مع ساعات الصباح الأولى وقبل أن ينطلق أذان الفجر، تخرج أم سما البالغة من العمر 57 عاما حاملة على ظهرها كيس بحجم كبير لجمع علب البلاستك الفارغة من أزقة وحواري صنعاء الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثية.
تخرج ومعها أبنتها ذات العشر سنوات وأبنها ذو السبع سنوات يحملون على ظهورهم أكياسا أكبر من أحجامهم بثلاثة أضعاف.
تقول أم سما في تصريح لموقع "الصحوة نت" إنها تعمل في جمع علب البلاستك منذ ما يقارب السبع سنوات وبعد أن توفي زوجها في أحد مشافي صنعاء دون أن تتمكن من توفير العلاج له
وتضيف:" لا يوجد لنا هنا سند ولا معين" فهم من أبناء تهامة نزحوا الى صنعاء بعد الحرب التي شنتها العصابات الحوثية هناك مما أضطرهم الى مغادرة ديارهم والعيش في صنعاء في منازل لا تليق بكرامة الإنسان.
أسعار زهيدة
ويوجد في العاصمة صنعاء ما يقارب ال600 معمل لكبس المعادن وفرم البلاستك يقصدها مئات العاملين في جمع العلب الفارغة من البلاستك بعد أن أصبحت مهنة الفقراء والضعفاء الذين لا يجدون حلية وليس لهم من يوفر لهم لقمة العيش غير تلك المهنة البسيطة والتي يجمعون منها ما يقارب الف ريال يمني أي ما يعادل نصف دولار فقط هي حصيلة يوم كامل من الجهد والتعب كما تقول أم سما.
وكحال أم سما يخرج الطفل عمار وهو ابن الحادية عشر ربيعا كل يوم مع ساعات الصباح الأولى لجمع ما يمكن جمعه ليعول أسرته بعد أن انقطع راتب الأب الذي كان يعمل موظفا عاديا في أحدى الدوائر الحكومية قبل الانقلاب المشؤوم الذي قامت به المليشيات الحوثية في العام 2014، لينتهي به الحال في المصحة العامة للأمراض النفسية بعد أن تدهورت حالته الصحية والنفسية اثر انقطاع المرتبات وعجزه عن توفير لقمة العيش لأسرته حسبما يفيد عمار.
يضيف أيضا " اضطررت للعمل وترك المدرسة منذ كنت في الصف الرابع بعد أن ساءت حالة والدي وأصبحنا لا نملك قوت يومنا فخرجت لجمع العلب الفارغة ونهاية اليوم أبيعها الى محلات الخردة لأشتري بها ما تيسر من طعام ثم أعود الى البيت".
يقول مثنى راجح أحد مالكي أحواش الخردة بأن انخفاض اسعار العلب يرجع الى كثرة العرض حيث يتوافد اليه الكثير من العاملين في جمع البلاستك بشكل كبير وهو ما شكل تراجعا في اسعار البلاستك، يضيف مثنى بأن الشريحة الاكبر من بائعي البلاستك هن من الفتيات في مقتبل العمر ممن تركن الدراسة للمساهمة في اعالة اسرهن.
يبلغ سعر الكيلو من العلب البلاستكية عند محلات الخردة 50 ريالا بدلا من 100 ريال قبل الانقلاب الحوثي، الذي كان السبب الرئيس في تضاعف أعداد الباعة من النساء والاطفال وكبار السن في ظل تدهور الاقتصاد والغلاء المعيشي وانعدام فرص العمل.
وفي دراسة حديثة كشف البنك الدولي عن تراجع الناتج المحلي لليمن بنسبة 47% من قيمته الحقيقة خلال الفترة الواقعة بين عامي 2011 و2021، ووصف البنك الدولي الظروف الاقتصادية في اليمن بأنها في غاية الهشاشة ، كما أشارت تقديرات الأمم المتحدة بأن أكثر من نصف اليمنيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
شاهد عيان
"كأحد ساكني العاصمة صنعاء كل يوم أشاهد العشرات من جامعي العلب البلاستكية وهم يتسابقون على جمع العلب قبل بزوغ الفجر، في صبيحة يوم الأحد من اغسطس / اب الماضي وبينما أنا في سيارتي جائتني امرأة في الخمسينات من عمرها بملابس الفقراء المتواضعة جدا وبصوت متهدج قالت لي " هل عندك علب فارغة في السيارة ؟ نظرت في داخل السيارة فوجدت واحدة منها، فناولتها إياها وسألتها: " لماذا تقومين بهذا العمل وأنتي بهذا السن؟ فأجابت بنبرات حزينة " ماذا نسوي يا ولدي الظروف حكمت علينا لو جلست في البيت وما خرجت اشتغل ـ أي في جمع البلاستك ـ أنا وبناتي سنموت من الجوع لأنه لا يوجد معنا أحد، فأخرج أنا للعمل أفضل مما يخرجين بناتي" ثم أخذت العلبة الفارغة وغادرت منهية الحوار بهذه الكلمات التي توخز الضمير الإنساني".
