تحظى كلمة رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح باهتمام ومتابعة كثير من المتابعين في الساحة المحلية والمراقبين المهتمين بالشأن اليمني، ذلك أن الإصلاح يمثل قطاعاً عريضاً في الشعب اليمني، ولاعباً مهماً في الساحة السياسية، وحاضراً مؤثراً في مؤسسات الدولة المختلفة، وتزداد أهمية الكلمة الخاصة بالذكرى الحالية لتأسيس الإصلاح نظراً لطبيعة المرحلة الراهنة والتعقيدات التي تمر بها في ظل حالة عدم الاستقرار في المنطقة وتأثيراتها على ضبابية الرؤية تجاه مستقبل هذه المرحلة المهمة التي تمر بها المشكلة اليمنية.
تضمنت الكلمة مجموعة من القضايا الوطنية الهامة في الساحة السياسية واستحقاقات المرحلة الحالية والمرحلة المستقبلية، كما ركزت بشكل مكثف أكثر من ذي قبل على القضايا التي تهم الشارع اليمني، والتحمت بواقعه ومعاناته وتطلعاته، كما كشفت عن موقف الإصلاح إزاء كثير من القضايا التي تشغل الرأي العام وأجابت عن أسئلة ظاهرة وعن أسئلة مختفية خلف شفاه الكثيرين، ويمكن تحليل أبرز هذه القضايا والمواقف التي تضمنتها كلمة الإصلاح كما يلي:
سبتمبر.. ثورة الانعتاق، وشهر التأسيس
لا تخفى دلالات الاستهلال بالتعريج على أهمية سبتمبر في ذاكرة اليمنيين وتاريخ ثورتهم الخالدة التي ستحل ذكراها الثانية والستين خلال الأيام القادمة، هذا الربط بينها وبين ذكرى تأسيس الإصلاح يعزز مكانة هذا الشهر (سبتمبر) في ضمير ووجدان اليمنيين، ولعل تقديم ذكر مناسبة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر على ذكرى التأسيس –رغم حلول الأخيرة واقتراب حلول الأولى- يأتي تحت قاعدة تقديم الأصل على الفرع، فالإصلاح يعتبر أن سبتمبر هي الميلاد الثاني لليمنيين بعد مولدهم يوم دخول الإسلام، وليست كل المناسبات بعد سبتمبر سوى نتائج عنه، وركائز داعمة له، وهكذا هو الإصلاح كحزب سياسي إحدى روافع النظام الجمهوري الذي قام على هدي عقيدة الشعب وهويته التي تبلورت في ثورة الانعتاق من ربقة عبودية الكهنوت السلالي إلى فضاء الإسلام الرحب بقيمه الحقة الحاملة للعدالة والمواطنة المتساوية والكرامة الإنسانية، وبناءً على ذلك فإن واحدة من جزئيات رسالة الإصلاح هو الحفاظ على مساره ابناً باراً بسبتمبر الخالد، مثلما تمثل تماماً إحدى الجزئيات الأخرى كونه باراً بأكتوبر المجيد وقيم التحرر من استبداد وتخلف حقبة الاحتلال البغيض.
وضوح الرؤية منذ الميلاد
أكد رئيس الهيئة في كلمته ظروف وتعقيدات المولد السياسي للتعددية السياسية ونشوء الأحزاب بما فيها الإصلاح، ومثلما ربطت الفقرة الأولى الإصلاح بقيمة التحرر من ظلم الكهنوت، ربطت هذه الأخرى الإصلاح بظهور دولة الوحدة التي فتحت آفاق التعددية السياسية والنهج الديمقراطي، فقيمة الوحدة في نظر الإصلاح باعتبارها تجميعاً للقوة الذاتية وتسخيرها في خدمة المشروع الوطني الحضاري وبناء الدولة القوية التي تحفظ لكافة أبنائها حقوقهم الطبيعية، وتمنحهم العيش الكريم، وتنطلق بهم نحو آفاق أوسع من البناء والتطور والتبادل الحضاري مع المحيط الإقليمي والدولي، وهذه الرؤية القائمة على سمو المبدأ لا يقلل منها أخطاء التطبيق التي راكمتها التجربة الوليدة من قبل جميع الأطراف، وهذه الرؤية الواضحة لمرحلة الانطلاقة السياسية ليست الوحدة هي الرحم الأولى لميلادها، بل هي امتداد لحركة الإصلاح الوطني التي حملت تطلعات اليمنيين ردحاً من الزمن، لكن تأسيس الإصلاح أضاف إلى الحياة السياسية صفحة مشرقة وإضافة نوعية لما يحمله من فهم للواقع وتعقيداته التي خلفته شمالاً عهود الإمامة البغيضة، وجنوباً عهود الاستعمار والتشطير، والتي دائماً ما التقيا في الفت من عضد اليمن واليمنيين شمالاً وجنوباً مهما تغيرت صورهما أو تبدلت أشكالهما، ونظراً لهذه التعقيدات فقد أوضحت الكلمة بأن الإصلاح انطلق من وعي راسخ بأنه لا يمكن تجاوز هذه المشكلات من قبل أي طرف بمفرده، بل تتطلب تظافر كافة الجهود ومشاركة شعبية واسعة افراداً ومكونات للإسهام في إصلاح ما دمره ثنائي الفتك القيمي والفت الاجتماعي (الإمامة والاستعمار) ومخلفاتهما، وبناءً على هذا الفهم فإن الشراكة الوطنية في فكر الإصلاح وفلسفته السياسية تعد استراتيجيا وليست تكتيك، وضرورةً حتمية وليست مجرد خيار تحسين، وإذا كانت الشراكة تكتسب هذه الأهمية في لحظة الميلاد فهي أكثر جدوى في لحظات الانهيار الشامل للدولة وما خلفه انقلاب مخلفات الإمامة وفلول الاستعمار.
إعادة التعريف في دوامة الاستهداف
أشارت الكلمة إلى إسهامات الإصلاح في المشاركة السياسية بأدوات العمل السلمي وفق مقتضيات التعددية السياسية، وكيف أسهم في تكريس الديمقراطية الوليدة، وحددت القيم الأساسية التي ظلت هي البوصلة التي ضبط الإصلاح عليها سيره نحوها، وذكر منها: تدعيم النظام الجمهوري، وإصلاح عمل مؤسسات الدولة، وتقوية مؤسسات الإدارة المحلية وفق نمط اللامركزية، وتجذير الحريات وقيم العدالة والمواطنة المتساوية، وتعزيز الهوية الوطنية والإرث الحضاري لتاريخ اليمن. هذه المنطلقات التي تضمنت بناء الدولة وبناء الإنسان معاً، ليست تعريفاً جديداً اختلقها رئيس الهيئة باعتبارها عناوين فرضتها المرحلة الحالية؛ بل هي بذاتها موجودة في البرنامج السياسي للتجمع اليمني للإصلاح الذي تم إعداده في العام 1990م وقام عليه البناء التنظيمي للحزب، وهذا الثبات في صلاحية الرؤية فيما قبل أربعة وثلاثين عاماً لمعالجة مشكلات اليوم تدل على دقة التشخيص في تلك المرحلة، والنظرة الثاقبة للمستقبل، وفي ذات الفقرة التي تضمنت تلك المنطلقات في الكلمة أكدت أيضاً على سعي الإصلاح حالياً لتعزيز الدولة الاتحادية وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، باعتبار هذه الصيغة هي شكلاً من أشكال اللامركزية في الحكم التي أكد عليها البرنامج السياسي للإصلاح منذ لحظة تأسيسه.
