الحوثيون إرهابيون.. كيف سيفجر القرار صراعات متعددة داخل الجماعة؟

الحوثيون إرهابيون.. كيف سيفجر القرار صراعات متعددة داخل الجماعة؟

 من المتوقع ان يدخل قرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية حيز التنفيذ خلال الأسابيع المقبلة، وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصدر أمرا تنفيذيا يعيد تصنيف الحوثيين كـ"منظمة إرهابية أجنبية" بعد يومين من تنصيب رئيساً في 20 يناير الماضي.

 

ويعني ذلك فرض سلسلة واسعة من العقوبات على الجماعة ومن يتعامل معها، خاصة من المنظمات الدولية التي تتلقى تمويلا من الوكالة الأمريكية للتنمية، وواشنطن هي أحد أكبر ممولي خطط الاستجابة الإنسانية سنويا.

 

يعمل التصنيف في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية على إعادة تعريف الإرهاب في اليمن، حيث يصف الحوثيين خصومهم بذات التهمة لتقديم أنفسهم للغرب وأمريكا. لكن كيف سيؤثر هذا التصنيف على مستقبل ميلشيات الحوثي والبنية التي حافظت على بقائها.

 

انهيار فواعل القوة

تملك مليشيا الحوثي اموالاً ضخمة، وتجارة دولية كبيرة، ومع ذلك، فإن العقوبات ستضرب المليشيا كمجموعات تجارية، راكمت ذلك خلال السنوات الماضية من سيطرتها على عدد من المحافظات ونهبها لأموال الشعب.

 

حاولت ميلشيات الحوثي خلال الحرب ترسيخ نفسها سلطة في أذهان الناس عند انتزاع الجبايات والضرائب والزكاة وغيرها، في المقابل تقدم نفسها مليشيا غير حاكمة عند الالتزامات المترتبة على سلطتها كصرف الرواتب أو تقديم خدمات.

 

إن تصنيف منظمة الحوثي إرهابية أجنبية في واشنطن، يعطي إشارة واضحة لكل القوى الاجتماعية والاقتصادية والتجارية بشتى أنواعها، خاصة المصرفية والمجموعات التجارية الكبرى والقوى القبلية والسياسية بما فيها الشريكة إجباريا للحوثيين بأن الحوثية صارت عبئا حقيقيا عليها.

 

لذلك، ستعمل العقوبات على تقويض تلك السلطة والمؤسسات التي بنتها وستفتح الباب واسعا على المدى المتوسط والبعيد لتفجير صراعات واسعة في وجهه. يدرك الحوثي هذا الأمر، ولذا أطلق تهديدا على الفور لكل الداخل بأن أي استجابة للقرارات الأمريكية سيواجه بقوة.

 

القبائل والمجموعات التجارية

رغم ذلك، ستحد المجموعات التجارية الكبرى من علاقتها بمليشيا الحوثي بما يمكن أن يتاح لها من مساحة، حفاظا على مصالحها الخارجية، وستبدأ تقليص التعامل مع الحوثيين، بطرق عدة تحكمها الظروف على الأرض، رغم التهديدات الحوثية، فهناك مجالات لا يمكن للحوثي التحكم بها وأبرزها التجارة الدولية.

 

وتقوم العلاقة بين القبائل والسلطة في اليمن، على نوع من الصفقات سواء في المشاركة أو الحصول على امتيازات معينة، وأحيانا كحد أدنى هو الحصول على عدد من المطالب التي مفترض ان تحققها لهم السلطة الحاكمة، وتقف القبيلة ضد السلطة -أياً كانت- عندما تدرك ان ليس لها فرصة للبقاء أو التطور.

 

وبرزت الصفقة مع بعض زعماء القبائل والحوثيين خلال السنوات الماضية إجبارية دون أي فائدة أو أمر واقع يجب التعامل معه، فقط يلتزمون بحماية مناطقهم من أي احتراب، لكن هذا لم يعد يجلب أي مصلحة أو حتى أمان للقبائل من انتهاكات، وهذا ما يجعل العلاقة ذات قابلية أكثر لخلق حالة رفض واسعة.

