يحتاج اليمن، في اللحظة التاريخية الفارقة التي يمر بها والمخاطر التي تحاط به، الى قيادات سياسية ذات وعي واخلاص وطني كبير، وايمان لا يتزعزع بعدالة القضية الوطنية، واستعداد كبير للتضحية والبسالة في خوض معركة الكرامة الوطنية بأبعادها ومستوياتها المختلفة، وأن تكون ذات مستوى رفيع في الفهم للتاريخ الوطني، وأدوات ومحددات الصراع التاريخية، وإدراك للواقع المعاش بكل تعقيداته وتشعباته وزوايا النظر المتعددة، وان تملك قدرات عالية وخيالا سياسيا ناقدا، وأفقا وطنيا، واسعا ومنهجية تحليلية واقعية.
في ذكرى تأسيس التجمع اليمني للإصلاح، تناول الكثيرون دوره وانجازاته، والتحديات والاخفاقات التي صاحبت مسيرته خلال أكثر من ثلاثة عقود بعمر دولة الوحدة المباركة التي اقترن أنشاؤها بالمسار الديمقراطي التعددي. وتم تناول ذلك من زوايا نظر مختلفة واراء متعددة. أشاد الكثير بالمناسبة بمحبة صادقة، والقليل برؤية غير منصفة وبعيدة عن الحقيقة.
من أكثر تلك الرؤى المنهجية والواعية، المدركة لطبيعة المرحلة، والحريصة على وحدة الصف الجمهوري، والمحددة للبوصلة الوطنية بشكل دقيق، واتجاه مباشر نحو المعركة الوطنية ضد الإمامة، وضرورة استعادة الدولة؛ هي التي جسدها الصحفي والكاتب السياسي والقائد الحزبي الأستاذ علي الجرادي- رئيس دائرة الاعلام والثقافة بالتجمع اليمني للإصلاح.
وبقراءة تحليلية وعرض منهجي يمكننا استنباط وعرض رؤى وتوجهات وسياسات الإصلاح، من خلال هذا اللقاء الاستثنائي، وفقا للمحاور الآتية:
المحور الاول:
الثوابت الوطنية (النظام الجمهوري، والثورة السبتمبرية)
تفرد الجرادي في كل مقابلاته بالبدء في تناول الجذر الجامع، والأصل الأصيل الذي يتشبث به كل اليمنين، والخالد في وجدان الأرض والإنسان اليمني، متمثلا بـ: النظام الجمهوري، وثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة..
وقد ربط تأسيس الاصلاح بالجمهورية، وجودا وعدما، زمانا ومكانا، واعتباره أداة من أدوات الجمهورية والوحدة والدولة، قائلا: "إن شهر سبتمبر، شهر ميلاد الثورة اليمنية، وقيام الجمهورية، وميلاد التجمع اليمني للإصلاح"، معتبرا إن هذا "الاقتران المبارك، يجسده اليوم الإصلاح، كونه حزب الجمهورية والوحدة الوطنية بامتياز، وحاجز صد في وجه الإمامة والكهنوت والعنصرية بنسختها الجديدة الأسوأ، التي يراد لها أن تُفرض على اليمنيين..".. "ويقف الإصلاح في مقدمة الصفوف مع كل شركائه اليمنين لاستعادة الجمهورية بإذن الله سبحانه وتعالى".
المحور الثاني:
المعركة الوطنية واستعادة الدولة
1- مركزية استعادة الدولة والنظام الاتحادي
قضايا الوطن في النظرية السياسية للإصلاح، مُقدَمة على مصالحه الحزبية وحاجته التنظيمية، لأنها أساس تكوينه وجوهر نظامه الأساسي وبرنامجه السياسي، في طليعة القوى الوطنية التي تناضل لاستعادة الدولة..
وضمن الأهداف الاستراتيجية للإصلاح في المرحلة الراهنة، هي مركزية استعادة الدولة، وبناء اليمن الاتحادي التعددي، وفقا لما تراضى عليه اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل. وهي استراتيجية واضحة ومحددة المعالم، وقضية نضالية قدّم من أجلها الإصلاح تضحيات جسام.
