بعد 14 عاماً من اندلاعها، مازالت ثورة الـ11 من فبراير حاضرة في الوجدان الشعبي رغم كل المنعطفات التي مرت بها اليمن خلال العقد الماضي وفي مقدمتها الانقلاب الحوثي، والذي أدى إلى فقدان اليمنيين دولتهم، يستمر اليوم النضال الشعبي المقاوم لاستعادة الدولة من بقايا الإمامة ومخلفات الكهنوت.
كان رفض المشاريع الاستبدادية أحد الدوافع الرئيسية التي جعلت اليمنيين يثورون في 11 فبراير 2011، حيث اعتبروها تهديدًا لقيم الجمهورية وانحرافًا عن مبدأ التداول السلمي للسلطة.
واليوم، في الذكرى الرابعة عشرة للثورة، يواصل اليمنيون نضالهم ضد فكرة السلالة، لكن هذه المرة في مواجهة خطر أكبر يتمثل في مليشيات الحوثي، التي تسعى لإعادة إنتاج الحكم الإمامي الذي أطاحت به ثورة 26 سبتمبر 1962.
لقد استلهمت ثورة فبراير مسيرة ثوار سبتمبر، وسعت إلى إعادة الاعتبار للنظام الجمهوري، باعتباره التحول الجذري الذي شكّل نقطة انطلاق نحو بناء الدولة الحديثة، حيث استعاد الشعب حقه الأصيل في اختيار قيادته عبر الإرادة الشعبية، بعد قرون من الاستبداد الذي فرضه نظام الإمامة تحت مزاعم "الحق الإلهي".
الشرعية الشعبية لا السلالية
إن الطريق إلى هذا التحول الاستراتيجي الذي صنعته الثورة، والذي يتمثل في تأسيس شرعية الحكم على الإرادة الشعبية بدلاً من الهيمنة السلالية، جاء عبر مسيرة التحرر التي امتدت لسنوات، خاض خلالها اليمنيون محاولات عديدة، حتى تُوّجت جهودهم بالنجاح في ثورة 26 سبتمبر 1962.
منذ انتصار الثورة، تعرّض النظام الجمهوري لمحاولات متكررة لإعادة إنتاج الحكم السلالي، سواء عبر مشاريع التفرد بالسلطة، أو من خلال المشروع الإمامي الذي يحاول الحوثيون فرضه بصيغته الثيوقراطية. وقد قوبل المشروع برفض شعبي واسع، حيث أدرك اليمنيون أن التفريط بالجمهورية يعني العودة إلى عصور الاستبداد.
وقد جاءت ثورة 11 فبراير 2011 لتؤكد هذا الرفض الشعبي، حيث رفع الثوار شعار "لا تمديد، لا توريث، لا تأبيد"، انطلاقاً من قناعتهم بأن الحكم السلالي يمثل نهاية الجمهورية، وبعد عام واحد فقط، نجحت الثورة لولا الانقلاب الحوثي والثورة المضادة.
يؤكد المتحدث باسم التجمع اليمني للإصلاح، عدنان العديني، أن خروج الشعب اليمني إلى الشوارع سلمياً في 2011 لم يكن إلا بحثاً عن مستقبل أفضل ودولة قوية تضمن الحياة الكريمة لمواطنيها، بعد أن وصلت المنظومة الحاكمة إلى طريق مسدود.
ويشير العديني في منشور على حسابه بمنصة إكس إلى أن الثورة أنجزت بالفعل مشروعها عبر الانتقال السلس للسلطة ومشروع الحوار الوطني الذي جمع مختلف الأطياف السياسية، وكان اليمن قاب قوسين أو أدنى من الاستفتاء على دستور جديد، لولا أن مليشيات الحوثي المدعومة من طهران انقلبت على العملية السياسية بقوة السلاح.
- خطر الحوثي على الجمهورية:
كان الانقلاب الحوثي بمثابة تهديد وجودي للجمهورية، حيث لم يكن مجرد استيلاء على السلطة، بل محاولة لإعادة إنتاج الإمامة تحت مسمى "الولاية"، وهي نظرية تمنح السلطة حصريًا لفئة سلالية محددة، بمزاعم دينية لإضفاء شرعية زائفة على حكمهم.
منذ سيطرتهم على صنعاء في 21 سبتمبر 2014، عمل الحوثيون على تفكيك مؤسسات الدولة الجمهورية، وإحياء الامتيازات السلالية عبر منح المناصب العليا لمن ينتمون لسلالتهم، وتهميش بقية فئات المجتمع.
وإلى جانب ذلك، عملوا على فرض خرافة "الولاية" بشكل غير رسمي، مستهدفين تغيير هوية اليمن السياسية والثقافية، بما يعيد البلاد إلى نموذج الحكم الثيوقراطي.
- أسباب رفض مشاريع تقويض الجمهورية:
لفهم سبب رفض اليمنيين لمشاريع تقويض الجمهورية، لا بد من المقارنة بين الجمهورية والأنظمة السلالية، فمثلاً تقوم الجمهورية على أسس المشاركة الشعبية، حيث يتم تداول السلطة عبر الانتخابات، بينما تعتمد الأنظمة السلالية على احتكار الحكم ضمن فئة محددة، مما يؤدي إلى إقصاء الآخرين. علاوة على ذلك، تضمن الجمهورية تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، بينما تكرّس الأنظمة السلالية نظام الامتيازات لفئات معينة.
واجه اليمنيون هذه المشاريع في 2011 وأسقطوا محاولات التفرد بالسلطة، وفي 2014 تصدّوا للانقلاب الحوثي وما زالوا يخوضون معركة مقاومته بكل السبل الممكنة.
إن رفض اليمنيين للحوثيين لا يقتصر على كونهم حركة انقلابية، بل لأنهم يمثلون امتدادًا للنظام الإمامي الذي يتناقض مع مبادئ الجمهورية القائمة على المواطنة المتساوية.
وفي هذا السياق، يؤكد القيادي الإصلاحي عدنان العديني أن رفض اليمنيين لعودة الكهنوت هو امتداد لروح النضال التي جسّدها أجدادهم في ثورة 26 سبتمبر.
- خيار استراتيجي للاستقرار:
لم يكن النظام الجمهوري مجرد خيار سياسي، بل ضرورة استراتيجية لضمان حق الشعب في اختيار مَن يحكمه والحفاظ على استقرار اليمن، إذ أن عودة الحكم الإمامي تعني إعادة إنتاج احتكار السلطة في فئة محددة وتسخير بقية الشعب لخدمتها.
ومع استمرار الحرب، يبقى خطر الحوثي قائماً على الجمهورية، لكن التاريخ أثبت أن اليمنيين الذين أسقطوا الإمامة في 1962، وتصدّوا للانقلاب في 2014، لن يسمحوا بعودة الحكم السلالي، وسيواصلون نضالهم من أجل الحفاظ على جمهوريتهم، وتحقيق كافة أهداف الثورات اليمنية مهما كان الثمن.