في يومه الثالث بالبيت الأبيض، نفذ الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أولى تهديداته ووعيده المتكرر لإيران وأدواتها في الشرق الأوسط، حيث وقع على القرار التنفيذي المنتظر بإعادة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية أجنبية.
يعتبر الموقف الأمريكي الجديد الذي عبر عنه ترامب، أكثر صرامة تجاه الحوثيين من مواقف الإدارة السابقة. وبحسب مراقبين فإن قرار ترامب يعد الأشد قسوة، وعادة ما تلجأ إليه الإدارة الأمريكية لاستهداف وضرب، من يصنفون كأعتى أعداء الولايات المتحدة من الجماعات والمنظمات المسلحة حول العالم.
وفي بيان إعلانه عن القرار، اعتبر البيت الأبيض أن "أنشطة الحوثيين تهدد أمن المدنيين والموظفين الأميركيين في الشرق الأوسط، كما تهدد أقرب شركائنا الإقليميين واستقرار التجارة البحرية العالمية".
وأشار البيان الأمريكي إلى أن سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تتمثل في "التعاون مع شركائنا الإقليميين للقضاء على قدرات وعمليات الحوثيين وحرمانهم من الموارد لإنهاء هجماتهم". كما أكد البيت الأبيض أنه سيوجه الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لإنهاء علاقتها مع الكيانات التي قدمت مدفوعات للجماعة.
- فرق جوهري بين التصنيفين:
في يناير العام الماضي، وضعت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، الحوثيين، المدعومين من إيران، في قائمة "الإرهابيين العالميين المصنفين بشكل خاص" والتي تعرف اختصارا بـ (SDGT).
غير أن قرار ترامب هذه المرة يختلف بشكل جوهري وخطير عن قرار إدارة الرئيس السابق جو بايدن ضد الحوثيين، إذْ يضعهم القرار الجديد في التصنيف الأكثر تقييدا في قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" والتي تعرف اختصارا بـ (FTO).
وأشار مراقبون متخصصون في الشأن الأمريكي، إلى أن قرار إدارة بايدن القديم كان يتضمن إدراج الحوثيين في قائمة "الإرهابيين العالميين المصنفين بشكل خاص" وهي المعروفة اختصارا بـ (SDGT) والتي تقتصر على تجميد الأصول وحظر المعاملات المالية.
وأوضح المتخصصون بأن عقوبات بايدن كانت مجرد عقوبات اقتصادية لا أكثر، وتديرها الخزانة الأميركية وفيها بعض الاستثناءات بالسماح بالمساعدات الإنسانية، وفقاً لما شرحه المحلل الأمني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في واشنطن، محمد الباشا، في حديث لموقع قناة الحرة الأمريكية.
وأكد "الباشا" أن قرار تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية، الذي وقع عليه ترامب مؤخراً يشمل عقوبات أوسع وأشد قسوة، كتجميد الأصول وحظر التعاملات، وما يشبه الحظر الاقتصادي، وفرض عقوبات شديدة على من يحاول تجاوز هذه العقوبات، وتشرف عليه وزارة الخارجية وليس الخزانة الأمريكية.
- "الحوثي جماعة إرهابية أجنبية" ماذا يعني ذلك؟
يعتبر المشرعون الأمريكيون تصنيف الحوثيين - أو أي كيان آخر معادٍ للولايات المتحدة-، كجماعة إرهابية أجنبية، هو أشد حدة وقسوة من تصنيفها كمنظمة إرهابية عالمية تحت الأمر التنفيذي، ويترتب على ذلك عدة إجراءات تنفيذية لاحقة تقوم بها الإدارة الأمريكية ومؤسساتها ذات العلاقة.
وتتضمن الإجراءات تجميد جميع أصول الأفراد أو الكيان المدرج ضمن الولاية القضائية للولايات المتحدة ويمنع الأشخاص الأميركيون من المشاركة في أي معاملات مالية أو تجارية معهم.
بالإضافة إلى فرض قيود هجرة على أعضاء المنظمة لمجرد عضويتهم فيه، وتجريم كافة عمليات تقديم الدعم والمصادر المادية أو تلقي تدريب من نوع عسكري، ومنع دخول ممثلين أو أعضاء من جماعة مصنفة كمنظمة إرهابية أجنبية، إن كانوا أجانب، إلى الولايات المتحدة.
- خطوة إنصاف انتظرها اليمنيون طويلاً:
"إنه قرار يعيد الأمور إلى نصابها، ويؤكد أن العالم لم يعد يحتمل عبث المجرمين المتسترين بشعارات زائفة"، بحسب تعبير الكاتب الصحفي اليمني، سام الغباري، الذي وصف قرار ترامب، بأنه كان خطوة نحو العدل وإنهاء فصول من المعاناة التي أرخت بظلالها على اليمن.
وقال الغباري في تغريدة له على منصة إكس بأن "اللحظة التي انتظرها اليمنيون طويلاً قد حانت، لحظة انكشاف زيف الحوثي أمام المجتمع الدولي، وإعلان أن الإرهاب الذي زرعوه في الأرض لن يمر دون عقاب".
لقد جاء هذا القرار الأمريكي كنوع من الإنصاف لليمنيين قبل كل شيء، بحسب توصيف الصحفي والناشط الحقوقي اليمني همدان العليي، الذي يشير إلى أنه وعلى مدى العشرين عاماً الماضية تم توصيف هذه الحالة وهذا النوع من الاجرام وهذه الجماعات بأوصاف وتعاريف بعيدة الى حد كبير عن الواقع الذي تتمثل فيه هذه الجماعة في اليمن.
ويضيف العليي في حديثه لـ"الصحوة نت" بأن هذا التصنيف هو توصيف دقيق واستحقاق لهذه المرحلة بالنسبة داعيا الحكومة الشرعية، إلى القيام بعدة اجراءات بالتنسيق مع الدول الاقليم والعالم لكي يتم تجنيب اليمنيين اي اضرار او اعراض قد تنشأ كنتيجة طبيعية لهذا التصنيف الذي هو جاء بمثابه شكل من اشكال الدواء المفروض لمواجهه مشكلة صحية نعاني منها البلاد، في إشارة منه إلى ما توصف بالجائحة الحوثية.
من جانبه يرى الصحفي اليمني المتخصص في الشئون الاقتصادية محمد الجماعي، أن القرار بحد ذاته يضع السياسة الأمريكية على المسار الصحيح ضد جرائم المليشيات، بعد أن ظلت الإدارات الأمريكية السابقة تقدم رجلا وتؤخر أخرى، تمارس تدليل المليشيات حينا وتحذر من خطرها حينا آخر.
وأشار الجماعي في حديثه لـ"الصحوة نت": إلى أنه كان يجب صدور مثل هذا القرار منذ زمن طويل، ووفقا لجرائم الحوثي منذ القرار الأممي ٢٢١٦ بشأن اليمن، وليس وفقا للتقديرات الأمريكية وسياستها في المنطقة فقط!.
بينما علق الكاتب والسفير اليمني، محمد جميح، على القرار الأمريكي، واصفاً الحوثي بـ"كارثة اليمن الكبرى لكنه ليس المسؤول الوحيد"، وحمّل جُميح أطرافاً أخرى جانباً كبيرا من المسئولية أيضاً عن ما حدث وعن المآلات التي وصلت إليها اليمن.
واتهم السفير جُميح هذه الأطراف بالقول إنهم "تركوا الحوثي يتمدد ويسيطر وغضوا الطرف عن توسعه وتعامَوا عن جرائمه"، وكل أولئك "الذين صفقوا له، والذين استغلوا الحرب للتكسب، على حساب معاناة المواطنين في مناطق سيطرة هذه العصابة".
وأكد جميح في منشور له على صفحته بالفيسبوك، أن اليمن" لن يتعافى إلا بسقوط هذه العصابة، ولن تسقط هذه العصابة على يد من يشبهونها في تصرفاتهم وتفكيرهم وفساد ضمائرهم."، على حد وصفه.
- ترحيب رسمي وتعهّدات حكومية :
رحَّب رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، رشاد العليمي، بالقرار الأمريكي، واصفًا إياه بالتاريخي، ومؤكداً التزام الحكومة اليمنية بالتعاون الوثيق مع الإدارة الاميركية والمجتمع الدولي لتنفيذ قرار التصنيف، وتقديم الضمانات اللازمة لتدفق المعونات الانسانية دون أية عوائق.
وقال العليمي "انتظر اليمنيون طويلا خصوصا من فارقوا الحياة، أو عذبوا، أو اعتقلوا ظلما، أو فجرت منازلهم، وشردوا في أصقاع الأرض، الانصاف، ومعاقبة الاجرام الحوثي بقرار التصنيف الإرهابي، كمدخل لإحلال السلام، والاستقرار في اليمن، والمنطقة".
بدوره، أشاد رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك هو الآخر بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعادة إدراج جماعة الحوثي على لوائح الإرهاب، مؤكدًا أنه "ينزع منهم أي جهود لإثبات شرعيتهم في اليمن، وتصبح جهودهم السياسية والدبلوماسية من دون جدوى بعد أن أصبحوا منظمة إرهابية أجنبية".
ولفت بن مبارك الى أهمية الشراكة بين الحكومتين اليمنية والأمريكية للتعامل مع القرار، مضيفاً أنه يسمح لأي ضحايا متضررين من هجمات يشنها الحوثيون، برفع قضايا وملاحقتهم ضد الجماعة أو أي فرد منها بشأن انتهاكات الجماعة واعتداءاتها الإرهابية.
