خاض الإصلاح خلال السنوات الماضية عقب سقوط الدولة، تجارب نضال جديدة في محاولات عديدة لتبني مسار التنمية وترسيخ مؤسسات الدولة، في عدد من المحافظات التي كان كوادرها على هرم قيادات السلطة المحلية، وخلق بريق من الأمل في الخروج من غبار الحرب.
وعلى طول خط مسيرته في النضال الوطني، ظل حزب التجمع للإصلاح ينافح عن الدولة بقوة وفعالية، ويستميت في الدفاع عنها أمام كل التهديدات والمحن، باعتبارها الضامن الأوحد للثوابت الوطنية، كالوحدة والسيادة والديمقراطية.
وقد بذل التجمع اليمني للإصلاح التضحيات ولايزال، في سبيل ترسيخ مبدأ الدولة، إيمانًا منه بأن الدولة هي الحصن الأكبر الذي يحمي البلاد من مغبة الانهيار والتمزق، وبالتالي فإن المساس بالدولة أو التعدي عليها سيؤدي بالجميع إلى الهاوية.
ومنذ لحظة إعلان ميلاد الإصلاح في 13 سبتمبر 1990، وما أعقبها من أحداث، مروراً بالثورة الشبابية في فبراير 2011، ووصولًا إلى انقلاب المليشيا الحوثية على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014، جاءت مواقف الإصلاح وسياساته وتجاربه التي تكللت بالنجاح في مختلف المجالات، كرافدٍ قويٍّ للدولة ومبادئها وثوابتها الوطنية.
الإصلاح ونبذ العنف والانفتاح
يمارس الإصلاح نشاطه السياسي بفاعلية تحت كنف الدولة ومظلة الدستور، ليقدم بذلك واحدة من أهم الممارسات السياسية الخلَّاقة في البلاد، وقد استطاع الإصلاح بسلميته هذه أن يحقق نجاحات ملحوظة في مختلف المجالات والمسؤوليات التي تحملها.
وقال رئيس الدائرة السياسية للإصلاح في تعز، أحمد المقرمي "إنه من أكثر ما مَيّزُ الإصلاح، أنه لم يحمل السلاح في وجه الدولة، ولا استخدم العنف وسيلة، رغم محاولات الاستدراج التي وُضِعَت أمامه، والاستفزازات الكثيرة التي كانت تستهدفه ظلما وزورا".
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "أن الإصلاح يعمل تحت ضوء الشمس بآفاق رحبة وفضاءات مفتوحة، ومواقفه كذلك، ولعله المكون السياسي الوحيد أيضا الذي لم يتلكأ، و لم يتلجلج في موقفه الصريح والصارخ تجاه انقلاب 21 سبتمبر، وفي وقت مبكر جدا".
وأشار المقرمي "بأن اليمنيين لم يتقوقعوا في يوم من الأيام على أنفسهم فثقافتهم جَبَلتهم على الانفتاح مع الآخر، وظل ذلك ديدنهم، فجاء الإسلام وعزّز هذه الثقافة، بل وزودها بالروح الرسالية التي لا تحصرها الجغرافيا".
ولفت، "بأن هذا الانفتاح التاريخي والرسالي ترجمه الإصلاح في انفتاحه على الناس، وسرعة بناء العلاقات مع مختلف المكونات، والتعايش مع الآخر بصدق، حدّ وصف الآخر الإصلاحَ، بأن فيهم كثير من البساطة، ولا يزعج الإصلاح هذا الوصف، بل يراها الفطرة السليمة".
الإصلاح في تعز.. النموذج الحاضر
هذا وقد تمكن حزب الإصلاح، من خلال أنشطته وتجاربه في مسيرته الوطنية، أن يقدم صورة نموذجية لفكرة الانفتاح على الآخر وقبول المختلف وقدرة الحزب على التعايش مع الجميع تحت إطار مبدأ الدولة وثوابتها الوطنية.
