على طول خط الأزمة اليمنية، ظلت مواقف وأدوار المجتمع الدولي تجاه مليشيا الحوثي، محاطة بالضبابية التي لطالما استنكرتها الحكومة الشرعية، واعتبرتها فشلًا أخلاقيًا وازدواجًا واضحًا لمعايير المنظومة الأممية والقوانين الدولية.
وتأتي تناقضات المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في آخر تصريحين له كنموذج حي للتخبط الدولي في تعامله مع الأزمة اليمنية، حيث صرح المبعوث، في 7 ديسمبر الجاري، بلهجة حادة بأن تنفيذ خارطة الطريق لم يعد ممكنًا، واتهم الحوثيين بعرقلة كل عمليات السلام.
وفي 10 ديسمبر، أي بعد ثلاثة أيام فقط من تصريحه الأول، قال غروندبرغ بأن السلام في اليمن ممكن. وعاد ليدعو الأطراف اليمنية إلى الانخراط في خارطة الطريق، متجنبًا إدانة الحوثيين وتحميلهم المسؤولية على خلاف موقفه السابق.
وقد شكلت سياسة التماهي والتناقضات الواضحة في مواقف المجتمع الدولي تجاه مليشيا الحوثي الإرهابية، سفينة نجاة يلجأ إليها الكهنوت الحوثي كلما استشعر قرب نهاية وجوده غير الشرعي، طيلة سنوات حربه مع الحكومة الشرعية.
- تواطؤ مشرعن للجرائم:
منذ سيطرة مليشيا الحوثي على صنعاء عام 2014م، لم تواجه قياداتها أو مشرفيها عقوبات فعالة وحقيقية تردعهم عن انتهاك حقوق الإنسان أو خرق القانون الدولي، حيث التزم المجتمع الدولي الصمت مكتفيًا - في بعض الأحيان- بإدانات خجولة وبيانات يعرب فيها عن تخوفاته وقلقه.
في هذا السياق، يقول الصحفي والكاتب سيف الحاضري، إنه ومن حيث الظاهر الذي نقرأه فإن المجتمع الدولي متواطئ ومتساهل إلى حد كبير مع ممارسات مليشيا الحوثي وانتهاكاتها بحق اليمنيين.
وأوضح، في حديث خاص لـ"الصحوة نت"، أن هذا التواطؤ فتح المجال أمام مليشيا الحوثي للتصرف دون خوف من عواقب دولية جدية، وشجعها على توسيع دائرة العنف، بما في ذلك قصف المناطق المدنية واستخدام الألغام وتجنيد الأطفال وغيرها.
وخلال ديسمبر الجاري فقط، ارتكبت مليشيا الحوثي عشرات الانتهاكات والجرائم المدنية في محافظتي تعز والحديدة وحدهما، كان من أبرزها مجزرة مقبنة، التي راح ضحيتها 14مدني بين قتيل وجريح إثر استهداف مليشيا الحوثي لسوق شعبي بطائرة مسيرة إيرانية الصنع.
- استغلال عسكري
نجحت مليشيا الحوثي في استغلال هذا التعاطي الدولي المتخاذل واستثماره في تحقيق مآرب عسكرية وسياسية واقتصادية خلال فترة الحرب، بالإضافة إلى استخدامه كغطاء لغسل وتمييع انتهاكاتها وجرائمها المتصاعدة بحق الشعب اليمني.
خلال عشر سنوات، وكلما ضاق بها الخناق عسكريًا وأوشكت على الانهيار في جبهة من الجبهات أمام الجيش الوطني؛ تهرع مليشيا الحوثي طارقةً أبواب المجتمع الدولي والأمم المتحدة لتعلن عن موافقتها الجلوس على طاولة الحوار، لكنها سرعان ما تتنصل عن التزاماتها بعد تمكنها من التقاط أنفاسها ولملمة صفوفها على الأرض.
