على مدى 34 عامًا يتموضع حزب التجمع اليمني للإصلاح في قلب المعادلة السياسية اليمنية منذ تأسيسه في الـ 13 من سبتمبر/أيلول 1990 كأحد أهم الركائز السياسية في البلاد؛ باعتباره إحدى ثمار إعلان قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو/آذار 1990، والتي مثّلت بداية مسار التعددية السياسية والثقافية في اليمن الموحد.
وبالنظر إلى الظروف السياسية والاجتماعية والمدارس الفكرية التي سبقت نشأة الإصلاح، والمبادئ الوطنية التي على ضوئها تشكل الحزب، وفي مقدمتها الجمهورية والوحدة والتعددية السياسية والحزبية؛ فإن تأسيس حزب الإصلاح قد مثّل احتياج وطني، وضرورة فرضتها الظروف والمعطيات التي رافقت مرحلة ما قبل الوحدة اليمنية في شمال اليمن وجنوبه.
إن اختيار الإصلاح ميلاده في شهر سبتمبر، نظرا لتكثفه في الوعي العام بأنه شهر الثورة اليمنية التي قضت على الإمامة في 1962، وذلك في تأكيد على دوره الفاعل والكبير في مواجهة الإمامة، وهذا ما أثبتته الأحداث منذ تأسيس الحزب وحتى اليوم، إذ يمثل الرافعة السياسية والعمود الوطني في الحياة الاجتماعية والسياسية وحائط الصد ضد الانقلاب الحوثي والتمرد في اليمن.
حيث لعب الإصلاح دورًا محوريًا في الدفاع عن الجمهورية خلال الأزمات المختلفة، وخاصةً في مواجهة التهديدات التي جاءت مع صعود الحوثيين ومحاولتهم إحياء الإمامة، ففي اللحظة العصيبة التي حاصرت فيه الأخطار كيان الدولة اليمنية، وانهارت مؤسساتها تحت وطأة هجوم الإمامة، برز حزب التجمع اليمني للإصلاح كركيزة أساسية في حماية النظام الجمهوري والهوية الوطنية.
لقد اعتمد الإصلاح على الإسلام المعتدل كمرجعية أساسية له، مع التركيز على مبادئ الحرية والديمقراطية والحفاظ على النظام الجمهوري، وحاول الحزب الجمع بين التقاليد اليمنية والإسلامية وبين متطلبات العصر الحديث، مع التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية.
المجال التربوي والثقافي
نص النظام الأساسي للإصلاح في المجالين التربوي والثقافي على الحفاظ على الهوية الإسلامية للأمة، والتصدي لكل غزو ثقافي يستهدف تدمير تلك الهوية أو مسخها، وتعميم التعليم الأساسي وتكثيف الجهود للقضاء على الأمية وتجفيف منابعها، ورفع تحسين مستوى التدريب والتأهيل، وربط العلم والمعرفة بمقاصد الشريعة ومصالح الأمة الحيوية، وتوجيه مناهج التعليم بجميع أنواعه ومستوياته وفق أسس سليمة لتنشئة الأجيال تنشئة إيمانية.
كما نص على العناية بالمدارس والمعاهد العلمية والفنية والمهنية، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، وإعمار المساجد وإحياء رسالتها، وتحسين مستوى العاملين فيها، وتوسيع التعليم العالي والبحث العلمي وتحسين أوضاعهما، ورفع مستواهما باعتبار ذلك من أهم ركائز التنمية والنهضة الشاملة.
إضافة إلى ذلك، ركز النظام الأساسي للإصلاح على ضرورة نشر العلم والمعرفة، واحترام العلماء، وحشد الجهود الرسمية والشعبية لإقامة ودعم وتشجيع كافة المؤسسات التعليمية والمهنية والحرفية والصناعية، والاهتمام بالثقافة والنشر والتأليف والترجمة، والمحافظة على التراث المفيد ونشره، وتشجيع الآداب والفنون النافعة، لتؤدي دورها في المجتمع التزاماً بمبادئ الإسلام التي تحث على الإبداع والابتكار، ورعاية وتشجيع المبدعين في المجالات العلمية والثقافية المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك ركز الإصلاح على العمل على تحقيق سياسة إعلامية هادفة وجادة، تجسد قيم الأمة وعقيدتها وتراثها الحضاري، وتحارب الظلم والفساد بكافة أشكالهما، وتتصدى للغزو الفكري والانحلال الخلقي، وتستفيد من كل جديد حضاري نافع وتضمن للجميع حرية التعبير عن الرأي البناء.
مراحل البناء والتأسيس
شهدت فترة تأسيس التجمع اليمني للإصلاح جهودًا كبيرة لوضع أسس صلبة للحزب، من خلال إرساء مبادئه وتوجهاته الوطنية، حيث اعتمد الإصلاح على فكر متجذر في الحفاظ على الهوية اليمنية، مع الالتزام بالمشروع الوطني الجامع، وهذا البناء المتين هو ما مكّن الحزب من الصمود في وجه الأزمات السياسية والتهديدات المتكررة، وفقا لما يراه مراقبون.
وقد تأسس حزب التجمع اليمني للإصلاح في فترة حرجة من تاريخ اليمن، عندما كانت البلاد تمر بتحولات سياسية واجتماعية عميقة، انطلق خلالها الحزب من فكرة بناء كيان سياسي يحمل في طياته مبادئ الحرية والديمقراطية والدفاع عن النظام الجمهوري، خلال تلك المرحلة، عمل مؤسسو الحزب على وضع أطر تنظيمية واضحة، تحدد الأهداف والسياسات، وتجمع الناس تحت مظلة مشروع وطني جامع.
وبالعودة إلى تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح فقد أولى اهتماما كبيرا في مجال التعليم والمعلمين، حيث أدرك حزب الإصلاح منذ بدايته أن التعليم هو الأساس في بناء مجتمع قوي وواعٍ؛ لذا عمل على تحسين قطاع التعليم من خلال دعم المعلمين وتطوير المناهج الدراسية، بهدف إنشاء جيل قادر على التفكير النقدي والمساهمة بفعالية في بناء الوطن.
كما ركز الإصلاح على دعم المعلمين باعتبارهم عمود الفقري في العملية التعليمية، وتم تنظيمهم في نقابات وهيئات للدفاع عن حقوقهم وتطوير مهاراتهم، مما ساهم في رفع مستوى التعليم في البلاد، ناهيك عن تأهيل الشباب الذين كانوا دائماً في صلب اهتمام حزب الإصلاح، حيث عمل الحزب على تأهيل الشباب ليكونوا قادة المستقبل من خلال تنظيمهم في فرق عمل ومجموعات شبابية تهدف إلى زيادة الوعي السياسي والاجتماعي.
بالإضافة إلى ذلك، عمل الإصلاح جاهدًا على إشراك الشباب في السياسة، وذلك في إطار المساعي الرامية للحزب للقيام بتشجيع الشباب على الانخراط في العملية السياسية، مما زاد من مشاركتهم في الانتخابات والمجالس المحلية، وجعلهم أكثر تفاعلاً مع قضايا الوطن.
ثمرة الجهود التربوية لحزب الإصلاح في لحظة انهيار الدولة
لم يغفل الإصلاح النظر برؤية ثاقبة حول مناطق الخطر الإمامي، وخاصة في المناطق التي كانت مهددة بعودة الإمامة، مثل المناطق الشمالية والشمالية الشرقية، حيث قام الحزب بتعزيز تواجده في هذه المناطق من خلال نشر الوعي بين السكان، وتطوير برامج دعم للمجتمعات المحلية، كما عمل الإصلاح على تنظيم المجتمعات المحلية في تلك المناطق، لتكون قادرة على مواجهة التهديدات بمفردها.
وعندما اندلعت الحرب مع الحوثيين، كانت البنية التنظيمية التي أسسّها حزب الإصلاح عاملاً حاسماً في الحفاظ على بعض مؤسسات الدولة والجمهورية، وذلك بفضل التركيز على التعليم والشباب، إذ كان هناك وعيٌ مجتمعيٌ عميق بضرورة الدفاع عن النظام الجمهوري وقد برز هذا للعيان من خلال تقدم تلك الأجيال التي سعى الإصلاح لتربيتها في حمل السلاح للدفاع عن الجمهورية عقب الانقلاب الحوثي وكانوا في طليعة المدافعين عن البلاد ولا يزالون بنفس الحماس والوتيرة حتى اليوم.
كما لم يغفل الإصلاح عن المناطق التي كانت عرضة لخطر الإمامة، حيث ركز جهوده على تعزيز وجود الدولة فيها، وتنظيم الأهالي لمواجهة التهديدات، من خلال نشر الوعي والتعاون مع مختلف الشرائح الاجتماعية، إضافة إلى ذلك، قاد الإصلاح جهود المقاومة الشعبية ضد الحوثيين في عدة مناطق، معتمدًا على الكوادر التي تم إعدادها في السنوات السابقة، حيث ساهم الحزب في توجيه هذه الجهود وتنظيمها، مما جعل المقاومة أكثر فعالية، كما أنه وبفضل التنظيم الجيد والاهتمام بالقطاعات الحيوية، تمكن حزب الإصلاح من حماية العديد من المناطق من الوقوع تحت سيطرة الحوثيين، والحفاظ على بعض مظاهر الدولة، رغم الانهيار الكبير الذي شهدته مؤسسات الدولة عقب الانقلاب الحوثي في سبتمبر 2014.
دور رئيس في الدفاع عن النظام الجمهوري
ما سبق ذكره يؤكد بجلاء كيف أن جهود الإصلاح لم تكن مجرد تحركات سياسية عابرة، بل كانت استراتيجية مُحكمة أثمرت في لحظات حاسمة من تاريخ اليمن، حيث الحزب لعب دورًا رئيسيًا في الدفاع عن النظام الجمهوري والهوية الوطنية عندما كانت البلاد على حافة الانهيار عبر عدة مسارات أبرزها التعليم والمعلمين، حيث كان الإصلاح من السباقين إلى إدراك أهمية التعليم كركيزة أساسية لبناء المجتمع، فدعم المعلمين وسعى لتحسين بيئة التعليم، لضمان تخريج أجيال واعية بقضاياها الوطنية.
كما أنه وفي لحظة الانهيار للدولة عقب الحرب مع الحوثي وبفضل التنظيم الدقيق الذي شمل التعليم والشباب ومناطق الخطر، استطاع الإصلاح أن يكون سندًا قويًا للجمهورية، وقاد الحزب صفوف المقاومة الشعبية، وساهم في تحفيز المجتمع للدفاع عن مكتسباته الوطنية، مما مكن اليمن من الصمود أمام الهجمة الإمامية واستعادة بعض من مؤسسات الدولة.
إجمالا، نستطيع القول إن نضالات حزب التجمع اليمني للإصلاح لم تكن مجرد مراحل عابرة، بل هي استراتيجيات محكمة أثمرت في أحلك الظروف، واليوم، ونحن نحتفل بذكرى تأسيس الحزب، نستلهم من تلك النضالات دروسًا في الوطنية والإصرار على حماية اليمن وهويته الجمهورية رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها على المستويين الوطني والخارجي.