بعد أكثر من ستة عقود من ثورة 26 سبتمبر التي أطاحت بحكم الإمامة الكهنوتي، تحاول ميلشيات الحوثي استهداف الهوية اليمنية والثقافية الجمهورية، في تفكير ثأري طائفي تجاه اليمنيين تسعى الجماعة لتغيير المناهج التعليمية في المدارس الابتدائية.
ومنذ اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء وانقلابهم على السلطة الشرعية في 21سبتمبر/ أيلول 2014م، عمد الكهنوت الحوثي على استهداف ثورة 26سبتمبر في كافة مؤسسات الدولة، من خلال شن حملات ممنهجة للنيل من رمزية الثورة ورموزها ومكتسباتها، بصور مختلفة وأساليب متعددة.
ويعد استهداف المناهج التعليمة واحدة من أكبر عمليات التجريف الحوثية لثورة السادس والعشرين من سبتمبر داخل المنظومة التعليمية في البلاد، وذلك من خلال تحريف وتغيير المناهج والمقررات الدراسية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الكهنوت.
استهداف الثورة في المناهج
منذ أواخر العام 2017م، بدأت ميليشيا الحوثي -وعبر وزارة التربية والتعليم الخاضعة لها - في استهدافها للجمهورية وثورة السادس والعشرين من سبتمبر عن طريق عبثها بالمناهج التعليمية في مختلف المراحل الدراسية، ولا سيما المواضيع ذات الصلة بثورة سبتمبر.
ففي كتاب التربية الوطنية للصف الخامس من المرحلة الأساسية، قامت المليشيا الحوثية بحذف عبارة (إزالة الامتيازات والفوارق بين الطبقات) من الأهداف الستة لثورة 26سبتمبر، في محاولة واضحة لتثبيت مفهوم الطبقية والامتيازات في الوسط الشعبي كما كان عليه الوضع أيام الحكم الأمامي الكهنوتي.
وفي الكتاب نفسه، حذفت المليشيات عبارة "مخلفات الاستبداد" المذكورة في الهدف الأول لثورة سبتمبر، لأن العبارة تشير بشكل واضح وصريح إلى سلوك الإمامة الذي تتبناه مليشيات الحوثي، باعتبار هذه الجماعة ومشروعها حاليًا من مخلفات الاستبداد الإمامي.
وجاء في الهدف الرابع لثورة 26سبتمبر "إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني"، لتقوم المليشيا بحذف كلمة "تعاوني" واستبدالها بكلمة "عادل"، في إشارة لتفردها بالقرار والسلطة، كما وأن العدالة بنظر الكهنوت هي أن يكون سيدًا على الآخرين.
وحسب رصد لمؤسسة القلم للفكر والثقافة، فقد حذفت المليشيا الحوثية "فقرة الأوضاع الاجتماعية" من درس "الثورات اليمنية"، وهي فقرة كانت تتحدث عن وضع اليمن قبل ثورة 26سبتمبر في كتاب التربية الوطنية للصف الخامس، وتصوِّر الوضع البائس الذي كانت تعيشه البلاد في عهد الأئمة.
وفي محاولة للدفاع عن حكم الإمامة الكهنوتي، فإن كتاب "التربية الوطنية" التي قامت المليشيا الحوثية بتحريفه وإعادة طبعه، يتحدث عن الثورات باعتبارها كانت على محتلين أجانب، قام بها الأئمة ضد وجود المحتل الأجنبي، حسب وصفهم، متجاهلًا الثورات اليمنية وخصوصًا ثورة 26سبتمبر ضد الحكم الإمامي.
إلى ذلك، كان كتاب التربية الوطنية يتضمن درسًا عن موضوع ثورة 26سبتمبر في سبع صفحات، قبل أن تقوم مليشيا في طبعتها الجديدة المحرفة باختصار الدرس إلى صفحتين فقط، بالإضافة إلى حذف فقرة منجزات ثورة 26سبتمبر.
وتتحدث الطبعة المحرفة من الكتاب نفسه عن الإمام يحيى حميد الدين باعتباره أحد الثوار على المحتلين، في محاولة لتزييف الحقائق والتاريخ، وفي سبيل تثبيت هذه الفكرة، قامت المليشيات بحذف كل ما يتعلق بالثورة الدستورية 1948م التي قُتِل فيها الإمام يحيى، والذي تصوره المليشيات في المنهج بالثائر.