 

حالة الضعف التي تبدو بها ميلشيات الحوثي بعد انهيار الداعمين الأساسيين والعقوبات الأمريكية، يجعل أبناء القبائل الموالين للحوثيين أمام مهمة الانسحاب التدريجي من سلطة الجماعة، وسيعملون على خلق مسافة بينهم وبين الحوثيين وستظهر تباعا في الفترة المقبلة.

 

ستجعل مزيد من القبائل تشعر بتخفيف الضغط عنها وستبدي حذرا وسيضطر الحوثي إلى الكف عن سياسة استخدام القبيلة وتهميشها، وقد يخلق أملا لدى القبائل أن هناك من يستطيع هزيمة الحوثي وبالتالي ستجعل الحوثي يقدم مزيد من المصالح للقبائل.

 

صراعات بين القيادات الحوثية

 

خلال السنوات العشر الماضية بنى الحوثي اقتصادا طفيليا موازيا على حساب الاقتصاد الوطني، لضمان سيطرته وإدامة موارده المالية، شملت السيطرة على قطاع الصرافة والبنوك والتجارة البحرية والاستيراد والاتصالات وعشرات القطاعات الأخرى، المستوردة كليا مثل الوقود، وفرت له مليارات الدولارات من الأموال.

 

وستؤدي العقوبات إلى إنهاء الاحتكار الحوثي القسري لعدد من القطاعات، وفقدان موارد مهمة، وما يعنيه ذلك من تصدع في تحالفات تكتلاته التجارية والاقتصادية، وبالتالي سيؤدي إلى خلق صراعات بين القادة الأقوياء الأثرياء داخل ميلشيات الحوثي، وسيؤثر ذلك على مراكز الثراء التي تشكلت ولا تريد خسارة مستوى الثروة التي حققتها.

 

سترسخ العقوبات الحقيقة لدى قطاعات من الناس خاصة التجار من أن الحوثي لن يكون جزء من المستقبل، بمعنى ان يدرك الجميع بما فيهم مراكز النفوذ البيروقراطية المواليين للجماعة حتمية بقاء الحوثيين كسلطة طبيعة على المدى القريب.

 

سيدفع ذلك قيادات حوثية إلى تطوير مسارات غير مباشرة لترتيب أوضاعهم الشخصية مع الحكومة الشرعية، وغالبيتهم من الشخصيات التي عملت في السلطة قبل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وخدموا الحوثيين خلال عقود من خلال العمل في الحكومات المتعاقبة باعتبارهم كوادر مؤهلة.

 

على مستوى المعلومات والاستخبارات، سيكون على كثير من التجار والشخصيات السياسية والعسكرية والقبلية أو من يريد العمل خارج البلاد تبرئة أنفسهم من الحوثيين، وهذا سيخلق انكشاف وسهولة الحصول على المعلومات باختراق الجماعة.

 

ستفرض على المجموعات التجارية اليمنية الكبرى ان تكون شريكا لمكافحة الإرهاب ما لم ستكون ضحية للإرهاب نفسه، حيث سيشدد الأمريكيون من إجراءاتهم وخاصة الشركات الموجودة في دبي وسلطنة عمان وأي تواطؤ مع هذه المسألة سيعمل مشكلة للإمارات مع واشنطن.

 

تشديد العزلة

 

تفرض هذه التصنيفات محددات للسياسة الخارجية للدول التي ستخضع إلى ثوابت ومحددات التعامل مع المنظمات الإرهابية، وهذا سيجعل الأطراف الإقليمية الفاعلة في اليمن تتردد بالتعامل مع الحوثي كطرف طبيعي وستحتاج إلى إعادة صيغة العلاقة بما يمنعها من الاخلال بالعقوبات.

 

هذا الأمر لا يخص الدول التي شاركت في التحالف العربي بقيادة السعودية، بل حتى تلك الدول التي تعاملت مع الحوثيين، وقد بدا ذلك حتى قبل تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، تحديدا بعد الضربات التي تعرض لها حزب الله في لبنان.