واعتبر رئيس سياسية إصلاح تعز، أحمد المقرمي "أن حزب الإصلاح أُفُقُه واسع، ويعيش في فضاء نقي مفتوح، وهو لا يدّعي هذه الميزة تَخَرُّصا، ولكن يؤيد هذا دخول الإصلاح في تحالفات حكومية، وفي تكتل حزبي سياسي تَمَثَّل باللقاء المشترك".
وقال "أن الإصلاح كان حاضرا في مؤتمر الحوار الوطني بحيوية، وهو المكون الوحيد الذي لم يعلق حضوره حينها ولم يهدِّد بالتعليق، حرصاً منه على نجاح سير أعمال المؤتمر والخروج بنتائج تلم الشمل، وتنقذ الوطن".
وتعتبر تجربة الإصلاح في مدينة تعز، خلال سنوات الحرب وحصار مليشيا الحوثي للمدينة، واحدة من أهم التجارب الإصلاحية التي تؤكد بشكل واضح على المرونة العالية التي يتمتع بها الحزب في سياساته وتوجهاته وانفتاحه على الآخر المختلف.
ففي الوقت الذي تحيط فيه فلول السلالة الكهنوتية بتعز، فارضة عليها حصاراً جائراً منذ عشر سنوات، كان الإصلاح يوجه طاقاته وجهوده في سبيل أن تكون مدينة تعز مكاناً للتعايش السلمي بين مختلف الفئات والمكونات السياسية، بعيدًا عن الاستفراد والإقصاء.
ولطالما دعا حزب الإصلاح في تعز جميع المكونات والأحزاب إلى نبذ الفرقة وتجاوز خلافات الماضي في سبيل توحيد الصف الوطني لمواجهة مليشيا الحوثي، عدو اليمنيين الأول والأكبر، مؤكدًا بأن الإصلاح لا عدو له سوى الحوثي، ولا معارك له سوى معركته مع الحوثي.
الإصلاح والتنمية.. مأرب نموذجاً
وفي مجال الإدارة والتنمية، فقد استطاع الإصلاح أيضًا أن يثبت فيهما كفاءته ومسؤوليته ويصنع فارقاً، رغم شحة الفرص التي أتيحت للحزب، منذ تأسيسه وحتى اليوم، في هذا المجال. ولعل أهم مسرح استطاع أن يثبت فيه الإصلاح جدارته هو محافظة مأرب خلال سنوات الحرب.
وعن علاقة الإصلاح بمأرب، قال رئيس المكتب التنفيذي للإصلاح في مأرب، الشيخ مبخوت بن عبود الشريف، في تصريحٍ سابق "إنه -ومن خلال التجربة- كان الإصلاح ولازال صمام أمان لأهل مأرب، وأن مأرب هي المحافظة الوحيدة في البلاد، الذي للإصلاح تأثيره على كل المستويات، حتى مستوى الساحة الوطنية والإقليمية."
وتأتي التنمية الكبيرة التي تعيشها محافظة مأرب، كواحدة من أبرز نتائج هذا التأثير الإصلاحي، حيث تشهد محافظة مأرب نشاطاً تنموياً ملحوظاً، وبوتيرة متسارعة وغير مسبوقة، في تكوين البنية التحتية، وذلك من خلال تنفيذ مئات المشاريع الخدمية داخل المحافظة.
وبالتالي فإن تجربة الإصلاح في محافظة مأرب هي النموذج الأبرز للكفاءة الإصلاحية في الإدارة والتنمية، حيث أنه ورغم الحرب والحصار الحوثي على مدينة مأرب، والتحديات الأمنية وشحة الموارد المتاحة، إلا أن هذه الكفاءة حققت من النهضة التنموية في مأرب ما عجر الجميع عن تحقيقه من قبل.
إدارة المؤسسات.. شبوة المقاومة والدولة
خلال مسيرته الممتدة منذ 34 عاما، شارك التجمع اليمني للإصلاح في إدارة مؤسسات الدولة في مراحل مختلفة. وكغيرها من التجارب والمسؤوليات الأخرى التي تولاها الحزب وحقق فيها نجاحات ملحوظة، فقد نجح في أن يقدم نموذجاً ملهماً وملفتاً في الحكم أيضا.