وهو ما طرحه الجرادي بأسلوب سياسي راقي، وبلغة سلسلة واضحة المعاني والدلالات. حيث أكد على أن: "المستقبل ملك لأبناء الشعب اليمني، وأنه رغم حالة الضعف والتغول الخارجي، سيتعافى اليمن ويخرج من محنته إلى بر الأمان، ويقود أبناؤه سفينتهم بقرارهم الوطني المستقل، وفق كرامتهم الوطنية ومصلحتهم الوطنية، مهما حاولت إيران أن تجعل من اليمن منصة إطلاق لتنفيذ أهدافها وإقلاق المنطقة، ومحاولة أن يكون اليمن فوهة بندقية."
ودعا رئيس إعلامية الإصلاح الشعب اليمني إلى الاستمرار في العمل وعدم اليأس، والعمل على تجاوز مرحلة الإعاقة والضعف بمزيد من الأمل والعمل، وحتى الرقابة والمحاسبة دون التوقف أبداً عن العمل من أجل الهدف الذي يسعى إليه الجميع وتم قطع شوط كبير فيه. وأكد على أن: "القضايا العادلة لا يتجاوزها الزمن، وأن مطلب اسقاط المليشيات، ومطلب مركزية الدولة القانونية، والشرعية اليمنية ومؤسساتها، ومطلب القاء السلاح؛ مطالب ثابته"
2- خطورة المليشيات الحوثية على اليمن
عندما خاض الاصلاح بكل قوته المعركة ضد الكهنوت، تحول الى مشروع وطني مقاوم، وكتلة شعبية فادية بهوية يمنية خالصة، معتزة بذاتها وكرامتها الوطنية، شكلت أهم روافع المشروع الوطني الجامع ضمن مسيرته السياسية، وفي كل أدبياته وبرامجه؛ حدد الإصلاح، بوضوح ودون أي مواربة، وجوب مواجهة اخطار عودة الإمامة ومخلفاتها، ووقف ضد كل دعوات الاستعلاء والخروج على ثوابت وقيم ودستور الجمهورية، وأهمها: المساواة في الحقوق، والحريات، والواجبات لكل ابناء الشعب.
وعن طبيعة العدو وأهدافه التدميرية وارتهانه للقوى الخارجية، يصف الجرادي الحوثي بأنه "بندق بيد إيران"، مستعرضا ما قامت به المليشيات من جرائم بحق الشعب، ومشيدا بصمود وتضحيات الشعب اليمني وما حققه من انتصارات في معركته الوطنية مع المليشيات الطائفية.. وحيث اشاد الجرادي "بصمود الشعب اليمني طيلة هذه السنوات العشر من الانقلاب والحرب الحوثية"، نوه ضمن حديثه إلى أن "الشعب، في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، يطالب بتحريره"، وأوضح أن المليشيا الحوثية "تنظر إلى المجتمع اليمني على أنه مجتمع مغاير، لا ترى فيه صورتها. لذلك تعمل على سحقه وتغييره".
استعرض الجرادي ما يعانيه اليمنيون في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية الإرهابية التي تذيق اليمنيين العذاب والقهر والاستبداد، وتنظر إليهم كرعايا، مضيفاً أن أكثر من 80% من الأرض اليمنية تحت سيطرة الشرعية اليمنية، وأن الجميع، بما في ذلك المجلس الانتقالي، متفقون على أن الحوثي خطر وجودي في هذه اللحظة.
وعن العملية السياسية ومفاوضات السلام المتعثرة، استبعد الجرادي إمكانية الوصول إلى سلام مع تلك المليشيا، مؤكداً أن الحوثي لن يرضى بالسلام ما لم يتم كسره عسكرياً حتى يخضع للسلام، وحتى لا تبقى مليشيا الحوثي تهديدا، ليس لليمن فقط، ولكن للجيران أيضاً. وأكد على أن الحوثي "يرى في السلام تكتيكا حربيا، وبابا من أبواب تحصيل الأموال، ومحاولة لتحييد التحالف العربي، لأنه يتوهم أنه من الممكن أن يستفرد ببقية القوى والجغرافيا اليمنية، وهو وهم، وقد جربه خلال السنوات الماضية".
وعن ادعاءات مليشيا الحوثي نصرة القضية الفلسطينية وغزة، قال رئيس إعلامية الإصلاح، إن "المليشيا تستخدم فلسطين وغزة كممسحة تمسح بها دماء اليمنيين الذين قتلتهم". ولفت إلى أن عمليات المليشيا في البحر الأحمر وخليج عدن، وتهديدها للملاحة الدولية بحجة محاربة المصالح الإسرائيلية، قد أضرت باقتصاد اليمن وأثرت على معيشة اليمنيين وأقواتهم.
المحور الثالث:
دور ومكانة الإصلاح ومواقفه الوطنية
قدم الجرادي رؤية فلسفية ونضالية لدور ومكانة الإصلاح، مشيدا بتضحيات الحزب في المعركة الوطنية. حيث قال: "إن الإصلاح يمثل العقلية الوطنية التي تنفع للسلام والاستقرار والبناء وللعمل الوطني". وأكد على أن "العقليات المأزومة، سواء كانت جغرافية، أم سلالية، أم عرقية؛ لا تنفع أن تبني الأوطان"
واعتبر أن "الاصلاح حزب الجمهورية، وحزب الوحدة الوطنية بامتياز. إذ يتواجد هذا الحزب من المهرة الى صعدة، ومن الشرق الى الغرب، وبين كل فئات المجتمع اليمني، بما يجسده من حالة موضوعية، كوحدة موضوعية على كامل التراب الوطني، وتجاوز كافة الدعوات العنصرية والسلالية والمذهبية، ودعوات التفتيت، ويعتبر بحق بحجم هذا البلد. من هذا المنظور يعتبر من أهم الأحزاب والروافع الوطنية والسياسية في هذه اللحظة، محتفظا بتماسكه كحزب واحد وموحد رغم الاستهداف الذي طاله.. والاصلاح لا يزال، وسيظل بإذن الله سبحانه وتعالى، هو الرقم الأهم والفاعل في الساحة اليمنية. ونحن نحتفل بالحزب باعتباره اداة من ادوات الجمهورية والوحدة".
المحور الرابع:
المنظومة السياسية الوطنية
بحسب الجرادي، فإن الإصلاح يؤمن بأهمية الحفاظ على المنظومة السياسية والأحزاب، وأن البديل سيكون البندقية والقوة العسكرية وكل تشكيلات ما قبل الدولة الطائفية والعنصرية والمناطقية، لذلك فإن بديلها الأفضل والمناسب والآمن، هو الحياة السياسية والتعددية السياسية. ومن هذا المنطلق فأن الاحتفاء بالأحزاب هو احتفاء بالسياسة.
1- القضية الجنوبية
قال الجرادي إن الإصلاح وكافة القوى الوطنية يتفهمون القضية الجنوبية باعتبارها مفتاحا لحل أساسي للقضية اليمنية برمتها، مشيرا إلى أن هناك نقاشات تجري من أجلها، والمجلس الانتقالي اليوم موجود وممثل في مجلس الرئاسة والحكومة وبقية مؤسسات الدولة اليمنية.
واعتبر أن "الفوضى لا تنتج وحدة ولا انفصالا. ولن تكون هناك وحدة ولا انفصال من دون وجود دولة، لا بد من النضال من أجل استعادة الدولة. وفي ظل الجمهورية اليمنية لا شيء يمنع إجراء نقاش وحوار سياسي جديد لمناقشة هذه القضية، لكن الأهم الآن هو استعادة الدولة، وأي مشروع تقسيم الآن سيتوالد، وإذا تحولنا إلى مناطق ضعيفة من السهل التهامنا من قبل الغير".
