بخطوات ثقيلة، تغادر "أم أمجد" المركز الصحي بعد إجراء فحوصات بعد تعرضها لصدمة تسببت لها بارتفاع ضغط الدم، بعد اختفاء ابنها المفاجئ من المدرسة، والذي استمر لأكثر من ثلاثة أشهر دون أن تعلم عنه شيئا.
تواصل ميلشيات الحوثي تجنيد الأطفال واستقطابهم للقتال في صفوفها من المدارس والأحياء، بعد أن عمدت على تدمير العملية التعليمية في مناطق سيطرتها، وهذا يجعل جميع الأطفال عرضة للاستقطاب بعيدا عن معرفة أهاليهم.
وقالت أم أمجد "في أحد الأيام وعلى غير عادته تأخر عن العودة من المدرسة حتى المساء كنا نظن أنه خرج مع أحد زملائه لكن مع حلول الليل بدأت أخاف بشدة، فخرج والده للبحث عنه مع بعض الجيران ليعود آخر الليل دون أن يجد له أثرا".
وتضيف "جلسنا نبحث عنه طيلة ثلاثة أشهر ولم أكن أستطيع النوم طيلة الليل، وكنت أبكى حتى صار عندي جفاف في العين، وبدأت أجد صعوبة في الرؤية من كثرة البكاء، كنت أتمنى لو أنه مات خير مما اجلس أفكر هل هو حي أم ميت".
بعد أكثر من ثلاثة أشهر من معاناة "أم أمجد" وأسرتها يتصل بهم أحد المشرفين الحوثيين ليكتفي بالقول إن الطفل في مهمة وطنية، وواجب ديني، دون الإشارة إلى المكان الذي يتواجد فيه أو طبيعة العمل الذي يعمل.
أرقام صادمة لتجنيد الأطفال
رغم ما عانته "أم أمجد" جراء فقدان ابنها لأكثر من ثلاثة أشهر، ولا زالت تعاني من تلك الصدمة حتى اليوم وتستخدم أدوية ارتفاع ضغط الدم، إلا انها قد تكون أكثر حظا من باقي الامهات اللاتي تكررت معهن نفس الحادثة غير أن الأطفال لم يعودا لهن إلا جثثا هامدة.
ورصد تقرير حقوقي، سقوط 31 قتيلاً من الأطفال الذين تم تجنيدهم تحت ذريعة مناصرة الفلسطينيين، ومن أولئك الطفل الذي رمز إلى اسمه بالحرفين (م ق)، الذي قُتل في ظروف غامضة، بعد استدراجه خلال حملة تحشيد وتجنيد واسعة في مديرية بني حشيش في محافظة صنعاء أواخر ديسمبر الماضي، التي تولاها القيادي فايز الحنمي.
ووفق تقرير التحالف اليمني لرصد الانتهاكات، أن أحد القادة الحوثيين قام بإقناع والد الطفل (م ق) بتجنيد طفله لنصرة غزة، الأمر الذي سيسهم في رضا المشرف الحوثي في منطقته، ليهتم بوضع عائلته ضمن أولويات المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الأممية والدولية.
وأفاد التقرير "وبعد أكثر من أسبوعين من التدريب نقل الطفل مع مشاركين آخرين في الدورة القتالية إلى إحدى الجبهات، إلا أنه سقط قتيلاً بعد أيام من تجنيده، في ظروف غامضة، ولم يتم إبلاغ عائلته بمصيره إلا بعد ثلاثة أيام من مقتله في الجبهة".
كذلك كشفت تقارير حقوقية، عن تجنيد جماعة الحوثي لأكثر من 10 آلاف طفل يمني خلال ثماني سنوات، خلال الفترة من 2014 وحتى 2021 في مناطق سيطرتهم المسلحة. بحسب المرصد الأورومتوسطي ومنظمة سام للحقوق.
وفي آخر تحديثات تشير الأرقام إلى وجود أكثر من 25 ألف دون السن القانوني جندتهم المليشيات الحوثية، غالبيتهم تم استهدافهم من المدراس والمراكز الصيفية والدورات الطائفية التي تجبر المليشيات كل من يسكن في مناطق سيطرتها، حضور تلك الدورات.
تدمير ممنهج للتعليم
وتبدأ عملية استقطاب الأطفال من قبل ميلشيات الحوثي من خلال التدمير الممنهج للتعليم والذي بدوره خلق بيئة قادرة على تجنيد أطفال وفتيان في صفوفها خلال السنوات الماضية، وشجعت المراكز الصيفية على حساب التعليم الحكومي.
ورغم سيطرة الميلشيات على إيرادات أكبر المحافظات، إلا أنها ترفض صرف رواتب المعلمين والتربويين في مناطق سيطرتها حيث يعيش المدرسين وضعاً معيشياً صعباً، ونجحت الميلشيات في افراغ المدارس الحكومية من الكوادر التربوية المؤهلة.
وإلى جانب ذلك تسببت الحرب التي بدأتها ميلشيات الحوثي بتدمير ألفين و372 مدرسة جزئياً وكلياً، واستخدام أكثر من 1500 مدرسة أخرى كسجون وثكنات عسكرية مما تسبب في دفع أكثر من مليوني طفل إلى سوق العمل، جرّاء ظروف الحرب، بالإضافة إلى حرمان أكثر من 4.5 مليون طفل من التعليم، منهم مليون و600 ألف طفل، حرموا من الالتحاق بالمدارس خلال العامين الماضيين، وفق تقارير أممية.
وقال رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، أحمد القرشي "أن جماعة الحوثي استخدمت المدارس والمساجد والمراكز الصيفية لاستقطاب وتجنيد مئات الآلاف من الأطفال".
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "لا توجد حماية حقيقية للحد من تلك الانتهاكات التي ترتكبها المليشيات بحق الأطفال وأن آلية الحماية تكاد تكون منعدمة ولا تلبي الحد الأدنى من الحماية التي يحتاجها الأطفال في ظل الضعف الشديد التي تمر بها مؤسسات الدولة المعنية بحماية الأطفال وتربيتهم وتأهيلهم".
استغلال حرب غزة للتجنيد
وتعمد المليشيات الحوثية على استغلال المناسبات الدينية لاستقطاب المزيد من الضحايا والزج بهم في معركتها مع اليمنيين. وخلال العام الماضي بدأت باستغلال حرب الإبادة الوحشية التي شنها الاحتلال على غزة لتجنيد مزيد من الأطفال.
وجندت ميلشيات الحوثي أطفالاً لا تتجاوز أعمار بعضهم 13 عاماً، حيث تزايدت عمليات التجنيد في الأسابيع الأخيرة أكثر من أي وقت مضى، وفق تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش.
وأفاد التقرير "أن الحوثيين يستغلون القضية الفلسطينية لتجنيد مزيد من الأطفال من أجل قتالهم الداخلي، في الوقت الذي ينبغي عليهم توفير الاحتياجات الأساسية للأطفال في مناطق سيطرتهم، مثل التعليم الجيد والغذاء والمياه، بدلا من استبدال طفولتهم بواسطة النزاع".
ودعا رئيس منظمة سياج، المنظمات الدولية وكل الجهات المعنية بحقوق الطفل إلى الاضطلاع بمسؤوليتها إزاء تلك الانتهاكات التي تمارسها المليشيات الحوثية بحق الأطفال.
وأشار القرشي إلى ضرورة "دعم وتعزيز دور الحماية ومؤسسات الرعاية المعنية بحقوق الطفل وإعطائها قد عالي من الاهتمام والتدريب بحيث تكون قادرة على القيام بدورها في حماية الأطفال".
ويتم تلقين الأطفال في المدراس أفكارًا طائفية ودينية تحفزهم على القتال وهو الأمر الذي يجعل منهم قنابل موقته تهدد السلم المجتمعي، وهذا لا يُلحق الأذى فقط بالمجندين، بل ينعكس على المجتمع بأسره.