وقال السياسي يسلم البابكري "بأن محافظة شبوة كان لها جزء من مشاركة الإصلاح في إدارة المحافظة من خلال تولى منصب محافظ المحافظة الأولى، كانت للمحافظ الشهيد أحمد علي باحاج (٢٠١٢- ٢٠١٥) والثانية للمحافظ محمد صالح بن عديو (٢٠١٨- ٢٠٢١)".
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "بأنه وعلى الرغم من أن هاتين المرحلتين كانتا من المراحل التي اتسمت بالصعوبة البالغة وعدم الاستقرار وبروز تحديات كبيرة إلا أنها وبشهادة المراقبين والمجتمع في محافظة شبوة شكلت نموذجاً متميزاً في إدارة الدولة ومؤسساتها في ظروف بالغة التعقيد".
وتولى المحافظ أحمد علي باحاج منصب محافظ شبوة في سبتمبر 2012 عقب التسوية السياسية، وهي مرحلة شهدت ضعفا في مؤسسات الدولة وانقساماً سياسياً ومجتمعياً إلا أنه بشخصيته الفذة استطاع أن يقود المحافظة بحكمة. وفق الباكري.
وقال: "عندما تطورت اﻷحداث عقب انقلاب ميلشيات الحوثي، كانت شبوة من أولى المحافظات التي سجلت موقفا بالانحياز إلى الشرعية ورفض الانقلاب" لافتا "أن المحافظ باحاج استطاع حينها أن يجمع أبناء محافظة شبوة برغم اختلافهم حول مشروع مقاومة الانقلاب خصوصا بعد تقدم مليشيا الحوثي وسيطرتها على أجزاء من المحافظة، وقاد المقاومة مع أبناء المحافظة حتى رحل شهيدا".
بن عديو.. الحنكة الإدارية
مرت محافظة شبوة بمراحل كثيرة خلال السنوات الماضية من الحرب، ورغم التحديات التي واجهت السلطات المحلية، لكنها واجهت حالة المقاومة والدولة في سياق تكاملي قدم فيها رجالها نموذج مميز، وبالإضافة إلى الشهيد باحاج، كان محمد بن عديو السياسي الإداري.
وقال الباكري "المرحلة التي أدار فيها المحافظ محمد صالح بن عديو شبوة، كانت فيها تحديات كبرى أبرزها غياب مؤسسات الدولة والسيطرة اﻷمنية لمعظم مديريات المحافظة لتشكيلات مسلحة تعمل خارج إطار الدولة إضافة إلى تردي الخدمات والتي شكلت تحديات كبيرة".
وأضاف: "إن أبناء محافظة شبوة استبشروا بتعيين بن عديو، فقد عرفوا الرجل من خلال موقعه كوكيل أول للمحافظة ويحظى باحترام وتقدير كبير، واستطاع خلال فترة وجيزة من التعامل مع كل تلك التحديات وتحويلها إلى فرص وحقق فيها نجاحا كبيرا حتى أصبحت محافظة شبوة في طليعة المشروع الوطني".
فقد تم تفعيل أجهزة الدولة ومؤسساتها وبناء أجهزة أمنية استطاعت السيطرة على كل جغرافيا المحافظة وتثبيت اﻷمن والاستقرار فيها وشهدت المحافظة حركة تنموية غير مسبوقة مستفيدة من نسبة العائدات من مبيعات النفط وأصبحت شبوة حينها نموذجا متميزا، وفق حديث الباكري.
وقال: "أبناء شبوة يتذكرون وبتقدير كبير العهد الذي أدار فيه أحمد علي باحاج ومحمد صالح بن عديو محافظة شبوة باعتبار تلك المراحل وعلى الرغم من كونها في غاية التعقيد إلا أن الرجلين أثبتا كفاءتهما وأهليتهما".