2- مؤسسات الشرعية
وحول إنجازات وإخفاقات مؤسسات الشرعية، والتحديات أمامها، نوه الجرادي إلى أن "أوجه القصور، وبعض الأخطاء في بعض أعمال وممارسات مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، غالباً ما تقابل أيضاً بتضخيم إعلامي غير مناسب، على حساب النجاحات والإنجازات الملموسة التي لا تحظى بنفس الاهتمام."
وشدد على ثلاث خطوات يمكن أن تسهم في تحسين وتطوير قدرات مؤسسات الشرعية، هي: عودة مجلس القيادة ومؤسسات الدولة إلى الداخل، والبحث عن موارد وتنميتها، والاهتمام بالجيش والأمن، بما في ذلك توحيد القوات مع الاهتمام بمستوى معيشتهم ومعيشة المواطنين.
3- التكتل الوطني
يقدم الإصلاح المشتركات الوطنية، ويوسع من دائرة الحوار مع شركاء الوطن المؤمنين بالنظام الجمهوري والدولة الاتحادية، وينسى وزنه واستحقاقاته لصالح خلق توافق وطني وتشكيل كتلة وطنية تاريخية لاستعادة الدولة.
وفي هذا السياق، أكد رئيس دائرة الإعلام بالإصلاح على أن: أمام اليمنيين اليوم عدو وجودي وخطر حقيقي يهدد الجمهورية، وعلى الأحزاب التي تؤمن بالجمهورية والعمل الوطني والسياسي أن تعمل من أجل تخليص اليمن من هذا الخطر. وشدد على أنه لا بد من النضال من أجل استعادة الدولة والجمهورية، وأن بقاء الحوثي خطرا يهدد كل شبر في الجمهورية اليمنية في الشمال والجنوب، ما يحتم على كافة الأحزاب والقوى الوطنية ضرورة تجاوز الماضي بكل آلامه وجراحه، وأن يكون الماضي بالنسبة لها عبارة عن درس وعبرة، وتستفيد أن الشقوق التي حصلت في الصف الوطني، هي التي تسلل منها أعداء الجمهورية.
المحور الخامس:
التحالفات الإستراتيجية اليمنية-الخارجية
وعن العلاقة مع المملكة العربية السعودية، أوضح الجرادي "أن الإصلاح هو الحزب الوحيد الذي نص في برنامجه السياسي على علاقة إيجابية مع المملكة"، مشيرا في هذا الصدد إلى تلك العلاقة المميزة التي كانت تربط رئيس الإصلاح الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رحمه الله عليه، بالمملكة العربية السعودية، مضيفاً: "نحن أيضاً نعتقد أن لدينا علاقة تحالف مميزة معها الآن.. نحن حلفاء".
وأشار الجرادي إلى طبيعة الروابط المتينة التي تربط اليمن بالمملكة، قائلاً: "نحن لا نبحث عن بدائل، فالجغرافيا لها منطقها، وهناك روابط الجوار والثقافة والامتداد والتداخل، أنا لا يمكن أن أستورد جيراني كما أن المملكة أيضاً لا تستطيع أن تستورد جيرانها".
واستطرد: "نحن على علاقة مميزة بالمملكة، ونسعى أيضاً إلى تطويرها أكثر، وكذلك مع بقية أشقائنا في الجزيرة العربية والخليج وبقية الدول العربية والصديقة، ونريد أن نُمتّن هذه العلاقات بما يخدم بلادنا، ومؤسساتها، وجمهورنا، واستقرارنا".
وختاما:
من خلال ما سبق؛ نستطيع القول إن ما يميز الإصلاح هو أنه مدرسة وطنية للنضال والفكر والسياسة، وخزان بشري للكفاءات، ويعد الاستاذ علي الجرادي أحد أفضل وأنزه الكوادر القيادية للإصلاح، والذي يملك قدرة تحليلية وسياسية كبيرة، ومدرسة صحفية واعلامية متفوقة، وقادرة على توجيه الرأي العام، وصناعة التحالفات الوطنية الناجحة.
*من صفحة الكاتب على الفيس بوك