ترسخ ميلشيات الحوثي تمييز نفسها عن بقية اليمنيين، ما يجعل المقاومة خيار إجباري للتحرر من حالة الاستعلاء التي يراها اليمنيين أنها من مخلفات الإمامة، وتعتمد الجماعة على أدبيات طائفية لفرز المجتمع وتفكيك تماسكه.
وتعمل مليشيا الحوثي الإرهابية في المناطق التي تسيطر عليها في تبني أفكاراً طائفية وتمييز عنصري، وهذا ضمن مشروعها المعلن، حيث تعتقد الجماعة أن لها الحق الإلهي في الحكم بما يعرف بأحقية الحكم في "البطنين".
تاريخيًا، عانى اليمنيون طويلًا من التمييز العنصري الذي مارسته الإمامة خلال عقود طويلة حتى إعلان الجمهورية في 26 سبتمبر/ أيلول 1962، وانتهاء عصر الظلام الإمامي وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات التي فرضها حكم الإمامة على اليمنيين.
رموز الطائفية
ينجح الحوثي في الكذب والتلون وإخفاء الحقيقة في الكثير من المواضيع والقضايا، غير أنه يفشل دائمًا في إخفاء حالة التمييز العنصري المتجذرة في أيدولوجيتها الطائفية، ولطالما كشفت خطابات ومنشورات ومقابلات لرموز الحوثي وأتباعه حجم الحقد والاستعلاء ضد اليمنيين.
في إحدى خطاباته بمناسبة ذكرى الغدير ويوم الولاية، قال زعيم المليشيا الحوثية، عبد الملك الحوثي "إن الله هو من يصطفي الملائكة والرسل والأنبياء. وكذلك في الواقع البشري، فالمسألة هي مسألة من يُوْكِل الله إليهم هذه المهمة، ومن يُحَمِّله هذه المسؤولية، ومن يختاره لهذا الدور، وبالتالي فهي ليست مسألة انتخابات".
وهو ما اعتبره محللون سياسيون محاولة لإلغاء صوت الشعب اليمني الذي ترعرع على نهج ثورة سبتمبر ومبادئها الخالدة، الديمقراطية والتعددية والانتخابات، مؤكدين بأن زعيم المليشيا، في حديثه هذا، يشير بشكل واضح إلى أن مسألة حكمه وسلالته للشعب هي اصطفاء إلهي مباشر، وبالتالي فإنه لا يحتاج إلى انتخاب الناس له.
لم تكن هذه النزعة العنصرية، في خطابات عبد الملك، توجهًا جديدًا بالنسبة لمشروع الحوثي، فقد سبقه أخوه الهالك، مؤسس الجماعة "حسين بدر الدين الحوثي" في تأصيل فكرة العنصرية، حيث قال في إحدى محاضراته: "السلطة ملك للشعب، هكذا نقول! هذه العبارة ليست سهلة، هذه العبارة خطيرة جدًا على الأمة، أن تدين بها دولة، وأن يدين بها شعب! إنها عبارة خطيرة".
ويستنكر الحوثي، في هذه المحاضرة، عبارة "السلطة ملك للشعب"، ويكرر توصيفه إياها بالعبارة الخطيرة، وهو ما اعتبره حينها ناشطون ومحللون سياسيون انقلابًا واضحًا على النظام الجمهوري وأبرز ملامح تمرد الرجل على الدولة آنذاك.
إلغاء شعب بأكمله
أما على مواقع التواصل، فتظهر النبرة العنصرية ذاتها في منشورات وتغريدات قيادات ومشرفي وأتباع مليشيا الحوثي الإرهابية، والتي تحمل في طياتها استعلاء على الشعب وسخرية من مآسيه ومعاناته.
وعلى سبيل المثل لا الحصر، قال نائب وزير الخارجية في سلطة المليشيات، القيادي حسين العزي، في تغريدة سابقة نشرها على منصة إكس، "إن الحوثي يعني العزة والكرامة ولا يمكنك أن تكون يمنيا عزيزا من دون أن تكون حوثيا، وشئتم أم أبيتم هذه هي الحقيقة بكل وضوح".
ولاقت تغريدة "العزي" غضبًا كبيرًا من قبل اليمنيين، الذين اعتبروا أن مثل هذه المنشورات الصادرة عن قيادات المليشيا الحوثية إنما هي تعبير واضح عن توجه هذه المليشيا الكهنوتية لإلغاء الآخر، ومصادرة حق شعب بأكمله في حرية اختيار من يحكمه.
وفي وقت سابق، ظهر القيادي السلالي، يوسف الفيشي، في فيديو نشره على حسابه بموقع إكس، يقول فيه "إن عبد الملك الحوثي، فوق الشعب وفوق كل الاعتبارات، وأن المعادلة في اليمن، أصبحت شعب وقائد، ومهما حدث، سواء جاءت انتخابات أو حرب أو هدنة، لدينا شيء مقدس -يقصد بذلك عبد الملك الحوثي- يحمينا من التناحر".
بهذه النبرة العنصرية المقيتة، تأتي دائمًا خطابات ومنشورات رموز وقيادات مليشيا الحوثي - الموالية لإيران- ضد اليمنيين الرافضين لمشروعها العنصري الطائفي، والذين تعتبرهم المليشيا مجرد رعايا ليس من حقهم سوى الطاعة.
أنماط الطائفية والتمييز العنصري الحوثي
انعكس هذا الخطاب السلالي الطائفي على الممارسات العملية لأتباع المشروع السلالي في الميدان، حيث تأتي جرائم وانتهاكات مليشيا الحوثي الإرهابية بحق اليمنيين في الغالب محملة بطابع عنصري بحت.
وقال الكاتب والأكاديمي محمد البكيلي "أن عنصرية رموز الحوثي، والمشروع الحوثي برمته، لا تقتصر على ميدان واحد، بل تصل تبعاتها إلى كافة جوانب ومجالات الحياة في اليمن، وتأخذ هذه العنصرية أشكالًا وصورًا مختلفة، طائفية وطبقية وسلالية وغيرها".
وأضاف في تصريح لـ"الصحوة نت"، إلى المليشيا الحوثية منذ يومها الأول تمارس العنصرية الطائفية بحق اليمنيين، من خلال تهجير وملاحقة جماعة السنة والسلفيين وغيرهم، ثم تفجير المساجد واستبدال الأئمة الخطباء، ومنع إقامة صلاة التراويح في رمضان.. إلخ.
أما العنصرية الطبقية، فلا أوضح من تلك المفاهيم التي أعادت بعثها المليشيا في المجتمع، هذا سيد وذاك تابع، وهذا قنديل وذاك زنبيل. بل أنها اختارت لنفسها لباسًا رسميًا في المناسبات مختلفًا عن بقية الشعب، وصولًا إلى أن لها مقابر مختلفة عن تلك التي يدفن فيها العامة. "بحسب البكيلي".
وعلى صعيد العنصرية السلالية، يقول البكيلي "أنا شخصيًا أعرف أكثر من أسرة هاشمية، رفضت تزويج بناتهن على اليمنيين لاعتبارات سلالية، وحتى هناك من المشرفين الحوثيين ممن رفضوا أبناء القبائل، الذين تعتبرهم المليشيا في الدرجة الثانية وفق ميزانها التفاضلي العنصري".
- تعيينات سلالية:
في أكثر من خطاب، قال زعيم المليشيا بأنه وميليشياته لا يبحثون عن سلطة، ولا يسعون إلى الحصول على مناصب في مؤسسات الدولة، وأكد مرارًا إلى أن جماعته ليست لديها أية أطماع، وهي لا تريد إلا الإصلاح، ولن تشارك في أية حكومة.
سرعان ما تلاشت هذه الكلمات وكأن زعيم المليشيا لم يتفوه بها، فمنذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء وحتى اليوم، قامت المليشيا الحوثية بتنفيذ واحدة من أكبر عمليات تسريح الموظفين في تاريخ الجمهورية، وتعيين أتباعها المنتمين إلى السلالة الكهنوتية.
ولعل أبرز ما يعبر عن عنصرية هذه التعيينات، ما ذكره القيادي الحوثي المعين من قبل المليشيا محافظا لمحافظة ريمة فارس الحباري، في تصريح مصور نشره قبل عامين، عن قيام وزير الصحة التابع للمليشيا "طه المتوكل" بإقالة مدير أكبر مستشفى في المحافظة لأسباب مذهبية.
وقال الحباري، بأنه عيَّن الدكتور محسن العزيزي مديرًا لمستشفى الثلايا في محافظة ريمة، ليقوم "طه المتوكل" بإقالته. ويضيف "الحباري" بأن قيادات حوثية أبلغته بأن ذلك بسبب أن العزيزي “يضم ما بيسربلش” (بمعنى أنه يضع يديه فوق بعضهما في الصلاة ولا يرسلهما).
نبتة العنصرية الحوثية:
يذكر مستشار مكتب رئاسة الجمهورية، الباحث ثابت الأحمدي، "أن النظرية الهادوية الرسية، التي تُسمى بالتراث الزيدي نظرية سلالية عائلية، مرتكزها الأساس عقيدة "الإمامة" أو ما يمكن تسميته "علي وبنوه".
وقال في حديثٍ مع "الصحوة نت"، "إن هذه هي الفكرة الجوهرية التي تدور حولها كل الأفكار الدينية، وإذا ما نزعنا عقيدة "الإمامة" من هذه المنظومة المهولة انتهت بالنسبة لهم، وأصبحت فاقدة القيمة".
ويضيف "من الوهلة الأولى لنشوء هذه العقيدة، أو الفكر الشيعي بشكل عام، نشأ على فكرة "الاصطفاء" التي تعني التمايز العرقي لسلالة ما على بقية السلالات، وهي فكرة وافدة من أساسها من خارج المنطقة العربية متأثرة بالتراث الهندي والفارسي".
ويشير إلى أنه ما من إمام أو فقيه من فقهاء الفكر الشيعي بشكل عام إلا ونظّر بقوة للفكرة، ودعا إليها، وجعلوها من العقائد والأصول لا من الفقهيات والفروع. ومن لم يؤمن بفكرة الاصطفاء والولاية فهو كافر حلال الدم والمال والعرض.. إلخ.
"وهذا ما تطفح به كل كتب الجماعة. ما يسمى بمجاميع آل البيت، أو فقه آل البيت المتراكم من زمن طويل هو الأساس النظري الذي شكل هذه العقيدة، إلى جانب الأساس العملي المتشكل من خلال تجربتهم السياسية الطويلة" وفق حديثه.
صراع كينونة:
يعتبر "ثابت الأحمدي" أن الصراع مع هذه السلالة هو صراع كينونة وصراع وجود، منذ وردوا إلى الساحة اليمنية نهاية القرن الثالث الهجري وحياتنا معهم حرب، وحربنا معهم حياة، ولذا لم تخلُ سنة واحدة لأي إمام من الأئمة من الصراع والحروب.
ويؤكد "الأحمدي" بأننا ندافع عن وجودنا، وعن كرامتنا ضد سلالة ترى في الآخرين عبيدا، أو على الأقل مجرد أتباع، ليس من حقهم أن يمتلكوا من أمرهم شيئا. السلالي وحده هو من يقرر للناس ما يراه هو، ومن هنا كانت المقاومة وستظل، لأنه ما من إنسان يرضى لنفسه أن يكون منتقص الكرامة والحرية.