نكبة 21 سبتمبر.. اجتثاث للأحزاب واغتيال للعملية السياسية

نكبة 21 سبتمبر.. اجتثاث للأحزاب واغتيال للعملية السياسية

جاء انقلاب المليشيا الحوثية على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014م بمثابة طعنة غادرة في خصر العملية السياسية، وبالتزامن مع فترة انتقالية كانت البلاد قد بدأت فيها بالانفتاح بشكل كبير على النشاط السياسي لكافة القوى والأحزاب والمكونات.

ومنذ لحظاته الأولى لاجتياح العاصمة صنعاء، عمد الكهنوت الحوثي إلى تجريف واسع للعملية السياسية، باعتبارها إحدى إفرازات النظام الجمهوري الذي تسعى المليشيات اليوم لوأده، في محاولة منها لفرض سلطة تمجد فكرة الولاية وحكم السيد، وإعادة اليمن لنظام الحكم الإمامي المستبد.

اتجهت المليشيات لاقتحام ونهب مؤسسات الدولة ومقار الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام، وشنت حملات واسعة لملاحقة السياسيين والناشطين واختطفت المئات منهم وعلى رأسهم السياسي البارز في حزب الإصلاح الاستاذ محمد قحطان، والذي لا تزال المليشيا ترفض حتى الإفصاح عنه.

ميلاد السياسة

نجحت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة عام 1963م، والتي تفصلنا عن الاحتفال بذكراها السنوية أياما معدودة، في كسر صنمية الحكم الإمامي المستبد وفكرة اللون والصوت الواحد للسياسة في البلاد، بعد قرون طويلة من استفراده بالحكم واستبداده الشعب.

 إبان ثورة سبتمبر وقيام النظام الجمهوري، أمضت البلاد ثلاثة عقود زمنية وهي تدافع عن فكرة الجمهورية الوليدة وتعمل على تثبيت مبادئها، كالديمقراطية والحرية والتعددية السياسية وصناديق الاقتراع وغيرها، في أروقة ومؤسسات الدولة ووجدان الشعب.

في العاشر من شهر يناير العام 1990م، تم إقرار مبدأ التعددية السياسية، وحق القوى الوطنية والشخصيات الاجتماعية الوطنية في ممارسة نشاطها السياسي وفقا للحق الذي كفله دستور الوحدة في ظل اليمن الواحد.

بعد إعلان الوحدة اليمنية، شهدت الحياة السياسية في البلاد حالة من الاستقرار والنمو. ورغم العوائق والمحطات الحرجة من تاريخ الدولة بعد الوحدة، إلا أن الأحزاب السياسية ظلت تمارس نشاطها السياسي تحت مظلة الدستور لعقدين ونصف من الزمن، حتى جاء الانقلاب الحوثي معلنًا بدء مرحلة انتكاسة سياسية جديدة.

اغتيال العملية السياسية

مثَّل انقلاب المليشيا الحوثية على السلطة، اغتيالًا للعملية السياسية برمتها في البلاد، حيث عمد الكهنوت - بقوة السلاح المنهوب من الدولة- إلى استهداف كل مظاهر العمل السياسي في الدولة.

يقول الاستاذ "صالح الفقيه، وكيل وازرة الشباب والرياضة، إنه "منذ انقلابها على الشرعية واحتلال العاصمة صنعاء، عمدت مليشيا الحوثي الإرهابية إلى تبني منهجية واضحة وبقوة السلاح المنهوب من الدولة لتدمير النظام الجمهوري والعملية الديمقراطية وإنهاء التعددية السياسية التي كانت ثمرة من ثمار الوحدة اليمنية المباركة.

ويضيف الفقيه، في تصريح لـ"الصحوة نت" إن المليشيا ذهبت إلى محاولة اجتثاث الأحزاب السياسية والتنكيل بمعارضيها في المناطق الخاضعة لسيطرتها خاصة التي رفعت صوتها مبكرًا برفض إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وعودة الحكم الإمامي البائد الذي قضت عليه ثورة 26 سبتمبر 1962 المباركة.

مشيرًا إلى أن المليشيات حينها ابتدأت بفرض رقابة صارمة على تلك الأحزاب وكذا فرض قيود على أنشطتها السياسية واشتراط الحصول على إذن مسبق منها لأي فعالية ستنظم حتى وإن كانت داخلية وفي مقرات تلك الأحزاب، لتنتهي العملية بإنهاء وجود تلك الأحزاب مع الإبقاء على مسمياتها "صوريا" بعد فرض قيادات تواليها وتتوافق مع توجهها الساعي لإعادة الحكم الإمامي الكهنوتي من نافذة "الحق الإلهي" المزعوم وعبر استنساخ تجربة الحكم الإيرانية. "وفق حديثه".

 

 المليشيات وفكرة العمل السياسي:

منذ ما قبل اندلاع حرب صعدة بفتراتها الست، فشلت محاولات ودعوات الدولة وكذلك المكونات والأحزاب السياسية في إقناع مليشيا الحوثي في العدول عن السعي وراء تنفيذ مشروعها السلالي، ودعوتها إلى أن تصير حزبًا سياسيًا تحت غطاء الدولة وبما يكفله الدستور والقانون.