مخاطر صحية
عمل الأطفال الصغار في جمع علب البلاستيك يحمل العديد من المخاطر الجسدية والنفسية وعلى مستقبلهم بشكل عام ومن أهم تلك المخاطر حسب ما يرى الأطباء:
التعرض للمواد الضارة: فالعلب البلاستيك قد تكون ملوثة بالمواد الكيميائية أو البكتيريا، مما قد يسبب أمراض جلدية أو تنفسية.
الإصابات الجسدية: فقد يتعرض الأطفال للجروح أو التسمم بسبب ملامسة مواد حادة أو خطرة.
الإرهاق الجسدي: ساعات العمل الطويلة والأحمال والسفر لمسافات طويلة قد تؤدي إلى إرهاق بدني وضعف في النمو.
الاستغلال وسوء المعاملة: فالعاملون في هذه المهنة عرضة للاستغلال من قبل الآخرين سواء ماديًا أو معنويًا.
التأثير على الصحة النفسية: حيث أن البيئة المحيطة بهم قد تكون غير آمنة أو مليئة بالضغط النفسي والتمييز.
الحرمان من الطفولة: فقضاء وقت طويل في العمل يحرم الأطفال من اللعب والتعليم، مما يؤثر على تطورهم العاطفي والاجتماعي.
التأثير على التعليم والمستقبل: فالعمل المتواصل يُعيق الأطفال عن الالتحاق بالمدرسة أو الاستمرار في التعليم، مما يؤثر على فرصهم المستقبلية ويفقدهم المهارات الأساسية وبالتالي يصبحون أكثر عرضة للبطالة والفقر مستقبلاً.
الخطر البيئي والمجتمعي: الأطفال قد يتعرضون لمواقع غير آمنة مثل مكبات النفايات، حيث تتراكم النفايات وتنتشر الأمراض.
غياب الرقابة على هذا النوع من الأعمال يؤدي إلى استمرار حلقة الفقر والاستغلال و لحماية الأطفال من هذه المخاطر، يجب تعزيز التشريعات التي تحظر عمالة الأطفال و توفير برامج دعم اجتماعي لضمان حصولهم على التعليم والرعاية الصحية.
خاتمة
يرى حقوقيون أن هذه الظاهرة ومن يعمل في هذه المهنة عرضة للاستغلال خاصة صغار السن والفتيات، وهو ما ينتج عنه بروز مشكلات اجتماعية خطيرة نتيجة تدهور الوضع المعيشي لدى غالبية الاسر ممن لا يجدون بد من العمل في ظروف كهذه تحت وطأة الفقر وانعدام المسؤولية من المنظمات، وسلطات الامر الواقع، التي تدفع بعجلة الاقتصاد نحو الهاوية من خلال قطع المرتبات والاستحواذ على المساعدات الانسانية والتضييق المستمر على المواطنين الواقعين في مناطق سيطرتها.
لمجرد مرورك في شوارع العاصمة المحتلة صنعاء ستشاهد الكثير من المتجولين في الشوارع والأزقة ممن يمتهنون هذه المهنة التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولكنه عوز الحاجة ألجأهم إلى ذلك، وليوم واحد في العاصمة المحتلة صنعاء تعرف الوجه الحقيقي للعصابات الحوثية التي جعلت من القوت اليومي للمواطن شيء صعب المنال، هادفة بذلك الى اشغال الناس بالبحث عن معايشهم وتناسي حقوقهم ومطالبهم وهو نهج الأمامة عبر التأريخ وعلى خطاهم يسير الإماميون الجدد.