تحت وطأة الشتاء القارس الذي يضرب العاصمة اليمنية صنعاء، تتفاقم معاناة آلاف الأسر التي فقدت منازلها بسبب الانقلاب الذي قامت به المليشيات الحوثية وما نتج عنه من تردي الأوضاع على كافة المستويات.
في زاوية أحد شوارع العاصمة صنعاء، تفترش أم سمر مع أطفالها الأرض، في مشهد يعكس قسوة الحياة في ظل حكم الميليشيات، حيث يلتفون حول بعضهم البعض في محاولة للتغلب على البرد القارس الذي يخترق أجسادهم النحيلة، بينما يتغطون بملابس بالية لا تقيهم من صقيع الليل.
تقول أم سمر بحسرة وهي تتوسط أطفالها الثلاثة "كنا نعيش في بيت متواضع في محافظة الحديدة، لكن الحرب الحوثية دمرت كل شيء، فقدت زوجي قبل ثلاث سنوات حين كان يحاول تأمين قوت يومنا، بعد ذلك لم نجد خيارًا سوى النزوح إلى صنعاء".
لكن رحلة النزوح لم تكن نهاية المعاناة، بل بداية فصل جديد من البؤس والتشرد، ففي صنعاء، وجدت الأسرة نفسها بلا مأوى، مضطرة للعيش في الشارع مع آلاف الأسر النازحة الأخرى التي هربت من جحيم الحرب الحوثية الإرهابية.
حنين إلى الدفء
يختلف الأشخاص وتتشابه الحالات، ففي كل زاوية، وتحت كل جسر، وعلى كل ممر، تجد الكثير من الأسر الفقيرة يتشاركون العيش على تلك الأرصفة دون مأوى.
مريم مع زوجها وأطفالها الخمسة نصبت لها مكانا بجوار إحدى جوالات الشوارع قصتها ليست سوى واحدة من آلاف القصص التي تعكس حجم المأساة الإنسانية المستمرة في اليمن تقول الأم: "في الليالي الباردة، نضطر للبقاء مستيقظين حتى لا نتجمد. نبحث عن أي شيء نشعله لنشعر بقليل من الدفء، وأحيانا قد لا نجد شيئًا".
تختتم الأم حديثها قائلة: "لا أعلم إلى متى سنبقى على هذا الحال. كل ما أريده هو مكان آمن يحميني وأطفالي من البرد".
معاناة مستمرة
بحسب تقارير منظمة الأمم المتحدة، يعاني أكثر من 4.5 مليون نازح يمني من ظروف صعبة، حيث يعيش الكثيرون في الشوارع أو في مخيمات غير مجهزة. كما تشير الإحصائيات إلى أن 21 مليون يمني، أي ما يعادل 70% من السكان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، مع وجود أكثر من 17 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
في المقابل تواجه المنظمات الإغاثية تحديات كبيرة في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات حيث تفرض قيودًا على توزيع المساعدات، واستخدامها في تعزيز نفوذها وحصر وتوزيعها على الموالين لها، مما يحرم العديد من الأسر المحتاجة من الدعم الإنساني.
واقع مأساوي
في أحد صباحات العاصمة المحتلة صنعاء، وتحديدا تحت جسر جولة كنتاكي تجمع الأهالي حول رجل مجهول الهوية وجدوه وقد فارق الحياة بعد أن بات الليل متغطيا بقطعة كرتون لم تنجح في رد الصقيع عنه.
يشكل الليل كابوسا مرعبا أثناء الشتاء، حيث تصل درجات الحرارة في صنعاء إلى ما يقارب الصفر، ما يجعل الحياة أكثر قسوة على الأسر التي تعيش على الأرصفة وفي الطرقات دون مأوى. تضيف أم سمر "الليل طويل جدًا. الأطفال يبكون من البرد والجوع، وأنا لا أملك شيئًا سوى الدعاء".
تحذيرات صحية
يحذر أطباء ومختصون من خطورة التعرض للبرد القارس على الأسر التي تعيش دون مأوى، خاصة في العاصمة صنعاء التي تتعرض لانخفاض حاد في درجات الحرارة خلال فصل الشتاء.
ويرى الأطباء أن الأسر المشردة، وخاصة الأطفال وكبار السن، أكثر عرضة للإصابة بأمراض خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة إذا لم يتم توفير مأوى مناسب لهم.
ويعد التعرض المطول للبرد دون حماية كافية يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الحادة، مثل الالتهاب الرئوي والتهابات الشعب الهوائية، وهو ما يؤدي إلى مضاعفات خطيرة خاصة لدى الأطفال.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن 40% من الأطفال النازحين يعانون من ضعف المناعة بسبب سوء التغذية، مما يجعلهم أكثر عرضة للوفاة نتيجة التعرض للبرد والأمراض المصاحبة له.
كما تحذر الجهات الصحية بأن نقص التدفئة والمأوى يساهم في ارتفاع معدلات الوفيات بين المشردين.
ففي الشتاء الماضي، تم تسجيل عشرات الحالات من الوفاة بين النازحين بسبب التهابات الجهاز التنفسي الحادة ونقص الرعاية الصحية، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى المرافق الطبية المناسبة، مما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض ونزلات البرد القاتلة.
تكشف برودة الشتاء هشاشة حياة الآلاف من الأسر المشردة، في ظل واقع مر انتجه الانقلاب الحوثي المشؤوم وسط تنديد واسع النطاق لإنقاذ ملايين الأرواح العالقة بين صقيع البرد وجحيم الميليشيات الحوثية.