مع تراجع التصعيد في البحر الأحمر بعد إعلان وقف الحرب في غزة، وجدت مليشيا الحوثي نفسها أمام تحدٍ جديد، حيث فقدت إحدى أبرز الذرائع التي استخدمتها لتبرير هجماتها العسكرية ضد السفن وقرصنة المياه الإقليمية وتهديد الملاحة الدولية.
وفي محاولة لتعويض الورقة التي استغلتها مليشيا الحوثي على مدى عام ونصف، حولت المليشيات تركيزها مجددًا على الداخل، وكثفت من تحركاتها في مختلف الأصعدة العسكرية والفكرية والاقتصادية داخل اليمن، خصوصًا في محافظة الحديدة.
خلال الأسابيع الماضية، شهدت محافظة الحديدة موجة تصعيد حوثي غير مسبوقة، شملت تحركات وانتشار أمني مكثف ونقل أسلحة واستحداث تحصينات عسكرية جديدة، بالإضافة إلى إرهاب السكان وتهجيرهم واختطافهم وإجبارهم على حضور الفعاليات الطائفية والزج بأبنائهم في جبهات القتال.
تحشيدات عسكرية ونقل أسلحة
أفادت مصادر محلية لموقع "الصحوة نت" بوجود تحشيدات حوثية كبيرة، تم استقدامها من عدة محافظات واقعة تحت سيطرة المليشيات إلى جنوبي مدينة الحديدة وعلى امتداد جبهات الساحل الغربي، خلال الأسبوعين الماضيين.
وأكدت المصادر أن عشرات من الحافلات والأطقم العسكرية، نقلت خلال الفترة الماضية المئات من المسلحين الحوثيين من محافظتي ذمار وعمران إلى عدة مناطق في محافظة الحديدة، خاصة تلك المناطق المحاذية للساحل الغربي، مثل الجراحي والتحيتا والدريهمي.
وتحدثت المصادر عن انتشار حوثي كبير في الطرق الرابطة بين مديريات محافظة الحديدة، مشيرة إلى المليشيات عملت على نقل أسلحة إلى الموانئ الفرعية داخل المحافظة، من بينها منطقة الطائف والحيمة الساحلية، عبر مركبات مدنية في أوقات متأخرة من الليل خلال الأيام الماضية.
تصعيد ميداني وخروقات مستمرة
نشطت مليشيا الحوثي، منذ مطلع العام الجاري، في استحداث مواقع عسكرية جديدة، وإنشاء مخازن أسلحة وسط الأحياء السكنية في مديرية الدريهمي، جنوبي الحديدة، إضافة إلى إنشاء معسكرات تدريبية جديدة في مديرية باجل.
وقال مكتب حقوق الإنسان في الدريهمي إن المليشيات حولت مناطق مدنية في المديرية إلى مراكز عسكرية، بما في ذلك إنشاء غرف عمليات وسط التجمعات السكنية، وزرع شبكات ألغام عشوائية، بينها ألغام بحرية تم زرعها على بعد 25 ميلًا من عمق البحر.
يأتي هذا بالتزامن مع عمليات خروقات قامت بها المليشيات خلال الأيام الماضية، تمثلت بقصفها مناطق سكنية في عدة مديريات محررة في محافظة الحديدة، بالمدفعية وقذائف الهاون والطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى استهدافها مواقع للقوات المشتركة، والتي أعلنت بدورها عن ردها على مصدر النيران وإفشال كافة الهجمات الحوثية.
حرب فكرية تستهدف الأجيال
لم يقتصر التصعيد الحوثي على الجانب العسكري، بل امتد إلى المجال الفكري والتعليمي، حيث كثفت المليشيات خلال الشهرين الماضيين أنشطتها الطائفية في الحديدة، مستهدفة طلاب المدارس والجامعات بشكل خاص.
مصادر خاصة تحدثت لـ"الصحوة نت" عن قيام مليشيا الحوثي بتدشين فعاليات تعبوية طائفية مكثفة في مدارس وجامعات مدينة الحديدة، شملت محاضرات ودروس زعيمها الإرهابي عبدالملك الحوثي، والتدريب على استخدام الأسلحة النارية، وغسل أدمغة الطلاب بروايات تاريخية مغلوطة تقدِّم الجماعة كبطل مدافع عن الدين والوطن.
وقالت المصادر إن المليشيات علَّقت الجدول الدراسي لمدة شهرين، واستبدلته بفعالياتها التعبوية، حيث نزلت كوادر حوثية إلى مدارس وجامعات المحافظة وقامت بإلقاء محاضرات طائفية وتدريب الطلاب على استخدام قطع عسكرية داخل الفصول والقاعات الدراسية لمدة 50 يومًا.
فيما أجبرت المليشيا الحوثية مشايخ القرى وعقال الحارات بتحشيد المواطنين والخروج في وقفات مساندة لمشروع الكهنوت الحوثي وهجماته الإرهابية على السفن في البحر الأحمر.
تقارير إعلامية تحدثت عن تجنيد لقرى ومناطق بكل من فيها أطفال وشباب وشيوخ، بالإضافة إلى ضغط وإجبار مليشيا الحوثي الإرهابية الأهالي على تقديم أبنائهم إلى معسكرات التدريب والدورات الطائفية تمهيدا لزجهم لمعارك داخلية لمواجهة اليمنيين تحت يافطة نصرة غزة.
وكان آخرها ما نشرته مليشيا الحوثي، قبل أسبوعين، من مشاهد لمن أسمتهم خريجي دورات التعبئة من مختلف مناطق وقرى مديرية "جبل رأس". تضمنت المشاهد عرضًا عسكريًا ضم مئات الأطفال وكبار السن من أبناء المديرية.
بالتوازي مع ذلك، كثف الجناح النسوي في المليشيا أنشطته الطائفية في المديرية، من خلال استهداف النساء عبر ما يسمى بالهيئة النسائية الثقافية العامة التي يقع على عاتقها تنظيم دورات فكرية وإقامة مناسبات طائفية وإجبار النساء على المشاركة في وقفات تضامنية مع المليشيات.
تهجير قسري وتجويع ممنهج
خلال الشهر الماضي، توالت عمليات مليشيا الحوثي في تهجير السكان من منازلهم بقوة السلاح، وخاصة في مديرية التحيتا وبعض القرى المتاخمة لمديرية الجراحي، وهي مناطق تخضع لعمليات تهجير جماعي للسكان منذ أربعة أشهر.
وبحسب شهادات نازحين إلى مدينة الحديدة عقب تهجيرهم من قراهم في التحيتا، فإن المليشيا الحوثية تنصلت من مسؤوليتها ولم تعطهم أي تعويضات، مشيرين إلى أنهم يعيشون حاليًا في مخيمات في أطراف المدينة، إلى جانب العائلات التي فقدت منازلها خلال كارثة سيول العام الماضي، ويعتمدون على مساعدات المنظمات وفاعلي الخير.
نازحون طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، أكدوا لـ"الصحوة نت" أن هناك عشرات الأسر المهجرة لم تجد لها ملجأ حتى اليوم. وأوضحوا أن بعض العُشش (خيام) الموجودة في أطرف المدينة تتواجد بداخلها ثلاث عائلات مهجرة.
يأتي هذا في الوقت الذي أعلنت فيه المليشيا الحوثية عن افتتاحها أكبر معرض طائفي في محافظة الحديدة شهر يناير الماضي، والذي أسمته معرض "الشهيد القائد"، في إشارة لزعيمها الصريع حسين الحوثي. ويقدر ناشطون أن تزيد تكلفة إنشاء هذا المعرض عن مائة وخمسين مليون ريال.
جبايات واختطافات
في سياق متصل، نفذت مليشيا الحوثي الإرهابية، خلال الأيام الماضية، حملة اختطافات واسعة استهدفت العديد من مالكي المحلات التجارية في مدينة الحديدة، بسبب رفضهم دفع جبايات باهظة تحت مسمى “دعم القوة الصاروخية”.
وذكرت تقارير إعلامية أن المليشيات اعتقلت عشرات التجار، ونقلتهم إلى سجون تابعة لها، من بينها البحث الجنائي والأمن والمخابرات، موضحةً أن المبالغ المفروضة تراوحت بين 50 ألف ريال و150 ألف ريال يمني، مشيرًا إلى أن المليشيا اقتادت التجار الرافضين للدفع إلى سجونها، بينما أجبرت البعض على الدفع بالقوة.
وتدفع محافظة الحديدة ثمن هذه السياسات الكهنوتية، في وقت تستمر فيه المليشيا الحوثية الإرهابية بتعزيز قبضتها الأمنية والفكرية على المجتمع، غير عابئة بالمعاناة التي تتفاقم يومًا بعد آخر.
وفي ظل فقدانها للذرائع الخارجية واستمرارها في التصعيد العسكري والجرائم الإنسانية، تؤكد مليشيا الحوثي طبيعتها العدائية تجاه اليمنيين، وتثبت أن ممارساتها القمعية ليست سوى امتداد لنهجها القائم على العنف والتسلط.