يحتفل التجمع اليمني للإصلاح بذكرى تأسيسه الرابعة والثلاثين وهي مناسبة للوقوف على محطات من مسيرة العمل الوطني التي خاضها الإصلاح منذ تأسيسه وإلى اليوم، لاشك أن اﻷحداث كثيرة والتغيرات هائلة منذ إعلان التعددية السياسية كنظام حكم لدولة الوحدة تلك اللحظة التي وجد أبناء اليمن أنفسهم أمام تجربة جديدة تتسع فيها مساحة الحرية ويتشكل الوعي بخوض العمل السياسي القائم على تنافس البرامج.
صحيح أن هذه التجربة حديثة ولا تستند على رصيد من الخبرة كما أنها ليست مثالية ولكنها ربما تكون نقطة البداية والخطوة اﻷولى في مشوار طويل ، بكيان استوعب كل شرائح المجتمع من سياسيين وأكاديمين ومناضلي الثورة والعلماء والشباب والمرأة والمشائخ أعلن الإصلاح عن نفسه وعن أهدافه ، كان القفز من الشمولية المطلقة إلى الديمقراطية في بلد مستوى الوعي فيه متدنٍ مسألة غير واقعية فهناك فجوة هائلة ردمها يتطلب جهدا وعملا ضخما.
ولد الإصلاح في مناخ التعددية وخاض غمار المنافسة مع أحزاب ولدت من رحم السلطة فكان الحفاظ على هامش الحرية مقدم على أي مكاسب أخرى وهكذا فعل الإصلاح حين قدم تنازلات لشركائه حفاظا على التوازن ولتسير العربة التي يبدو أنها دخلت مرحلة صعبة تهدد كيانها وتنذر بسقوطها وتفككها ، واللجوء إلى الصراع المسلح بات الخيار اﻷقرب حين أحبطت سوء النوايا كل المحاولات لإطفاء نار الحرب ، ضاقت الخيارات وغاب العقل وحضر الطيش وكان الاختبار اﻷصعب أمام الإصلاح الذي اختار التمسك بالوحدة وعدم التفريط بها وهو ماكان ، لكن جرحاً دامياً خلفته الحرب كان يحتاج إلى من يطببه غير أن عقلية التفرد والاستئثار فاقمته.
وكما شارك الإصلاح في السلطة بالإرادة الشعبية غادرها بصندوق الانتخاب حتى وإن لم يكن هذا الصندوق معبرا عن إرادة حقيقة للشعب ليقدم نموذجاً عن الالتزام بالمنهج الديمقراطي ، خاض الإصلاح غمار العمل السياسي في بيئة معقدة و على الطرف الموازي كان يرسخ فكراً وسطياً ويسهم في صياغة الوعي المنطلق من الثوابت الوطنية.
كان التمترس بالقناعات والايدلوجيا أحد العوامل التي أضعفت أداء اﻷحزاب السياسية التي كان مطلوبا منها حضورا أكثر فاعلية للحد من جموح الحاكم نحو التفرد المفضي إلى الاستبداد فكان من المهم إيجاد أرضية وطنية تلتقي فيها القوى السياسية تحافظ فيها على هامش الحرية وتصيغ رؤية للإصلاح الوطني فكان الحضور المؤثر للإصلاح في المعارضة قد قدم تجربة رائدة في إنتاج معارضة راشدة قدمت مشاريع ورؤى للإصلاح الوطني ثم الانتقال إلى مرحلة أكثر تقدماً بالالتحام بالشعب ورفع مستوى الوعي بالحقوق والحريات حين كانت البلاد تحشر في نفق ضيق من الاستبداد وتجريف هامش الحريات وإفراغ النظام الجمهوري من محتواه.
كان التعالي وإدارة الظهر لكل صوت مطالب بإجراء إصلاحات حتمية خطيئة الحاكم الكبرى التي أزمت اﻷوضاع وفاقمت وضخمت المخاطر المهددة للثوابت الوطنية بنشوء كيانات تستعدي الجمهورية والوحدة وبدل الاستماع لصوت العقل الذي كانت المعارضة في طليعتها الإصلاح تنادي به أصبح التعامل مع أصوات أكثر حدة وتطرفا شمالاً وجنوباً..
انفجر بركان الغضب الشعبي وكان الإصلاح حاضرا وبقوة في صف الشعب وإلى جواره وبرغم الجراح الا أن الخروج اﻵمن بالوطن كان هدفاً سعى الإصلاح إليه حتى لا تنزلق البلد للأسوأ فكان جزء من التسوية ونقل السلطة ثم الحوار الوطني الذي شارك فيه بحيوية وبأفق مفتوح وقدم رؤاه والتزم بمخرجاته التوافقية . وحين تم الانقلاب على الدولة والتوافق الوطني كان الإصلاح في المكان الذي يليق به مساندا للدولة مقاوما للانقلاب عليها حاشدا كل طاقاته في الدفاع عنها وعن الثوابت الوطنية وكان لذلك كلفة كبيرة قدمها بقوافل من الشهداء من قادته وكوادره واستهداف لكل مؤسساته ونشطائه.
ومع كل تلك المتغيرات واﻷحداث أثبت الإصلاح بما لا يدع مجالاً للشك أنه كيان وطني راشد تعامل مع مختلف القضايا بأفق وطني بعيدا عن المكاسب الصغيرة وبرغم حجم الاستهداف له إلا أنه بقى متماسك البناء واضح الرؤية جمهوري النهج وحدوي المسار متوازن في خطابه يخوض معركته الوطنية في إطار الدولة ومؤسساتها ويضبط علاقاته مع شركاء العمل الوطني وفق المصالح العلياء للوطن ..