاف أن البعض الآخر يواجه ضغطًا غير مباشر، مشيرا إلى أن البداية قد تكون بدافع الحاجة، لكن الاستمرار غالبا لا يتم بموافقة الشخص".
لماذا المتسولات؟
يؤكد الدكتور الكردي في حديثه لـ "الصحوة نت" أن المتسولات يعتبرن فئة مستضعفة وكثيرة العدد ولذلك يصبحن أكثر عرضة للاستغلال، خصوصا في وقت يعاني فيه المجتمع من حالة اقتصادية مريرة وظروف حياتية قاسية".
بحسب مراقبين فإن المتسولات يمثلن "الهدف السهل" فهن عادة ما يكنّ في وضع نفسي هش، بالإضافة إلى أن معظم المتسولات يتسمن بالجهل ولا يمتلكن الوعي الكافي بأنهن قد يكن جزءًا من مؤامرة.
صعوبة الأوضاع الاقتصادية وتفشي الفقر سبب رئيس لتفاقم ظاهره التسول والاستغلال، وزيادة اعداد المتسولين يمثل للمليشيات شريحة هامة لاستخدامهم في أنشطتها الدعائية والظهور الإعلامي وتجنيدهن لإلحاق الضرر بالمجتمع ما يشكل تهديدا جديدا يزيد من تمزيق النسيج الاجتماعي وزيادة الفجوات بين فئاته.