وفي الوحدة الرابعة من كتاب التربية الوطنية المحرف، وهي وحدة بعنوان شخصيات يمنية خالدة، عمدت المليشيا على حذف دروس (الإمام الشوكاني، الشهيد محمد محمود الزبيري، الشهيد علي عبد المغني)، باعتبار الأول من أعلام السُنَّة، والآخرَين من أبرز رموز ثورة 26سبتمبر.
ولفت حقوقيون وناشطون يمنيون - في حملة على مواقع التواصل الاجتماعي- إلى أن هذه الممارسات الكهنوتية في استهداف ثورة سبتمبر وأهدافها ورموزها من خلال العبث بالمناهج الدراسية هي بمثابة مرآة تكشف مدى الغل الكبير المتجذر في نفسية هذا الكهنوت، وتكشف حقيقته الإمامية المظلمة مهما حاول التستر بالرداء الجمهوري.
تفخيخ العقل الناشئ
يقول الصحفي جمال علي "إن الكهنوت الحوثي يريد طمس الثورة تماماً من أذهان اليمنيين الخاضعين تحت سيطرته، ويستخدم شتى الطرق والأساليب لتحقيق هذا الهدف ومن ضمنها التلاعب بالتعليم وحذف كل ما يخص ثورة 26 سبتمبر منها|؟
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "بأن الحوثيين يستهدفون المراحل التعليمية الأساسية، لأنه يدرك تمامًا بأن هذه المرحلة هي بمثابة محطة لتشكيل وعي الفرد وبنائه وتوجيهه، وبالتالي فإن كل ما يتعلمه الفرد في هذه المرحلة سيكون له تأثير على كل مراحل حياته".
من جهته، يرى الناشط الحقوقي "مروان نور الدين" أن استهداف الكهنوت لثورة 26سبتمبر من خلال المناهج الدراسية هو محاولة لزعزعة إيمان وانتماء الجيل الجديد بالثورة ومبادئها وبالتالي تسهيل عملية زرع الأفكار الطائفية والسلالية في عقولهم.
ويشير "نور الدين" في تصريح لـ"الصحوة نت" إلى أن هذه الخطوة الحوثية في العبث بالمناهج التعليمية جاءت بعد أن فشل الكهنوت تماما في إلغاء انتماء الشعب لثورة سبتمبر، ولا سيما جيل الشباب وكبار السن الذين ولدوا وعاشوا في كنف نظام الجمهورية.
رفض شعبي
رغم قوة الحملة الكهنوتية ضد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، في كافة ميادين وبأشكال وصور مختلفة، وبتسخير كامل لموارد ومؤسسات الدولة تحت قبضتها، إلا أن الكهنوت اصطدم برفض شعبي كبير لمحاولاته، وكذلك اصطفاف شعبي وسياسي منقطع النظير للدفاع عن ثوة سبتمبر.
في هذا السياق، يقول "مروان نور الدين" إن هذا الالتفاف الجماهيري الواسع حول ثورة 26سبتمبر، يقلِّص من فرص الكهنوت الحوثي الإمامي في إمكانية القضاء على ثورة سبتمبر في الذهنية اليمنية، دولة وشعبًا.
ويعتبر "نور الدين" أنه من الضروري في هذه المرحلة، وفي ظل هذه الهجمة الكهنوتية الشرسة على ثورة سبتمبر، أن يركز أولياء أمور الطلاب في المدارس الواقعة تحت سيطرة الكهنوت، أن يركزوا جهودهم في تنشئة أبنائهم على الوعي السبتمبري الخالص، وأن يقفوا حصنًا أمام محاولات الكهنوت غزو عقول أبنائهم في المدارس.
من جانبه، أشاد "جمال علي" بموقف الجمهور اليمني في الدفاع عن ثورة سبتمبر أمام مساعي المليشيات إلى طمسها، وقال إن الشعب الذي خرج محتفلًا بذكرى سبتمبر رغمًا عن التشديدات الأمنية الحوثية، سيقف بالتأكيد صمام أمانٍ لعقول الجيل الناشئ من هذا العبث الكهنوتي بالمناهج الدراسية، بل والمؤسسة التعليمية بأكملها.