ويعتبر اتفاق ستوكهولم للسلام، واحد من أبرز الشواهد على مراوغة الحوثي ونقضه للاتفاقيات، حيث لجأت مليشيا الحوثي للمجتمع الدولي اضطرارًا بعد أن استشعرت قرب خسارتها لمدينة الحديدة الساحلية في معارك مع قوات الجيش الوطني عام 2018م، وهو ما يعني إغلاق الشريان الوحيد الذي تحت سيطرة المليشيا وإليه تتدفق الأسلحة المهربة من إيران وغيرها.
أفضى الاتفاق حينها على انسحاب المقاتلين من الطرفين وتسليم المدينة لقوات أمن محلية وفقًا لكشوفات 2014م وبإشراف قوات أممية، وكذلك توريد موارد المدينة إلى بنك مركزي الحديدة، ومنه يتم تسليم رواتب موظفي الدولة شمالًا وجنوبًا، لكن المليشيا سرعان ما انقلبت على الاتفاق وتجردت من بنوده، وعملت تحت أعين مشرفي ومراقبي البعثات الأممية في الحديدة، على لملمة وترميم صفوفها وعززت قبضتها الأمنية وأعادت سيطرتها العسكرية على المدينة بشكل كبير.
- ضريبة الحياد الأممي
حاولت المنظمات الإغاثية والحقوقية العاملة في اليمن، التعايش مع ممارسات الحوثيين باعتبارهم جماعة أمر واقع، وامتنعت عن اتخاذ مواقف حازمة تجاه انتهاكات الحوثيين خوفًا من فقدان قدرتها على العمل داخل مناطق سيطرتهم، واتجهت بعض المنظمات الدولية، خلال السنوات السابقة، إلى تبني لغة محايدة في مواقفها من الأزمة اليمنية، لتعيد صياغة الأزمة وتتناولها بطريقة تتساوى فيها المليشيات والحكومة الشرعية، وهي محاولة للتشويش حول من يتحمل المسؤولية.
استثمرت مليشيا الحوثي هذا الدور الهزيل للمنظمات الدولية، وتوغلت داخل أجهزة بعض المنظمات، لتتمكن من السيطرة على المساعدات الإنسانية وإدارة تسيير الأعمال الإغاثية للمنظمات في مناطق سيطرتها. وقد أكدت تقارير قيام الحوثيين بتوزيع المساعدات على الموالين لهم، بالإضافة إلى بيعها في السوق السوداء.
وخلال الأشهر الماضية، رفعت مليشيا الحوثي سقف تماديها بحق العمل الإنساني إلى حد اعتقال عشرات العاملين في المنظمات الإغاثية واتهامهم بالتجسس والتخابر لصالح دول أجنبية، وهو ما دفع عشرات المنظمات إلى تعليق نشاطاتها الإغاثية ومغادرة البلاد، وسط ادانات خجولة من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
- رفع الغطاء عن الحوثي
أشار "سيف الحاضري" إلى أن تغاضي المجتمع الدولي عن ممارسات الحوثيين، طيلة الفترة السابقة، يأتي في إطار حسابات وعملية موازنة تحقق لبعض القوى الدولية مصالحها الخاصة في المنطقة العربية.
وأوضح أن المجتمع الدولي حرص، خلال السنوات الماضية، على أن يُبقِي الحوثي في مساحة معينة بحيث لا تتجاوز ممارساته الخطوط الحمراء التي تضر بالمصالح الدولية، لكنه حصل وأن تجاوز الحوثيون هذه الخطوط في الفترة الأخيرة من خلال عملياتهم في البحر الأحمر وتهديدهم للملاحة الدولية.
لافتًا إلى أن المتغيرات الجديدة في المنطقة، والتي خلقتها أحداث سوريا وسقوط نظام الأسد، قد ساهمت أيضًا بشكل كبير في رفع الغطاء عن مليشيا الحوثي، ليغدو الحوثي اليوم في أضعف حالاته عقب انهيار المشروع الإيراني في لبنان وسوريا.
وقال إن هذه العوامل والمتغيرات هيأت الفرصة أمام الحكومة الشرعية اليوم لتفرض وجودها وإرادتها على المجتمع الدولي. مؤكدًا بأن الشرعية إذا نجحت في فرض واقع جديد واتجهت نحو تحريك الجبهات فإن تهاوي مليشيا الحوثي سيكون سريعًا وسقوطها مدويًا.