ضربة موجعة لاقتصاد الحوثي:
يؤكد العديد من المراقبين للشأن اليمني، أن قرار الإدارة الأمريكية الذي يقضي بإعادة تصنيف جماعة الحوثي، كمنظمة إرهابية، يشكل ضربة موجعة لاقتصاد جماعة الحوثي ومواردها المالية الداخلية والخارجية،
كما سيُحدث العديد من التداعيات على تماسك المنظومة الحوثية، التي تفرض سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء وعددا من المحافظات الشمالية،
لكن أكثر الملفات تأثراً بهذه العقوبات، هو القطاع الاقتصادي والمالي في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي،
وهو ما يراه الصحفي اليمني المتخصص في الشأن الاقتصادي، وفيق صالح، الذي أشار في حديثه لـ"الصحوة نت" إلى أن أوجه التأثيرات الاقتصادية لدى الحوثي ستتمثل بتقييد الوصول إلى النظام المالي والدولي، وهو ما يضعف الشركات التجارية والمستوردين في مناطق الحوثي من الوصول إلى الأسواق العالمية لشراء السلع والمواد الغذائية والبضائع، إضافة إلى تقليص قدرة البنوك التي تعمل تحت إدارة مليشيا الحوثي ،على تقديم الخدمات المالية، والائتمان والقروض للشركات والأفراد، مما يؤثر على تراجع نسبة التجارة لليمن مع الدول العالم الخارجي.
ويتوقع "وفيق صالح" أن تفاقم تداعيات القرار الأمريكي، من منسوب التضخم الناجم عن صعوبة الاستيراد وارتفاع فاتورة الاستيراد في مناطق سيطرة الحوثي، عوضا عن حدوث أزمات واختناقات لأصناف معينة من السلع والمواد الغذائية.
ويؤكد "صالح" أن كثيراً من شركات الشحن البحري سوف تعزف عن الوصول إلى موانئ محافظة الحديدة، وإيصال السلع والبضائع، تفاديا للعقوبات الدولية، ما يساهم في ارتفاع تكلفة النقل البحري إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، وبالتالي ارتفاع تكلفة الاستيراد، والضغط على قيمة العملة الوطنية، وزيادة منسوب التضخم المستورد.
- حركوا الجبهات أو كفوا المهازل:
القرار الأمريكي الذي أصدره ترامب، على أهميته والأصداء الواسعة التي أحدثها، إلا أنه سيظل عديم الجدوى ما لم يتبعه تحرك عسكري جاد لإسقاط مليشيا الحوثي عسكرياً في مناطق سيطرتها بالعاصمة صنعاء وبقية المحافظات اليمنية.
ولخّص الخوداني موقفه قائلاً: "حركوا الجبهات أو كفوا المهازل"، مشيراً إلى أن "كل ما نقرأه اليوم عن تصنيفهم إرهابيين وأثره، قد قرأناه من قبل وجاء بايدن نسفه بجرة قلم."
ولا يختلف هذا الكلام عما يراه الصحفي محمد الجماعي، الذي أكد بأن جدوى القرار الأمريكي مرهون بنية الإدارة الأمريكية الجديدة معالجة أخطاء الماضي على ضوء المصالح المشتركة بينها وبين دول المنطقة على قاعدة تبادل المصالح وتعاضد الجهود لمواجهة الأخطار التي تهدد شعوب العالم، بدلا من المشاركة في صنعها والاستفادة من خطرها لتهديد دول ومصالح الآخرين.
ويؤكد الجماعي، في حديثه لـ"الصحوة نت"، أن التهديد الأمريكي أيا كانت قوة بأسه، مرهونا بمدى استعداد الحكومة اليمنية وجديتها في الاستفادة من هذا القرار وغيره لصالح معركة تحرير اليمن من الانقلاب والانقسام والفوضى.
مشيراً إلى إمكانية العودة اليوم لتنفيذ قرارات المركزي اليمني بعدن، بكل سهولة ويسر، كما يمكن الاستفادة من خلال هذا التصنيف مع الامريكان حول استئناف تصدير النفط وإيقاف تهديدات الحوثي إزاء السفن والموانئ النفطية اليمنية.
ودعا الجماعي إلى "حشد الجهود لإيقاف ميناء الحديدة الشريان الأهم لمشروع الحوثي وتمويل مجهوداته الحربية ليس على اليمن فقط بل على العالم.".
من جانبه، أوضح الكاتب الصحفي سيف الحاضري أن كافة المعطيات السياسية الإقليمية والدولية تدعم إنهاء النفوذ الإيراني في اليمن، وهو ما يضع القوى الوطنية اليوم أمام مسؤولية تاريخية فارقة.
وشدد الحاضري على أن تحرير العاصمة صنعاء ليس مجرد هدف عسكري، بل هو ضرورة وطنية لإنهاء معاناة الشعب اليمني واستعادة الدولة من قبضة المليشيات الطائفية.
وما بين قرار بايدن السابق وقرار ترامب اللاحق، يعتبر العديد من المراقبين والمحللين السياسيين، تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية، بأنه يمثل تطورًا هامًا في مسار الأزمة اليمنية.
مشيرين إلى أن هذا القرار يحمل إمكانيات كبيرة ويفرض تحديات وفرصًا في الوقت ذاته، حال استُغل بطريقة استراتيجية من قبل قيادة الحكومة الشرعية، التي تحتاج إلى تعزيز شرعيتها من خلال تحسين الأداء في المناطق الخاضعة لسيطرتها والعمل على استعادة الأراضي من سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