التف الجميع ــ محب و مبغض ــ حول مائدة الطوفان ! دول و حكومات، شعوب و مجتمعات، عسكريون و مدنيون، أحزاب و جماعات، كتّاب و شعراء، صحف و قنوات، أعداء و أصدقاء، آحاد و زرافات، رجال و نساء ..!!
كل هذه الشرائح و الفئات ممن ذكرنا، و من لم نذكر جثوا على ركبهم جميعا حول مائدة الطوفان ؛ يتعلمون ، يتساءلون ، يستفسرون ، يُخمّنون، يستنتجون ، يؤيدون ، ينتقدون ، يمتدحون، يتهمون ، يضربون أخماسا بأسداس؛ ليدركوا شيئا، أو يحلوا لغزا، أو ليعرفوا أسرار معجزة يقف العالم أمامها ــ حتى اليوم ــ بين منبهر منها، و معجب بها، و آخرون يتمزقون حسرة و غيظا.
و هناك من راحوا ينظرون إليها و هم لا يبصرون ! فآثروا الصمت و التناوم، و المتابعة بتلَصُّص من وراء ستار ، مصابون بالدهشة و الخيبة والغيرة ! و وا حسرتاه إن لم يكونوا ممن يريد أن يتّعظ ، و يتعلم ..!!
مر عام، و شهر بعده، و أيام أُخر، و المشاهد الأسطورية في الصمود، و الثبات و الاستمرار تُلْهِم الأبــــرار، و تغيظ الفجار ! و حتى أولئك الذين جعلوا أنفسهم موتى سيستفيدون من المـائدة المُلهِمة ؛ لو بدلوا غفوتهم يقـظة، و تخفّيهم حضـورا ، و تلجلجهم فصاحة ! لكن .. من يقنع الدجاجة ؟!!
مر عـام ، و شــهر بعده ، و أيـام تلت ، و ثوابت الانحطاط الأخلاقي، و الهمجية و الوحشية، تتجلى بأبشع الصور، و أنذل المواقف مما يمارسه الكيان اللقيط، و من يقف وراءه.
ثلاثة عشر شهرا ، و أيام أُخـر .. كانت كفيلة منذ البـــداية بكشـــف أكاذيب ، و دجل دول و حكومات ، و نخب سياسية ، و أدعيـاء في عواصـم استعمــارية ، زعموا أنهم أوصياء على حقوق الإنسان ، بل نصبوا أنفسهم حماة لحقوق الإنسان ، فما هو إلا أن جاء الطوفان ، حتى أظهر للعالم حقيقتهم ، و أنهم إنما كانوا يتسترون زورا و كذبا خلف شعارات حقوق الإنسان ! و طوال ثلاثة عشر شهرا و أيام معدودات كان الطوفان يُعَرّي كذبهم و زيفهم، و نفاقهم على مدار الساعة، و اليوم.
فهل لايزال هناك من يصدق أن تلك العواصم الاستعمارية المــاكرة، هي من تتبنى حقــــــوق الإنســان؟ كلا ! و ألف ألف مليون كلا ..!!
تعلمت الشعوب ــ اليوم ــ من مائدة الطوفان؛ أن إرادة الشعوب أقوى من آلة الهمجية، و أقوى من كيانات العصابات.
تعلمت الشعوب من مائدة الطوفان أن المجتمع الذي يحمل مبدأ و قضية عادلة، أقوى من أسلحة الدمار، و إن تعددت دوله و حكوماته، و عصاباته.
تعلمت الشعوب من مائدة الطوفان أن المجتمع الحر ، و في زمن العبودية الجديدة لا يركن ــ بعد الله ــ إلا على نفسه.
تعلمت الشـــعوب من مـائدة الطوفــــــان أن مجتمع الثبات و الصمود، لا بد له من فكرة يحملها و رسالة يعيش لها و يتربى على عقيدتها.
لقد آمنت الشعوب الحرة أن الفكرة لا تنهزم، و أن العقيدة خير زاد ، و أن الإيمان يصنع المعجزات ، و علمت ــ قبل كل ذلك أن الله ــ ناصر المؤمنين.