في مسرحية مكشوفة، أعلنت مليشيا الحوثي الإرهابية أنها أفرجت مطلع الأسبوع الجاري عن نحو 153 مختطفاً من سجونها، وبررت ذلك بأنها مبادرة إنسانية من جانب واحد! لكن معلومات متطابقة أكدت أن المليشيا أبلغت أهالي المختطفين منذ مدة عبر وسطاء مقربين أو عبر اتصالات من المختطفين باستعدادها للإفراج عن أبنائهم مقابل دفع مبالغ مالية كـ "فدية" مقابل نيلهم الحرية، وهم ماتم بالفعل.
مبالغ مهولة حققتها المليشيا الإرهابية من وراء عملية الإفراج الأخيرة، إذ فرضت على كل أسرة مختطف مبالغ كبيرة مقابل الإفراج عنه، وهو ما يشكل دليلاً إضافياً على ممارسات مليشيا الحوثي الإرهابية التي تمارس الإثراء على حساب آلام وأوجاع اليمنيين ضاربة بعرض الحائط حجم المعاناة التي تتسبب بها لآلاف الأسر بعد اختطاف واخفاء أبنائها.
صور مؤلمة من الابتزاز المالي
يعتبر الإرهابيون الحوثيون المختطفين في سجونهم أداة استراتيجية يستغلونها لتحقيق مكاسب مختلفة في مقدمتها ممارسة الابتزاز المالي بصور وأشكال مختلفة وهو ما يمثل أحد أكثر مظاهر الاستغلال البشع، كما يشكل مصدر لزيادة المعاناة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون في ظل انقلاب الجماعة المسلحة، وتعتمد الجماعة هذا الأسلوب لتحقيق الثراء الشخصي لقادة ومشرفي الجماعة بالإضافة إلى تمويل أنشطتها العسكرية والموجهة ضد اليمنيين .
يعتمد الارهابيون الحوثيون أساليب متعددة لإجبار المختطفين وعائلاتهم على دفع مبالغ مالية طائلة تبدأ منذ لحظة الاختطاف بطلب أموال من أسر المختطفين تحت مبرر الإفراج عنهم والذي لا يتحقق بل تتبعه أساليب ابتزاز أخرى خلال فترة الاختطاف كالتهديد بإيذاء المعتقل جسدياً في حال رفض اسرته الدفع .
إضافة إلى ذلك يتم حرمان الأسر من زيارة المختطفين إلا بعد دفع مبالغ مالية كبيرة ، كما يتم طلب مبالغ مالية بين وقت وأخر تحت مبرر المصاريف أو العلاج فيما تذهب هذه الأموال إلى جيوب المشرفين على مواقع الاختطاف المليشاوية ، ويتم فرض أمولاً باهظة من قبل المليشيا على كل خطوة تتعلق بالمختطف كإدخال الطعام والدواء له ، أو ايهام اسرته بضمان بقائه بعيداً عن التعذيب أو عدم نقله إلى زنازين أسوأ.
أداة للابتزاز السياسي والعسكري
استخدمت مليشيا الحوثي الإرهابية عمليات الاختطاف والإخفاء القسري كورقة مساومة تستخدمها للتأثير على المفاوضات وتحقيق مكاسب مالية وسياسية وعسكرية ، ورغم أن هذا الملف إنساني وقد قدمت الحكومة الشرعية مبادرة "الكل مقابل الكل" وطالبت بتبييض السجون إلا أن هذا المنحى لم يجد قبولاً لدى الجماعة الإرهابية، واستمرت في التعامل مع المختطفين كورقة مساومة مقابل الحصول على تنازلات سياسية أو عسكرية.
كما يتم استغلال المختطفين لتحقيق مكاسب سياسية عبر تصوير المختطفين على أنهم "خونة وجواسيس" في وسائل الإعلام الحوثية، ويتم إجبارهم على الإدلاء باعترافات كاذبة تدعم مزاعم الجماعة، ويستخدم هذا التلاعب الإعلامي لتضليل الرأي العام المحلي والدولي وتشويه صورة الخصوم السياسيين.
وفي صورة أخرى للابتزاز السياسي يتم عرض المختطفين أمام محاكم صورية بتهم ملفقة مثل "التخابر مع العدو" وإصدار أحكام قاسية تصل إلى الإعدام غالباً وكل هذه الممارسات تهدف إضفاء شرعية مزيفة على احتجازهم الغير قانوني.
مع إدعاءات الحوثيين بشأن الافراج عن الدفعة الأخيرة من المختطفين ومحاولتهم المفضوحة لإضفاء الطابع الانساني على العملية إلا أن سلوكيات الجماعة الإرهابية على الواقع يظهر حجم البشاعة التي توجه تصرفاتها، ويتجلى هذا السلوك القمعي عبر مواصلة اختطاف يمنيين جدد والزج بهم في سجونها لاستخدامهم كأوراق للمساومة والتربح المادي، مما يدحض مزاعم الجماعة التي تسوقها للاستهلاك الإعلامي بينما تشير كل جرائمها أنها لا تبدي أي اهتمام للاعتبارات الإنسانية.
تواصل الاختطافات والتعذيب
من جهة أخرى لازال يقبع في السجون الحوثية آلاف اليمنيين من كافة فئات المجتمع محتجزين في ظروف قاسية ومؤلمة على كافة الأصعدة، وتمارس بحقهم مختلف الانتهاكات كالتعذيب بشكل يومي سواء بالضرب المبرح أو استخدام أساليب قاسية أخرى مثل الحرق أو الصعق بالكهرباء، كما يحرمون من النوم والراحة لفترات طويلة، ويتم تعذيبهم بغرض انتزاع اعترافات أو لإرغامهم على التراجع عن مواقفهم السياسية، وهو ما يتنافى مع ابسط الاعتبارات الانسانية.
بشكل مستمر يتم احتجاز المختطفين في أماكن ضيقة وغير صحية، مما يساهم في انتشار الأمراض ويحرمون من الرعاية الصحية أو الأدوية، بالإضافة إلى ذلك يحرمون من الاتصال بذويهم وتُمنع عنهم في الغالب الزيارات أو حتى المكالمات الهاتفية، ولا يُسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم أو الحصول على محاكمة عادلة، وتُجرى محاكماتهم بشكل صوري وإصدار أحكام قاسية معدة مسبقاً، أو يتم احتجازهم لفترات طويلة دون توجيه تهم رسمية.
ويكشف استخدام الحوثيين للمختطفين كورقة للابتزاز المالي وتحقيق الإثراء غير المشروع وتمويل عمليات قتل اليمنيين، وتحويلهم إلى أداة مساومة سياسية وعسكرية يكشف الطبيعة الاستغلالية للجماعة الانقلابية التي تضع مصالحها فوق كرامة الإنسان اليمني وحقوقه، ولا يمثل هذا النهج انتهاكا صارخا للقوانين الدولية والمحلية فقط بل يعمق من معاناة الشعب اليمني ويعرقل أي جهود حقيقية لتحقيق السلام.
كما لا تعد هذه الانتهاكات مجرد جرائم عادية بحق يمنيين أبرياء بل جرائم بحق الإنسانية بشكل عام، وتتطلب تدخلاً حاسماً من المجتمع الدولي للحد منها، وضمان محاسبة المسؤولين عن ارتكابها، كما يتطلب إرادة دولية حقيقية تتجلى بدعم اليمنيين لاستعادة دولتهم التي تضمن حقوق المواطنين وتحفظ كرامتهم.