وفي هذا السياق، يقول "صالح الفقيه" إن ميليشيا الحوثي الإرهابية تدرك أن الأحزاب السياسية، وخاصة تلك الرافضة وبشكل مطلق لعودة الحكم الإمامي، ستكون بمثابة حجر عثرة أمام تمرير أجنداتها السياسية ذات "اللون الواحد" واحتكار سلالتهم للمناصب والحياة السياسية.

ويلفت إلى أن الميليشيا تخشى ان تكُشف "سوءتها" في حال سمحت بالنشاط السياسي في مناطق سيطرتها، حيث سيتضح حجمها الحقيقي مقارنة بالأحزاب العريقة الممتدة لعقود من الزمن والتي راكمت خبراتها في العمل السياسي المدني بعيدًا عن الاستقواء بالسلاح وفرض الأفكار بالقوة والترهيب والقتل والسجن وتفجير ونهب المنازل.

مؤكدًا بأن ميليشيا الحوثي لا تؤمن بالعمل السياسي ولا تدرك أبجدياته، لأن "السلاح والإرهاب" هي اللغة الوحيدة التي تفهمها، ويشير ذلك إلى أنها لا تملك قاعدة جماهيرية عريضة تستطيع الركون إليها في حال تم التوصل إلى "حل مستدام" يكون فيه صندوق الاقتراع هو "الفيصل" بين كل القوى السياسية المتنافسة.

من جانبه يقول الناشط الإعلامي "عبدالعزيز البُتيك"، في حديث مع "الصحوة نت" إن مليشيات الكهنوت الحوثي تؤمن بمبدأ الولاية والبطنين، وتراه أساسا ومعيارا لحكمها البلاد، وهو ما يتناقض تمامًا مع فكرة العمل السياسي والتعددية الحزبية التي جاءت بها جمهورية سبتمبر.

ويشير البُتيك إلى أن المليشيا لا تستطيع أن تضمن بقاءها في السلطة ولو للحظة واحدة في حال أن هنالك مكون أو حزب آخر إلى جوارها، لأنها تعلم يقينًا حجم الرفض الشعبي الكبير لمشروعها السلالي الذي جاءت به من كهوف الإمامة والرجعية.

مضيفًا أنه ومن هذا المنطلق اتجهت المليشيات أولا، عند اجتياحها العاصمة صنعاء في يوم الانقلاب المشؤوم على البلاد وأحلام الشعب، إلى وأد الحياة السياسية في البلاد من خلال استهداف الأحزاب، ولا سيما الأحزاب المعارضة لها منذ وهلة خروجها الأولى من كهوف مران، مثل حزب الإصلاح، واقتحام مكاتبه ومقاره، وملاحقة واختطاف قياداته وأعضائه، وأبرزهم الأستاذ الحر قحطان.

تجاوز الماضي

وحول إمكانية وكيفية مواجهة الأحزاب السياسية اليوم لهذا الواقع، يقول "البُتيك" إننا نعيش اليوم في مرحلة حرجة من عمر الجمهورية، مرحلة يريد فيها الكهنوت أن يلغي وجود الجميع، في سبيل بقائه وحيدا في السلطة ومستفردًا بحكم البلاد، وهي محاولة أيضا لإعادة بعث مشروع إمامي سلالي كان قد نبذه أجدانا الأحرار في سبتمبر 1962.

لافتًا إلى أن كافة المكونات والأحزاب السياسية في البلاد، وفي هذه المرحلة الحرجة ينبغي أن تكون قد فهمت الدرس جيدًا، وأدركت أنها جميعها مستهدفة من قبل هذه المليشيات، وبالتالي فإنه لا خلاص إلا بالتقاء الجميع وتوحدهم تحت هدف مواجهة هذا الكهنوت الإمامي.

ودعا "البُتيك" الأحزاب السياسية إلى تجاوز خلافات الماضي، وتجتمع تحت راية الجمهورية للدفاع عن مكتسبات الثورة وأولها حرية العمل السياسي والتعددية الحزبية.

تحالف وطني لمواجهة الكهنوت

ويرى الاستاذ "صالح الفقيه" أنه ليس من الممكن الخلاص من الوضع الحالي إلا بتشكيل "تحالف وطني عريض" يجمع كل الفرقاء والقوى والمكونات السياسية والفئات الاجتماعية الفاعلة على امتداد اليمن الكبير، وطي صفحة الخلافات السابقة خاصة من قبل الأحزاب والقوى التي تؤمن بالجمهورية والديمقراطية والمواطنة المتساوية.

 

ويشدد الفقيه، خلال حديثه مع "الصحوة نت"، على أهمية أن يتم صياغة "مشروع وطني" جامع تكون فيه أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر الخالدتين موجهات رئيسية، ويكون النظام الجمهوري والتعددية السياسية وصندوق الاقتراع مبادئ مقدسة غير قابلة للتفريط.

مشيرًا إلى أن تفرق القوى الوطنية الجمهورية وعدم تقاربها يطيل أمد انقلاب ميليشيا الحوثي، التي تستمد منه الحياة وتواصل امتصاص دماء اليمنيين وزيادة معاناتهم وتدمير تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى