في كل مرة تخوض مليشيا الحوثي حرباً لإخضاع القبائل الرافضة لسطوتها، تستخدم تهمة الإرهاب لتبرير جرائمها ومحاولة تقديم سردية مغايرة للخارج. وقد نالت محافظة البيضاء وقبائلها النصيب الأكبر من جرائم المليشيات الإرهابية المتسترة بشماعة الحرب على الإرهاب.
وفي أحدث جرائمها، فرضت مليشيا الحوثي حصارًا خانقًا على قرى "حنكة آل مسعود" في محافظة البيضاء، وسط اليمن، وقصفت المنازل بالطيران المسير والمدفعية، وهجرت السكان ونهبت ممتلكاتهم، تحت مبررها المستهلك وهو الحرب ضد تنظيم داعش.
وعلى مدى سنوات، أوغلت مليشيا الحوثي في جرائمها داخل محافظة البيضاء، حيث خاضت عشرات الحروب ضد قبائل وسكان المحافظة، مرتكبة أبشع الجرائم، من قتل وإعدامات ميدانية واختطاف وتفجير منازل ودور عبادة وغيرها.
في هذا التقرير، يستعرض موقع الصحوة نت، نماذج من حروب المليشيات الإرهابية على قبائل البيضاء وسكانها وما خلفته من ضحايا وانتهاكات ترقى لجرائم حرب وإبادة وتهجير جماعي للمدنيين.
- لماذا البيضاء؟
منذ سيطرتهم على العاصمة، سعت مليشيا الحوثي إلى إحكام سيطرتها على محافظة البيضاء، نظرًا لأهمية جغرافيتها التي تربط بين سبع محافظات يمنية، إلى جانب حقدٍ إمامي دفين ورغبة كهنوتية بالانتقام من رجال البيضاء الذين كانوا في طليعة ثوار 26سبتمبر 1962، وبعد الثورة شاركت القبائل بالقتال ضد فلول الإمامة.
وعقب اندلاع الحرب في 2014، بدأ الحوثيون اجتياح المدن الواحدة تلو الأخرى، وكانت البيضاء أكثرها شراسة وصعوبة، ما جعلها منطقة نزاع مستمر ومواجهة بين المليشيات الغازية ورجال القبائل الذين شكلوا النواة الأولى للمقاومة الشعبية.
- حنكة آل مسعود:
وفي آخر جرائمها، فرضت مليشيا الحوثي مطلع يناير الجاري 2025، حصارًا خانقًا على قرية حنكة آل مسعود في مديرية القريشية، على خلفية تعرض أحد الأطقم التابعة للمليشيات لإطلاق نار من قبل شابين، أثناء محاولة المليشيات اعتقال طلبة تحفيظ في مسجد القرية.
خلال فترة الحصار، رفضت مليشيا الحوثي كل الوساطات التي قادها عدد من مشائخ البيضاء، كما شن ناشطوها حملات إلكترونية واسعة تتهم قبائل رداع بالانتماء إلى القاعدة وداعش، وهو ما رفضه الأهالي.
وبعد أسبوع من الحصار الخانق، شنت مليشيا الحوثي هجومًا واسعًا من عدة اتجاهات على المنطقة، وقصفت منازل سكان القرية بالأسلحة الثقيلة والطيران المسير، ما تسبب في مقتل وإصابة 30 شخصًا على الأقل واختطاف المئات وتشريد أسر وعائلات كاملة.
- خبزة.. البلدة التي تحولت إلى ركام:
قبل نحو 9 سنوات، اجتاح الحوثيون منطقة "خُبزة" في قيفة رداع البيضاء، وفي زمن قياسي حولوها إلى أثر بعد عين، ويصف تقرير حقوقي ما قام به الحوثيون خلال عام في منطقة خبزة بالانتهاكات الجسيمة، بعد سيطرتها في 14 نوفمبر 2014.
وكانت البداية حينما انقلب الحوثيون على الاتفاق الذي تم بينهم وبين وجاهات القبيلة بعدم اقتحام القرية والبقاء في الجبال المحيطة بها، وبدأوا بمهاجمة القرية واقتحامها تحت قصف مدفعي وصاروخي ما دفع أبناء القبيلة للخروج للدفاع عن منازلهم.
واندلعت حينها مواجهات عنيفة بين المليشيا الحوثية وأبناء القبيلة، وهو ما دفع مليشيا الحوثي إلى استقدام تعزيزات من عدة محافظات، وحصار القرية وقصفها بشكل عشوائي بمختلف أنواع الأسلحة بما فيها الطيران الحربي والدبابات، ولم تستطع قوات الحوثي اقتحام القرية إلا بعد عشرة أيام من القصف والحصار.
ومع اقتحامها القرية، شنت مليشيا الحوثي حملة انتقامية ضد كل سكان خبزة، حيث قتلوا وأعدموا العشرات وأحرقوا عدة منازل بمن فيها. وبحسب تقرير لمنظة "عين" الحقوقية فإن ملشيات الحوثي لم ترحم حتى الأطفال والنساء الذين نزحوا إلى الجبال والكهوف في بداية المواجهة، إذ قصفتهم بالمدفعية مخلفة بينهم قتلى وجرحى.
وقتل في تلك المجزرة، 43 شخصًا بينهم نساء وأطفال وأصيب 86 آخرين، ونهبت ثماني محلات تجارية ودمرت أربعة آبار مياه كما قامت المليشيا بتنفيذ 5 إعدامات ميدانية بحق سكان القرية، وفق التقرير.
- حميضة وإرهاب الحوثيين:
في مطلع عام 2015، حاصرت مليشيا الحوثي قرية حميضة شطير بمديرية ولد ربيع بقيفة-رداع، وحاولت اقتحامها والسيطرة على مزارع القات فيها ، لكن مقاومة الأهالي وتصديهم لحملات المليشيات وتداعي القبائل لمناصرتهم حال دون اقتحامها، ليتم بعدها التوصل إلى اتفاق بوساطة قبلية.
ظلت هزيمة المليشيا بمحيط القرية وصمة العار تطارد مشرفيها بين القبائل بالإضافة إلى الإشادات ببطولات قبائل حميضة، وهو ما حرض الحوثيون لاستدعاء تهمة أن سكان القرية دواعش لتبرير شن حملات عسكرية على القبائل الرافضة لسيطرتهم.
بحسب تقرير لمنظمة سام، فإنه خلال تلك الفترة التحق عشرات الحوثيين من أتباع الشيخ الذهب (الموالي للحوثيين)، التحقوا بشكل مفاجئ بمعسكرات داعش حيث تولت تلك العناصر مهمات نقل لوجستية للسلاح والذخائر من مدينة رداع وذمار دون أي اعتراض من نقاط الحوثيين المتواجدة على طول الطريق".
وقال التقرير إن عناصر إرهابية (داعش) وبإيعاز من الحوثيين مارست أعمالًا استفزازية ضد أهالي قرية "حميضة شطير" وتحديدًا أفراد أسرة "آل صلوح" من خلال استحداث نقاط تفتيش على مداخل القرية واستهداف المزارع بالقذائف وعندما تصاعدت الاستفزازات بدأ الأهالي بالدفاع عن أنفسهم وطردهم.
وبعد ذلك انضموا إلى صفوف مقاتلي "الشيخ الذهب" بفرض حصار خانق على القرية وشن هجمات وقصف استمر لأكثر من عام بهدف الانتقام من أسرة "آل صلوح"، قبل أن تتمكن تلك العناصر المسنودة بالحوثيين من اقتحام القرية في عام 2018، وارتكاب جرائم بشعة في القرية.
وفق تقرير سام "فإن الحوثيين الذين هاجموا القرية في 2015 هم أنفسهم الذين اقتحموها في 2018 تحت مسمى "داعش" ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات"، وأشار "بدأت بتفجير خمسة منازل لمواطنين من عائلة آل شطير، وتدمير بئر مياه وإتلاف مزارعهم، ونهبت آثاث وممتلكات العائلة الثمينة (الذهب) وشاحنة نقل مياه و160 رأسًا من المواشي، وتهجير 60 من الأسرة قسرًا".
- العدوان على حمّة صرار:
في نوفمبر 2016، فرضت مليشيا الحوثي حصارًا خانقًا على قرية حمّة صرار بمديرية ولد ربيع في قيفة-رداع بمحافظة البيضاء، قبل أن تبدأ بقصف منازل السكان بمدافع الهاون وقذائف الدبابات وصواريخ الكاتيوشا، وما أدى إلى مقتل وإصابة مواطنين بينهم نساء وأطفال.
وفي منتصف العام 2024، جددت المليشيات مهاجمة قرية "حمه صرار"، بعد حصارها من كل الجهات، واستخدمت في قصف المنازل السلاح الثقيل والطيران المسير، وذلك إثر مطالبة أبناء القرية بضبط قاتل أحد أبنائهم في نقطة تفتيش تابعة للحوثيين، لكن رد المليشيات كان وحشياً، إذ قتلت العشرات من أبناء القرية ونهبت الممتلكات ودمرت وأحرقت المنازل.
- حروب على قبائل الزُّوب:
تحت الشماعة نفسها، شنت ميليشيا الحوثي أربعة حروب على قبيلة "الزُّوَب" في مديرية القريشية، بمبرر انتماء أهالي القرية لتنظيمات القاعدة وداعش الإرهابية.
وكانت آخر الهجمات الحوثية على القرية في منتصف أغسطس 2020، حيث قطعت مليشيا الحوثي كافة الطرقات الرابطة بينها وبين محافظة مأرب، لتتمكن المليشيات بعدها من اجتياح قرية "الزوب"، لتكون آخر منطقة في محافظة البيضاء تجتاحها مليشيا الحوثي.
ورغم السماح لهم بتفتيش المنازل بوساطة قبلية في سبتمبر 2020، شن عناصر الحوثيين قصفًا بالأسلحة الثقيلة على عدد من المنازل، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة ستة آخرين بينهم ثلاث نساء، وفي اليوم التالي فجر الحوثيون منزل المواطن "عبدربه الزوبه" واستمروا في قصف منازل القبائل وقتل شاب من القرية في محله التجاري.
يذكر بأن مليشيا الحوثي كانت قد شنت عدة حملات عسكرية على قرية الزوب خلال السنوات السابقة، وهو ما يتسبب في تفجير الوضع واندلاع المواجهات مع رجال القبيلة الذين يتداعون من من أجل الدفاع عن أنفسهم وأرضهم.
بدأت أولى الحملات مع اجتياح الميليشيا لمناطق قيفه في نهاية شهر أكتوبر 2014م، ليتصدى لها أبناء القبيلة، واندلعت مواجهات موقعة قتلى وجرحى من الطرفين، قبل أن تتوقف المواجهات بوساطة قبلية.
عاود الحوثيون التضييق على الأهالي وممارسة القمع وفرض السيطرة بالقوة من جديد في بداية العام 2025م، ثم قادوا هجومًا عنيفًا على القرية في مارس 2026م، حاصروا فيه القرية لمدة أسبوعين واستهدفوا السكان ومنعوا إسعاف الجرحى من النساء والأطفال.
ورصدت منظمة سام، مقتل وإصابة أكثر من 100 مدني في قرية الزوب، ومئات الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الحوثيين ضد المدنيين خلال السنوات الماضية، تنوعت بين قتل 40 شخصًا وإصابة 60 آخرين بينهم نساء وأطفال وإجبار أكثر 450 أسرة على النزوح إلى القرى المجاورة.
- مناطق الجحاف وآل عواض والحيمة والزاهر:
وفي قرية "الجحاف" نهاية أغسطس 2023، اقتحمت ميليشيات الحوثي القرية في ساعات الفجر الأولى، وقامت بتدمير العديد من المنازل، واستخدمت الأسلحة الثقيلة في الهجوم وتم اختطاف العشرات من شباب القرية.
وفي نوفمبر من نفس العام تعرضت قرية "الحيمة" الواقعة في المنطقة الغربية للمحافظة، لعملية اجتياح غير مسبوقة بضربات عسكرية برية وجوية من قبل الحوثيين، واستخدمت المليشيا المدفعية الثقيلة ضد المنازل وأسفرت العمليات عن مقتل أكثر من 10 مدنيين، وتم تهجير المئات من الأسر.
وتعرضت قرية "الزاهر" لهجمات وحشية انتقامية من قبل جماعة الحوثي في يناير 2024، حيث أُجبر السكان على مغادرة منازلهم، وتم تحويل المنازل إلى مقرات عسكرية، وتعرض الأسرى لعمليات إعدام ميداني.
كما شنت مليشيا الحوثي هجومًا واسعًا على مناطق آل عواض في السوادية، إثر تداعي القبائل في يونيو 2020، للمطالبة بكشف قتلة المواطنة "جهاد الأصبحي"، حيث هاجموا منزلها بأكثر من 30 عربة عسكرية متنوعة وبأسلحة ثقيلة، وقاموا بقتلها ونهب محتويات المنزل، وهو ما أثار غضب قبائل البيضاء، التي طالبت بالثأر والقصاص.
ومع محاولة الحوثيين التنصل عن الجريمة، دعا الشيخ القبلي، ياسر العواضي، قبائل البيضاء وأبنائها إلى الاحتشاد والاستعداد لقتال الحوثيين، لكن المليشيا استخدمت كما هو نهجها الوسطاء للتهدئة، قبل أن تشن هجومًا على مديرية ردمان مستخدمة السلاح الثقيل والصواريخ والطائرات المسيرة، ما أدى لمقتل وجرح العشرات واختطاف المئات وتشريد الكثير من الأسر.
- مجزرة حي الحفرة في رداع:
في مارس 2024، أقدمت مليشيا الحوثي على تفجير منازل على رؤوس ساكنيها في حي الحفرة وسط مدينة رداع، ما أدى إلى مقتل وإصابة 35 مدنيًا بينهم نساء وأطفال وكبار في السن.
وأقرت المليشيا بالجريمة، وألقت بالمسؤولية على أفراد الحملة، قبل أن تتنصل من وعودها بمحاسبتهم، وتنقل جثث الضحايا إلى مدينة يريم في إب ليتم دفنهم بالقوة رغم رفض الأهالي، وأقدمت لاحقًا على اختطاف الناجي الوحيد من الأسرة التي قضت تحت الأنقاض.
- تصفية 4 مشائخ في الملاجم:
لا تزال جريمة تصفية 4 مشايخ من قبيلة آل عمر محفورة في ذاكرة قبائل البيضاء، ففي أغسطس 2016، اختطفت المشايخ الأربعة من داخل منازلهم بمديرية ذي ناعم، وبعد 4 أيام عثر على جثثهم بإحدى الشعاب بمديرية الملاجم.
والمشائخ الذين تم تصفيتهم هم، الشيخ أحمد صالح العمري، والشيخ محمد أحمد العمري، والشيخ صالح سالم بنه، وصالح أحمد صالح العمري. وينتمون إلى مديرية ذي ناعم، وهي المديرية التي شهدت أكبر عملية استنزاف للحوثيين في ذات العام حيث قتل العشرات من قادة الحوثيين.