هذا التعريف المقتضب يأتي في سياق حملات التشويه والافتراء التي ما فتئت أطرافاً عدة تضلل بها الجمهور وتحقق بها أهداف من يمولها من ذوي المصلحة في الانتقام من الإصلاح لموقفه المساند للشرعية والتحالف الداعم لها، كما تستند حملات التضليل تلك إلى وهم الاغتيال المعنوي للتجربة السياسية للإصلاح وإزاحته من أمام مخططات القضاء على فكرة الدولة وتمزيق النسيج الاجتماعي ورهن اليمن لصالح المشاريع العابرة للحدود، يبدو أنه في هذا السياق جاء التذكير بإشارات خفيفة إلى التعريف بالإصلاح باعتباره حزباً سياسياً يعتمد أدوات العمل السلمي ويؤمن بالشراكة الوطنية، ويسهم في البناء الديمقراطي والحضاري وإرساء فكرة الدولة وإسنادها في مختلف المنعطفات، وإذا كانت الإسهامات كذلك طيلة ثلاثة عقود ونصف من التجربة فهذا يعاني مراكمة القوة السياسية والشعبية بحيث أصبح الإصلاح اليوم يمثل قطاعاً واسعاً من المجتمع اليمني بمختلف فئاته، ومتانةً تنظيمية عصية على الشق أو التفكك، وضامناً موضوعياً للاستقرار ووحدة النسيج الوطني، وعندما يتم هذا التعريف في خطاب لأبناء الشعب اليمني فإنه –الشعب- يفهم جيداً هذه الحقائق التي عايشها وما يزال يراها أمام عينيه في الواقع مهما كتب الجاحدون إزاء المواقف الناصعة للإصلاح والأثمان الكبيرة والتضحيات الجليلة التي ما زال يدفعها نتيجة وقوفه في الجانب الصحيح من التاريخ في أهم لحظة فارقة من تاريخ اليمن الحديث.
الانحياز للمواطن ونبض الشارع
رغم أن الإصلاح ليس هو الطرف الوحيد الذي قدم تضحيات من قياداته وكوادره وقواعده، من الأرواح والجراح، والاختطاف والتغييب القسري وكافة أنواع الانتهاكات التي تمارسها الجماعة الحوثية الإرهابية دون تفريق أو تمييز بين الانتماءات سوى الفرز بين فئتين لا ثالث لهما: المؤمنون بالولاية السماوية للحوثي على اليمنيين، وغير المؤمنين بولايته كحق إلهي.. في إطار هذه الفئة الثانية بما تشمله من تيارات وأحزاب وتجار ومزارعين وموظفين ومواطنين عاديين، ترتكب أبشع الجرائم في حقهم وما خلفته من فئات متضررة.. وإزاء هذه الفئات المتضررة جميعاً طالب رئيس الهيئة العليا في كلمة الحزب بذكرى التأسيس بقود الحقوق إلى مستحقيها من أصحاب هذه التضحيات والمواقف الوطنية، من الشهداء والجرحى والمختطفين والمخفيين والنازحين والمتضررين من كوارث السيول الذي زادت فجائعهم بحصول تلك الكارثة في ظل كارثة أوسع وأعم وهي سيطرة مليشيا الجبايات المتكسبة بمعاناة وأوجاع الناس، في سياق أسر الشهداء والجرحى والمختطفين وجه الدعوة لمجلس القيادة والحكومة بسرعة وضع المعالجات والرعاية، وبخصوص المنكوبين في مناطق سيطرة المليشيا فكانت الدعوة موجهة للمجتمع اليمني بالتكاتف والتآزر حيث لا دولة هناك ولا ضمائر إلا غائبة عن كل شيء إلا عن سرقة المعونات والمساعدات.
وفي موضوع المختطفين كان الموقف كبيراً بحجم الإصلاح، حيث اعتبر الإفراج عنهم خطوة مبدئية للمضي في أي عملية سلام، وهو تأكيد للموقف الذي تم اتخاذه من طاولة مسقط المتعلقة بمفاوضات الأسرى والمختطفين والتي تمنى اليدومي -قبيل فشلها- لو كان للشرعية من يمثلها، وفي كلمة ذكرى التأسيس هذه تم التأكيد على ذات الموقف باعتبار الإفراج عنهم بمن فيهم الأستاذ محمد قحطان هو الشرط المبدئي للمضي في أي عملية سلام.
وأما عن قضية التدهور الاقتصادي وانهيار قيمة العملة ومعاناة الناس وإثقال كواهلهم، فقد جاء موقف الإصلاح المعبَّر عنه في كلمة رئيس الهيئة العليا بحجم المعاناة الإنسانية التي يعيشها أبناء الشعب اليمني، فقد حملت الكلمة مجلس القيادة والحكومة كامل المسئولية ودعتهم إلى التحرك العاجل وبذل أقصى الجهد والطاقة لإيقاف عجلة الانهيار الاقتصادي، وقدمت الكلمة وصفة سريعة في متناول اليد لو كانت هنالك إرادات: إصلاح الأوعية الإيرادية، وتفعيل وتنظيم الجمارك والضرائب، واستئناف إنتاج وتصدير النفط والغاز، ومكافحة الفساد ومحاسبة المقصرين، وترشيد الانفاق الحكومي، والحوكمة المالية والإدارية.. هذه المسارات من شأنها أن توقف عجلة الانهيار وتساعد على تعافي العملة تمهيداً لتطوير رؤية إنقاذ اقتصادي بعد ذلك، بما يحقق حياة كريمة للمواطنين وتحسين الخدمات المقدمة لهم.
السلام.. وخارطة الطريق
في ظل حالة اللاحرب واللاسلم التي يمر بها الملف اليمني، وفي ظل كثرة التسريبات حول ما تسمى بخارطة الطريق التي ما زالت مجهولة التفاصيل على وجه الدقة، أجلى رئيس الهيئة العليا للإصلاح الخط العريض لرؤية الحزب للسلام الذي يمكنه المشاركة في صنعه وتحقيقه، وتمثلت هذه الرؤية العريضة في ثلاثة مسارات رئيسية هي: السلام القائم على المرجعيات الثلاث.. السلام القائم على نزع سلاح المليشيا واحتكار حيازته حقاً حصرياً لمؤسسات الدولة الرسمية، توجيه أولويات الشرعية لدعم القوات المسلحة والامن والمقاومة وتوفير متطلباتها ورفع مرتبات منتسبيها. هذه الثلاثية تمتلك موضوعية كبيرة ويؤيدها أبناء الشعب اليمني، فالمرجعيات ما زالت وستظل هي المعبرة عن مشروعية المعركة والتحالف المساند لها وهي التي حددت الوصفة للسلام وخارطة الطريق الحقيقية التي لا تتطلب سوى قدراً يسيراً من الإجراءات، وحجماً كبيراً من الإرادة والضمير، أما نزع سلاح المليشيا كأساس لحدوث الحل السياسي فهي خلاصة تجارب سابقة أثبتت فشل كل المحاولات التي تقدم الجانب السياسي على الجانب العسكري والأمني في الاتفاقات المختلفة، وأما دعم الجيش فهو فيما يبدو شرطاً لغيره لا شرطاً لذاته حينما يتم الحديث عن السلام؛ إذ أن معرفة الإصلاح بسلوك المليشيا الذي ما زال بعيداً عن السلام ومظاهر التصعيد والتحشيد والاستعدادات العسكرية التي يقوم بها؛ كلها تشير أنه ما من وسيلة لفرض المرجعيات كأساس وفرض نزع السلاح كمنهج؛ إلا عبر ضغط القوة العسكرية باعتبارها اللغة الوحيدة التي تجلب مليشيا إيران الحوثية إلى طاولة السلام الذي ينشده اليمنيون وليس إلى طاولة التهدئة والاستعداد لجولات قادمة من الحرب.
وحدة الصف.. من الشعارات إلى الإجراءات
في كلمة رئيس الهيئة العليا في ذكرى التأسيس في العام الماضي 2023م دعا فيها الإصلاح إلى تشكيل تكتل وطني واسع يضم كافة الأحزاب والقوى المؤمنة باستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب بما فيها المجلس الانتقالي ومكتب المقاومة الوطنية، كانت تلك الدعوة بعد أكثر من عام على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي التأمت فيه القوى المناهضة للحوثيين، وبعد سلسلة من الشعارات المرفوعة في الإعلام المنادية بوحدة الصف الجمهوري، فكانت الدعوة بمثابة اختبار النوايا ووضعها أمام المحك العملي لتحقيق غاية وحدة الصف والانتقال بها من الخطاب النظري العاطفي إلى الإجراءات العملية الميدانية، وفي هذه الذكرى الحالية أشاد رئيس الهيئة العليا في كلمته بالاجتماعات التي تمت في شهر أبريل في العاصمة المؤقتة عدن من أجل هذه الغاية، وما تم الإعلان عنه مؤخراً من استكمال اللجنة المكلفة في ذلك الاجتماع بوضع أدبيات التكتل الواسع، ودعا في كلمته إلى مواصلة السير نحو الإعلان عن قيام هذا التكتل وتفعيل آليات عمله في الساحة الوطنية لتحقيق الأهداف المنشودة.
وعندما تأتي الدعوة من الإصلاح فإن لها ثقلها في المسار السياسي حيث أن الإصلاح يمتلك تجربة ثرية مع شركاء العمل السياسي في العمل المشترك في مراحل ومنعطفات عدة، سواءً في الائتلافات الحكومية التي شارك فيها الإصلاح وخرج منها وفق نتائج الانتخابات، أو في تكتل المعارضة التي جمعت في مجلس عمل واحد كافة أطياف العمل السياسي في اليمن بمختلف توجهاتها السياسية والفكرية والايدلوجية، وكان الإصلاح صادقاً في تحالفاته وفياً في التزاماته، ولعل أصدق الشهادات في هذا الباب هي تلك التي تأتي على ألسنة شركاء العمل السياسي ورسائل تهانيهم للإصلاح.
وفي سياق الوحدة الحقيقية للصف الوطني أشار رئيس الهيئة العليا في كلمته إلى أهمية تنفيذ مخرجات مشاورات الرياض في وضع الحلول الجذرية للقضايا المختلفة في الجوانب السياسية وإدارة الشراكة والتوافق، وبعث الحياة السياسية وإشراك الأحزاب وتفعيل عملها وعودة مؤسسات الدولة للعمل من الداخل اليمني، والداخل اليمني واسع الفضاء ليس محدود بجغرافيا ضيقة بل حيث تتوافر المناخات المساعدة لقيام مؤسسات الدولة بوظائفها.
فكرة الدولة والتمسك بالشرعية وتقديره لداعميها
لقد كان موقف الإصلاح في غاية الوضوح منذ بداية إعلانه تأييد الشرعية وترحيبه بعاصفة الحزم الداعمة للشرعية، وقد أكد الإصلاح في كلمة رئيس الهيئة العليا على ذات المبدأ المنحاز للدولة ومؤسساتها الشرعية، حيث دعا الشعب اليمني إلى الالتفاف حول الشرعية وإسنادها في مسار استعادة الدولة وانهاء الانقلاب، كما أكد موقفه السياسي والأخلاقي تجاه تقدير المواقف الأخوية للتحالف العربي، وخص قادته في المملكة العربية السعودية ممثلة بالملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده، وبعد ذلك ثمّن مواقف الدول المشاركة في التحالف، ثم أشاد بدول مجلس التعاون الخليجي وجمهورية مصر العربية وكافة الدول الشقيقة والصديقة، متوالية العلاقات الخارجية لدى الإصلاح يبدو أنها تتراكم وفق هذا التسلسل، فالسعودية في المقدمة دوماً لأواصر قربى الجغرافيا والإنسان، والحدود المشتركة، والتداخل السياسي والاجتماعي، والتأثير المتبادل، ثم دول مجلس التعاون الخليجي سيما الفاعلة منها في التحالف المساند للشرعية، فإذا ما اكتملت حلقة المحيط الأقرب، فإن أول قوة إقليمية عربية مهمة لليمن هي جمهورية مصر العربية لتاريخ التعاون وامتداد المصالح وتوأمة باب المندب بقناة السويس من أقصى جنوب البحر الأحمر إلى أقصى شماله، ثم كافة الدول الشقيقة والصديقة الداعمة للشرعية كحلقة ثالثة في اهتمام العلاقات الخارجية وحث الدولة وأي نظام حاكم في اليمن على احترامها والوفاء بحقها.
القضية الفلسطينية ومزاعم الإسناد الحوثي.. موقف لا لبس فيه
لقد جاء الموقف من القضية الفلسطينية كما هو متوقع، إذا أشاد الإصلاح بموقف الحكومة الشرعية المعبر عن إرادة اليمنيين وقواه السياسية في مساندة القضية الفلسطينية، ولعل إشادة الإصلاح بموقف الحكومة جزء من احترامها لها ولفكرة الدولة، وإلا كان يسعه أن يعلن موقفه المؤيد للقضية الفلسطينية، لكن الإصلاح وكما يظهر في كل تناولاته الإعلامية ومواقفه السياسية يعتبر نفسه جزءاً من الدولة ملتزماً بمواقفها تجاه القضايا الخارجية التي تعبر عنها مؤسساتها الرسمية، كما كان شديد الوضوح من الموقف من عمليات الحوثيين في البحر الأحمر التي وصفها بأنها مجرد عمل دعائي لإيران ومخططات توسعها ونفوذها في المنطقة، وقارن بمنطقية بين فضاعة ما تقوم به جماعة الحوثي الإرهابية ضد اليمن وأبنائها، بقدر يفوق ما يقوم به الكيان الصهيوني ضد فلسطين وأبنائها، كما أكد على رفض الإصلاح لما أقدم عليه الكيان الصهيوني من قصف ميناء الحديدة مهما كانت المبررات التي تذرع بها، مؤكداً في الوقت نفسه بأن ذلك انتهاك للسيادة اليمنية التي تمثلها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ودعا المجتمع الدولي لدعم الحكومة الشرعية لتضطلع بمهمة تأمين الملاحة وخطوط التجارة البحرية باعتبار ذلك الحل الوحيد لإنهاء التهديدات الحوثية لحركة التجارة الدولية ومصالح الدول المختلفة.
اختتم رئيس الهيئة العليا كلمته بما بدأها به من استحضار تضحيات اليمنيين في سبيل استعادة الدولة، وتجديد الدعوة لوحدة الصف والحفاظ على الهوية الوطنية التي باتت مهددة بالتدخلات الإيرانية وممارسات أدواتها المحلية الطائفية، كما دعا جميع اليمنيين الأحرار بمختلف مكوناتهم الوطنية إلى مواصلة السير نحو تحقيق الأهداف الوطنية، مختتماً بالتذكير بمكتسبات ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر، في ربط موضوعي بين أول الكلمة وخاتمتها باعتبار أهداف الثورتين المجيدتين خلاصة نضالات اليمنيين التي ما زالت محاطة بالتهديدات.
ومثلما بدأت الكلمة بتحرير النية وتجلية الغاية بآية نفي كل الإرادات الشخصية سوى إرادة الإصلاح في حدود الاستطاعة، انتهت الكلمة بآية الدعوة إلى الصبر والمصابرة والرباط في إشارة إلى صعوبة المرحلة الحالية ومتطلبات النفاذ إلى ما بعدها، وما بين الآيتين الكريمتين في أول الكلمة وآخرها كثير من الصدق والنصح وقول الحق.