حذر الباحث في المجال الاقتصادي، الدكتور إيهاب القرشي من استمرار تدهور الوضع الاقتصادي، لما له من تداعيات كبيرة وخطيرة وحدوث مجاعة قد تؤدي بحياة مئات الآلاف من المواطنين وخاصة الأطفال والنساء.
وقال في حوار مع "الصحوة نت"، "أن انهيار العملة أحد النواتج الطبيعية الذي أحدثه الانقلاب الحوثي على الدولة، وما لحقه من استهداف موانئ تصدير النفط والغاز ما أدى الى توقف الصادرات".
ولفت إلى أن "الحلول الرئيسة تتمثل في انهاء الحرب ولن يكون ذلك الا بإنهاء الانقلاب أو على الأقل انهاء الانقسام النقدي، وبدء تنفيذ برامج الإنعاش المبكر للاقتصاد اليمني، ووضع الحلول الاقتصادية".
وأشار القرشي إلى أن "إدارة الموارد قد يكون نصف الحل الممكن ولكن لا توجد إرادة سياسية للوقوف امام هدر الموارد من أهم هذا الهدر الذي أضر بالاقتصاد الوطني عدم توحيد قنوات ايرادات السلطات المحلية حيث أدت المفارقات السياسية والمناطقية
ودعا القرشي الحكومة والبنك المركزي، إلى إلزام الجمارك والجهات ذات العلاقة على وقف الاستيراد، الا بموجب اعتماد بنكي معزز من البنك المركزي، ما سيجبر التجار على التعامل مع البنك المركزي ما سيمهد لاستعادة دوره.
وقال "مادام والبنك المركزي خارج عن دوره الرئيس فلا فائدة من أي حلول اقتصادية"، لافتا "نفتقر في بلادنا، للأسف، الى المعلومات والبيانات الصحيحة ومن الصعب تطبيق أي إصلاحات او تنفيذ برامج دون تشخيص المشكلة بشكل أكثر تقريبا للواقع".
نص حوار
ما تداعيات استمرار انهيار سعر الصرف؟
أهم تداعيات انهيار العملة هو ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين حيث كانت سلة الانفاق في العام 2014 لا تتجاوز 65 ألف ريال، أما اليوم فقد وصلت سلة الانفاق الدنيا إلى أكثر من 380 ألف ريال، وهذا تسبب بانعدام الامن الغذائي، كما أن توقف المرتبات وانحسار فرص العمل، انعكس على الفئات الهشة خاصة المرأة والطفل.
هل سيؤدي هذا الانهيار الى حدوث مجاعة؟
في العام 2019، كان يموت طفل واحد، دون الخامسة من العمر، كل 12 دقيقة بسبب سوء التغذية، وتوفي خلال عام 233 الف شخص بسبب حاجتهم للغذاء منهم 131 الف طفل.
وفي العام 2022، ازدادت الوفيات حيث تؤكد التقارير أن طفلا واحدا دون الخامسة من العمر، يموت كل 7 دقائق، وتوفي 482 الف منهم 316 طفلا، وارتفعت نسبة الوفيات خلال العام الجاري بوفاة طفل دون الخامسة من العمر كل دقيقة، بحسب تقارير أممية التي توقعت خلال 2022 وحتى 2030 وفاة 1.8 مليون يمني بسبب الحرب وبسبب الجوع، حيث يتوقع التقرير وفاة طفل دون الخامسة من العمر كل دقيقة واحدة.
ودخلت 48 مديرية يمنية حتى العام 2019 في المستوى الخامس من تصنيف الامن الغذائي المتكامل وهو مستوى مرحلة المجاعة، تزايدت تلك المديريات الى ان وصلت 123 مديرية في جميع محافظات الجمهورية وتتركز معظمها في مناطق سيطرة الحوثيين.
هل يدرك المسؤولون هذه المخاطر وما الحلول من وجهة نظرك؟
للأسف لا يدرك المسئولون مخاطر الوضع الإنساني لا يتم اظهار الصورة الحقيقية في اليمن وهذا تقصير واضح من المسؤولين.
واما الحلول فهي بشقين حلول عاجلة، وأهمها اظهار الوضع الحقيقي في اليمن عبر عقد مؤتمرات مانحين وتمويلها والمطالبة من المجتمع الدولي دعم هذه البرامج خاصة الغذاء ومتابعة المنفذين من حيث نوعية المشاريع ووصول المساعدات الى المستفيدين، والحكومة الشرعية هي المسئولة عن حياة جميع مواطنيها.
اما الحلول الرئيسة تتمثل في انهاء الحرب ولن يكون ذلك الا بإنهاء الانقلاب أو على الأقل انهاء الانقسام النقدي، وبدء تنفيذ برامج الإنعاش المبكر للاقتصاد اليمني، ووضع الحلول الاقتصادية وإمكانية تنفيذها.
اليمن فقدت أكثر من 6 مليار ريال خلال العامين الماضيين، بحسب تصريح محافظ البنك المركزي، ما تعليقك؟
تصريح محافظ البنك المركز يأتي لوصف جزء من الواقع لا كله، فخسائر اليمن مهولة والبنك المركزي لا يرصد ذلك لأن كل العمليات المالية تتحرك خارج الإطار الرسمي. فأسواق وتجار الحروب وفشل إدارة الدولة أهدروا عشرات مليارات الدولارات إذا لم تكن مئات المليارات، والبنك الدولي يؤكد بفقدان ما يصل الى 132 مليار دولار من الناتج المحلي خلال ثمان سنوات وبشكل تراكمي.
ماهي الأثار التي لحقت بالاقتصاد الوطني نتيجة توقف صادرات النفط والغاز ومهاجمة السفن في البحر الأحمر؟
يأتي انهيار العملة كأحد النواتج الطبيعية الذي احدثه الانقلاب الحوثي وصورة مختصرة لما حدث في اليمن، وسلب المليشيات للدولة ومؤسساتها واستمرار الحرب ووقف صادرات اليمن من النفط والغاز، وتوقف الشركات النفطية في اليمن منذ العام 2014.
كل ذلك أدى الى خسائر تراكمية في الناتج المحلي يقدر بـ 66 مليار دولار خلال الفترة 2015 الى 2019، بحسب تقرير البنك الدولي لعام 2023.
وعن ربط القطاع الخاص اليمني بالعالم وبالمقارنة من المتوقع ان تكون الخسارة التراكمية في الناتج المحلي ما يقارب 181 مليار دولار حتى 2024، ومن المتوقع أيضا أن تكون الخسارة 657 مليار دولار في العام 2030، بحسب أبحاث وتقارير أممية، وهذا مؤشر مخيف.
كيف يمكن تفعيل دور القطاع المصرفي في ضبط أسعار العملة؟
البنك المركزي هو بنك البنوك ومادام هو خارج عن دوره الرئيس فلا فائدة من أي حلول اقتصادية، ومن المفترض على البنك المركزي والحكومة الزام المؤسسات الأخرى وأهمها الجمارك في وقف الاستيراد الا بموجب اعتماد بنكي معزز من البنك المركزي وبهذا الشكل سيتم الحد من تجريف العملة الصعبة الى الخارج.
كما ان هذا الاجراء سيدفع التجار للتعامل مع البنوك التجارية ومنها الى البنك المركزي والذي سيعود تماما الى الدور الأول والاستراتيجي في تحجيم تهريب العملة الصعبة وقد يصل إلى إجراءات إلغاء الانقسام النقدي وتوحيد قنوات الإيرادات للبنك المركزي خاصة بعد ان يكون البنك بدأ بالتعافي والتأثير.
هل نحن أمام فشل في سياسية الإدارة النقدية؟
السياسة النقدية هي نتاج طبيعي في اقتصاديات الحرب والتي يفرضها واقع صعب في التحكم بواردات وصادرات البلد وان الكتلة النقدية من العملة الصعبة لم تعد موجودة ومملوكة لليمنيين لأنها جُرفت للخارج، ولا يوجد أي مصدر تعويضي خاصة النفط والغاز المتوقف عن التصدير، مما جعل الكتلة النقدية للريال اليمني دون مقابل حقيقي لها وهذا ما يسمى بالتضخم.
ما اسباب الاختلالات الحاصلة في هذا القطاع؟
توقف الصادرات سبب رئيس في انعدام توافر العملة الصعبة، وإن وجدت سواء من حوالات المغتربين أو من تمويل المنظمات، ومساهمات القطاع الخاص، كل تلك الأموال خلال العشر السنين الماضية، لم تمر في البنك المركزي مما جعل الامر يزداد صعوبة في نشاط البنك المركزي وقدرته على اتخاذ القرارات التصحيحية والتهيئة للحلول الاقتصادية.
كيف تقيّم وضع المستثمر المحلي في ظل الوضع الحالي، وهل من حلول للحد من هجرة رؤوس الأموال إلى خارج البلاد؟
ابتزاز مليشيا الحوثي، وعدم الاستقرار الأمني في مناطق الشرعية، وزيادة الرسوم الجمركية، تعرفة الدولار الجمركي، زيادة رسوم السلطات المحلية بشكل كبير جدا، وارتفاع تكاليف النقل البحري بسبب هجمات مليشيا الحوثي في البحر الأحمر، بالإضافة إلى التنقل بين المحافظات، والاتاوات التي اثقلت كاهل التاجر كل تلك الأسباب جعلت من فكرة هجرة رأس المال منطلقا للتفكير والتنفيذ.
حاليا البيئة اليمنية طاردة للاستثمار حيث توقفت الكثير من الأنشطة والصناعات وتقلصت الايدي العاملة في عدد كبير من الأنشطة التجارية والصناعية وهي أساس دراسة بيئة الاستثمار، كما أدى انفتاح الدول المجاورة على الاستثمار الى تقليص الناتج المحلي.
ما هو دور القطاع الخاص وماذا قدم؟
أدى القطاع الخاص دوراً إنسانياً وتمويلياً كبيراً خلال العشر السنوات الماضية والذي يقدر ب 27 مليار دولار خارج المنظمات والاطر الرسمية كما حافظ على العاملين فيه بنسبة كبيرة ولم يتخل عن الكادر البشري بشكل كبير جدا ويحسب له هذا الموقف.
لكن زيادة الأعباء على القطاع الخاص، خاصة من قبل جماعة الحوثي واحلال شركات غسيل الأموال والاثراء الناتج عن الفساد بأصحاب التاريخ الصناعي والتجاري جعلت من عملية المنافسة امرا صعبا فظهرت شركات كبيرة وكثيرة في الخمس السنوات الأخيرة هي من تتحكم بأهم القطاعات مثل المشتقات النفطية والغذاء والسيارات وأهمها مادة القمح والأرز والسكر والزيت وشركات النقل الداخلي.
ولذلك أصبح القطاع الخاص شكل من اشكال العجز الاقتصادي رغم وجود اكثر من 300 الف عائلة في اليمن يساعدها القطاع الخاص على الصمود في كل المحافظات.
كيف تنظر إلى دور المنظمات الدولية الانسانية في اليمن؟
المنظمات مكون رئيس في حياة المجتمعات خاصة التي تشهد النزاعات والحروب والكوارث وحتى البلدان المتقدمة والتي لا تعاني من ذلك لا تستغني عن دور المنظمات، وتعتبر المنظمات أحد أضلاع الحكم الرشيد الذي يتكون من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
ما هي أهم المعوقات التي تقف أمامها في القيام بدورها؟
الوضع غير الاعتيادي وغير المنطقي جعل من تلك المكونات ليست في وضعها الطبيعي والصحيح ومنها المنظمات التي ابتعدت كثيرا عن واقعية الوضع في اليمن عن طريق بعض البرامج غير الملائمة وانتشار الفساد بين أوساط المنظمات والمليشيات الحوثية التي أدى الى تقليص الثقة بها وبرامج تمويل خططها.
هذا التراجع وصل الى 40% من احتياجات اليمن في اطار خطط الاستجابة الإنسانية التي بلغت 33،1 مليار دولار خلال العشر السنوات لم تغط الا بـ 20 مليار دولار الأمر الذي عكس نفسه الى تقليص الأثر المنشود من دور المنظمات كقطاع ثالث مجتمعي وتنموي.
لكن بقية الدول الشقيقة مثل السعودية والامارات والكويت تؤدي دورها بشكل جيد عن طريق مؤسساتها الإنسانية. حيث قدمت السعودية ما يزيد عن 13 مليار دولار خارج خطط الاستجابة، وقدمت الامارات منذ عام 2019 ما يزيد عن 6 مليار دولار، أما الكويت التي ساهمت بما لا يزيد عن 250 مليون دولار في خطط الاستجابة، فقد قدمت مليارات الدولارات خارج الخطة، ويعرف اليمنيون جميعا مشاريع الكويت وأثرها المستدام والفعال منذ 60 عام.
كيف تنظر إلى طريقة إدارة الموارد وأثرها في تدهور العملة؟
إدارة الموارد قد يكون نصف الحل الممكن ولكن لا توجد إرادة سياسية للوقوف امام هدر الموارد من أهم هذا الهدر الذي أضر بالاقتصاد الوطني عدم توحيد قنوات ايرادات السلطات المحلية حيث أدت المفارقات السياسية والمناطقية ووجود برامج او مشاريع ضيقة جعلت من هذا الامر عائقا امام توحيد تلك القنوات ومرورها بالبنك المركزي.
كما ان وجود الفوضى المالية وتحريك الأموال خارج الأطر القانونية جعلت حتى المساعدات الإنسانية التي بلغت أكثر من 20 مليار لا تمر بالقنوات الرسمية -البنك المركزي- أكان في صنعاء أو عدن هذا الأمر مؤشر كبير وواضح عن فوضى وتأثير الاقتصاد الموازي أو اقتصاد الحرب الذي يعد عائقا رئيسا أمام أي إصلاحات اقتصادية، كما أثر ذلك في كل الموارد الأخرى مثل القطاعات الحيوية الزراعة والاسماك، وعلى رأسها النفط والغاز، الذي ظلت إيراداته خارج الأطر القانونية، حتى توقفت جراء الضربات الإرهابية من قبل الحوثيين.
ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الجهات الرقابية في تعافي الوضع الاقتصادي؟
نفتقر في بلادنا، للأسف، الى المعلومات والبيانات الصحيحة ومن الصعب تطبيق أي إصلاحات او تنفيذ برامج دون تشخيص المشكلة بشكل اكثر تقريبا للواقع ومن هنا يأتي دور الجهات الرقابية في المجتمع المدني والقطاع الخاص.
اما الدور الرقابي في كلا من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وإدارات الرقابة في الوزارات الحيوية مثل الصناعة والتجارة والبنك المركزي أصبحت بسبب الأوضاع السياسية والعسكرية قليلة الحلية، بشكل ذاتي او مفروض عليها الانحصار، ولكن يأتي دور مكاتب الاستشارات والدراسات والمنظمات المتخصصة والنقابات والجمعيات والمراكز العلمية، في تتبع وتشخيص الظواهر والتي تمكننا من تشكيل رؤية واضحة واقتراح الحلول والمطالبة بها.
نحن اليوم حقيقة نعتمد على البيانات من مصادر متعددة منها مراكز دولية وأممية ولكن من المفترض ان يكون هذا الدور وطنياً والا يأتي البعض بجزئيات رقمية لا تشكل الواقع الكلي فالاجتزاء خطير جدا ولكن هناك بعض الذي يجتهد وتكون جهوده مؤشرات نستطيع البناء عليها.
كما يأتي دور المجتمع صاحب المصلحة بأن يراقب الظواهر ويرفض الفساد ولا يشارك فيه فحصوله على سلة غذائية مثلا إضافية تحرم أسرة أخرى، ويأتي الوازع الديني والوطني والإنساني في مقدمة محرك الأداء الرقابي لدى المجتمع.