 

وفي ديسمبر الماضي 2024 كشف مسؤول عراقي أن حكومة بلادة تتعامل بجدية مع طلب أمريكي بوقف أنشطة الحوثيين بعد أن تلقت دعوة من الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية تطالب بوقف أنشطة الحوثيين على أراضيه بما في ذلك مكتبهم العامل في العاصمة بغداد.

 

وقال مسؤول في الخارجية العراقية "أن حكومة العراق تتعامل مع مثل هذه المواقف بجدية، لتجنيب الشعب العراقي انعكاسات ما تعيشه دول المحيط حالياً". بحسب ما نقلت صحيفة "العربي الجديد"

 

وكشف المسؤول العراقي عن تلقي "مواقف أميركية جديدة تطلب من العراق وقف أنشطة جماعة الحوثيين على أراضيه"، مبيناً أن "واشنطن قدمت نصائح للحكومة العراقية، بأن استمرار وجود الجماعة، وضمن أنشطة غير مدنية داخل العراق، من شأنه أن يجعل العراق عُرضة لامتداد المشاكل بالمنطقة إلى داخل أراضيه".

 

ومنذ عدة سنوات، دشّنت جماعة الحوثي، مكتباً لها في حي الجادرية الراقي في بغداد، وبات يُعرف باسم الممثلية العليا للجماعة، ويتولى مسؤولية هذه الممثلية القيادي الحوثي أبو إدريس الشرفي، مع قيادات أخرى تقيم في العراق، أبرزها أبو علي العزي، ومحمد عبد العظيم الحوثي، ويتواصل مع القوى السياسية والفصائل المسلحة القريبة من إيران.

 

وباعتبار الحوثيين جماعة إرهابية سيحد ذلك من أي تعامل معهم من قبل الدول والتي سهلت لهم كثير من التعاملات الدولية خلال السنوات الماضية، أو حتى أبرمت معهم صفقات غير معلنة، حيث نشأت خلال فترة الهدنة المعلنة في إبريل 2022 مفاوضات غير معلنة من الحوثيين.

الأمر الآخر أنها قد تحد أو تمنع الأوروبيين من التصرف بسياسة مستقلة عن الأمريكيين حيث يحاول الألمان وفرنسا تمييز أنفسهم عن الأمريكيين والاتحاد الأوروبي أيضا، ستشعر المنظمات الأوروبية الممولة أمريكيا بجدية الوكالة الأمريكية للتنمية حيث سيؤثر ذلك على برامج الدعم.

 

إسقاط الحوثيين عسكرياً

 

في الواقع ستقوض العقوبات بقاء الحوثيين باعتبارهم طرف خطير على أمن المنطقة، وستكون هذه الإجراءات أشبه بغطاء سياسي لأي عمل عسكري ضد الحوثي سواء محليا أو بدعم من السعودية والإمارات، وسيدفع كثير من الوسطاء مثل سلطنة عمان للحذر من العمل كوسيط.

 

سيولد ذلك الشعور بالخطر في التعامل مع الحوثيين، بذات الخطورة في التعامل مع تنظيم القاعدة أو داعش، وسيكون التجار ورؤوس الأموال أكثر حذراً، حيث سيرتفع الشعور بعبء الحوثيين وخطورتهم على اليمنيين وسلاسة المعيشة سواء في الداخل او الخارج.

 

وعلى مستوى الصراع الداخلي، ستعمل التصنيفات والعقوبات المتلاحقة على رسم مسار جديد للتفاوض على خريطة طريق مختلفة، ويرى مراقبون أن خارطة الطريق التي أعلنها المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبرغ من الماضي ولم تعد صالحة مع المتغيرات الإقليمية.

 

 

محليا ستجد الأطراف المحلية في اليمن التي تراهن على الخارج أمام مسار إجباري أن مواجهة الحوثي أولوية لأن أي مسارات أخرى لن تكون ذات جدوى في ظل استمرار سيطرة جماعة الحوثي الإرهابية على أجزاء واسعة من البلاد، والتي تمثل خطورة كبيرة.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى