لتحقيق مصالح إيران.. كيف يستغل الحوثيون مأساة فلسطين؟

لتحقيق مصالح إيران.. كيف يستغل الحوثيون مأساة فلسطين؟

قبل أن يظهر اسم الحوثي للعلن كمرادف للعنف والتمرد المسلح على الدولة، ثم الانقلاب عليها لاحقا، كان اليمنيون بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية في حالة توافق تجاه دعم القضية الفلسطينية سياسيا وماليا وإعلاميا، ولم يكن هناك مزايدة بين المعارضة والحكومة في هذه القضية، كما في بلدان أخرى.

 

ظل هذا الموقف ثابتا تقريبا رغم المتغيرات الكثيرة التي حدثت في البلاد، سواء كانت ثورات أو تعاقب الرؤساء قبل وبعد إعادة توحيد شطري الوطن، وتكاد تكون قضية فلسطين من ثوابت السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية.

 

وعلاوة على ذلك، لم يسعَ أي طرف لاستغلال القضية الفلسطينية لصالحه سياسيا، أو تصنيف خصومه السياسيين بأنهم "متصهينون"، كما يفعل الحوثيون حاليا، في أسوأ استغلال لخدمة أجنداتهم السياسية والمذهبية ولتحقيق مصالح إيران في المنطقة.

 

على مدار عام ونصف، منذ إعلان الحوثيين انخراطهم في هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد الكيان الإسرائيلي، تحت مسمى الوقوف إلى جانب أهل غزة، كان الحوثيون يشددون قبضتهم القمعية ضد اليمنيين المطالبين بحقوقهم في مناطق سيطرتهم، كما حاولوا الحصول على اعتراف بسلطتهم.

 

أظهر الحوثيون التزاما كبيرا في أداء دورهم ضمن "محور المقاومة" الذي تقوده طهران، والتي ترى "أن استثمارها فيهم كان جيدًا، حيث أثبتوا قدرتهم على أن يكونوا عنصرًا فعالاً وأن يضطلعوا بدور في محور المقاومة، مما دفع طهران إلى إسناد دور أكبر لهم”، كما تقول ميساء شجاع الدين، الباحثة في مركز صنعاء للدراسات، في تعليق نشره موقع المركز.

 

ومع ذلك، لم تسهم هذه الهجمات في تخفيف الوضع العسكري والإنساني في غزة، وهو الهدف المُعلن لتبرير استمرار هذه الهجمات. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها المسافة الطويلة بين اليمن وفلسطين المحتلة، مما يقلل من تأثير الصواريخ والطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى قدرة الكيان الإسرائيلي على إسقاط معظمها بفضل الدفاعات الجوية المتطورة.

 

وفي هذا الصدد، عبّر السياسي اليمني مصطفى أحمد نعمان، في تغريدة له على موقع إكس، عن تمنيه لو أن الحوثيين نجحوا "في إنقاذ الفلسطينيين لكنهم في الواقع اعطوا إسرائيل كل مبررات تدمير بلد عربي فقير آخر مقابل دخول إسرائيليين في الملاجىء لساعات خرجوا منها سالمين".

 

ورغم هذه الانتقادات، يستمر الحوثيون في شن هجماتهم بين الحين والآخر، بغض النظر عن جدواها، بهدف استغلال السردية التي يروجون لها عن مواجهة العدو، مما يساعدهم على تجنيد المزيد من المقاتلين عبر أساليب الترهيب والترغيب، بالإضافة إلى تسخير موارد الدولة التي يتم جبايتها لصالحهم، وابتزاز التجار بحجة التبرع لفلسطين، فضلا عن اتخاذ سياسات أكثر قمعية لإسكات الأصوات المطالبة بالحقوق والزج بالكثير من المواطنين في السجون.

 

وفي هذا السياق، يشير الصحفي والكاتب همدان العليي، إلى أن الحوثيين كانوا يعاقبون اليمنيين لعدم المشاركة في أنشطتهم المتعلقة بفلسطين، والتي يهدفون من خلفها لتحقيق أهداف خاصة لسلالتهم، ووصل بهم الحال لوصف اليمنيين بأنهم صهاينة عرب.

 

وفي نفس الوقت، يتم إخراج الناس أسبوعيا للساحات تحت شعار دعم غزة وفلسطين، ثم يستغل الحوثيون التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية ليزعموا أن لديهم دعما شعبيا وتأييدا لخياراتهم السياسية، إلا أن تفاعل الناس مع هذه الدعوات لا يُمكن أن يُعتبر موافقة على مشروعهم السياسي.

 

إن هدف الحوثيين من إخراج الناس هو الادعاء بأن لديهم مشروعية شعبية، في محاولة لإثبات أن مشروعهم في الحكم يحظى بقبول شعبي، رغم أنهم لم يصلوا للحكم عبر إرادة الشعب في انتخابات حرة، بل من خلال الانقلاب، وهم يرفضون الاحتكام إلى الانتخابات لإثبات صحة مزاعمهم.

 

إعلانهم عن الدعم الشعبي يعكس فشلهم في تلبية الحد الأدنى من احتياجات المواطنين، مما يجعلهم يبحثون عن مبررات خارجية مثل القضية الفلسطينية، وقد عبّر عن هذه الحقيقة أحد قيادييهم، سلطان السامعي، عضو ما يُسمّى "المجلس السياسي الأعلى"، عندما قال إنه لولا حرب غزة لأكلهم الناس بسبب ظلمهم ونهب الحقوق.

 

وبينما يواجه الحوثيون انتقادات حادة من داخل اليمن ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي، فإن تساؤلات الناس تكشف زيف شعاراتهم تجاه فلسطين. يسخر البعض منهم بحديث الحوثي عن المعتقلين والأسرى الفلسطينيين بينما تعج سجونهم بآلاف اليمنيين، كما يعترض البعض الآخر على حرصهم المزيف بشأن حقوق سكان غزة في الغذاء والدواء والخدمات، في حين أنهم يرفضون دفع مرتبات الموظفين ويجففون مصادر رزقهم.

 

وفي ظل تهرب الحوثيين من التزاماتهم الداخلية بما في ذلك الجنوح للسلام، وفشل سرديتهم في تبرير نهب حقوق الناس، لجأوا إلى تشويه سمعة أي شخص ينتقدهم أو يطالب بحقوقه عبر تصنيفه بـ "الصهيوني"، وهذه الاستراتيجية تهدف إلى شيطنة المعارضين والتخويف منهم، وابتزازهم تحت مسمى "العمالة".

 

إن استغلال القضية الفلسطينية بشكل مفرط وتشويه سمعة اليمنيين المعارضين للحوثيين بأنهم يتعاطفون مع الصهاينة، لمجرد انتقادهم لأفعال الحوثيين وانتهاكاتهم، يمثل محاولات فاشلة للتغطية على افتقارهم للشرعية، وهو دليل على استغلالهم البشع لقضية فلسطين لتحقيق أهدافهم السياسية والمذهبية.

 

 

هذه الممارسات تؤكد أن الحوثيين يجسدون الانتهازية الإيرانية في أقبح صورها، عبر المتاجرة بالقضية الفلسطينية وادعاء البطولة في "محور المقاومة"، بينما علاقتهم بفلسطين تبقى محصورة في الشعارات والكلمات أكثر من الأفعال. وحتى عندما يتخذون خطوات فعلية، فإنها تكون على حساب حقوق شعوبهم وبلدانهم.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى