استكمالاً لمشروعها الطائفي وتفريغ مؤسسات الدولة من دورها، وإعادة تفصيلها بما يخدم مصالح عائلة الحوثي والموالين لها، أقدمت المليشيات الإرهابية على إجراء تغييرات خطيرة في قانون السلطة القضائية النافذ وحقوق المحامين.
الإجراء الحوثي الخطير، الذي حاولت إضفاء مشروعية زائفة عليه عبر إقراره من خلال من تبقى من أعضاء مجلس النواب الخاضعين لسيطرتها وتحت سلطتها القهرية في صنعاء، منح مهدي المشاط صلاحيات لتعيين القضاة، وصادر حقوق المحامين لصالح وكلاء الشرعية والعناصر الحوثية المتخصصة في المتاجرة بقضايا الناس وحقوقهم.
عدوان همجي
وقوبلت الإجراءات الحوثية بانتقادات واسعة من المحامين خاصة في صنعاء، وذلك قبل أن تتضح جميع تفاصيل المجزرة التي ترتكبها المليشيا الإرهابية في أهم مؤسسة بالدولة، التي يُفترض أن تكون مستقلة تماماً وأن تعمل على تحقيق العدالة بين الناس، حكاماً ومحكومين.
وسبق أن أعلن نادي القضاء ورئاسة الجمهورية عن خطورة التعديلات التي أقدمت عليها مليشيا الحوثي، ومحاولتها شرعنتها وفرضها في مناطق سيطرتها.
وفي هذا التقرير يرصد "الصحوة نت" الانتقادات الموجهة من المحامين للتعديلات الحوثية الخطيرة على قانون السلطة القضائية، خاصة فيما يتعلق بمهنة المحاماة.
اعتبر الدكتور والمحامي أحسن رعدان ما أقدمت عليه مليشيا الحوثي من محاولة تغيير لقانون السلطة القضائية بأنه "عدوان همجي وبربري، وعلى رأسه التعديلات التي تمس مهنة المحاماة"، مشيراً إلى أن ذلك يفقد القضاء استقلاله ويستهدف حرية المحامين الموكل إليهم الدفاع عن موكليهم.
وقال رعدان: "إن هذه التعديلات غير مسبوقة، ولم يُشهد لها مثيل في أي مكان في العالم".
وأضاف أن المادة المضافة في مشروع القانون المقدم لمجلس نواب صنعاء لإقراره تلزم قضاة المحاكم بإيقاف المحامي عن عمله لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، والتعميم في محاكم ونيابات الجمهورية إذا قدّم، حسب وصف المشروع، "دفعاً كيدياً".
مشروع ديكتاتوري
بدوره طالب المحامي هاني الإدريسي نقابة المحامين اليمنيين ونادي القضاة بالتدخل العاجل والفوري للتصدي لهذه التعديلات وتقديم الطعن الدستوري في حال إقرارها، مشيراً إلى أن "هذا المشروع يهدد حقوق المحامين ويمس باستقلالية مهنة المحاماة والقضاء معاً".
وشدد الإدريسي على ضرورة "التصدي لهذه التعديلات وإطلاق حملة توعية للرأي العام وأعضاء النقابة بخطورة هذا المشروع على مبدأ سيادة القانون والعدالة".
وأكد أن "مهنة المحاماة في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي تُقتل، ويُقتل معها العدل على أيدي سلطات الدين، وهذا يتعارض بشكل صارخ مع المبادئ الأساسية للعدالة وحق الدفاع".
وأوضح الإدريسي أن "المحامين هم أحد أعمدة النظام القضائي، ووظيفتهم تتمثل في الدفاع عن حقوق المتقاضين وضمان تمثيلهم القانوني بشكل قوي وعادل، وتجريم المحامي لمجرد قيامه بواجبه في تقديم دفوع للدفاع عن موكله يعد انتهاكاً لحق الدفاع المكفول قانوناً ودستورياً".
وأكد محامٍ آخر أن مجلس النواب الخاضع لسيطرة مليشيا الحوثي لم يعد مؤسسة تشريعية تحترم نفسها، بل صار أشبه بقسم شرطة مهمته تمرير القوانين القمعية والقرارات التعسفية التي تخدم الجماعة الحاكمة.
ودعا إلى اجتماع عاجل للجمعية العامة لنقابة المحامين لاتخاذ موقف حاسم إزاء ذلك، فضلاً عن تقديم دعوى دستورية لإلغاء التعديل أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الخاضعة لسيطرة المليشيا.
إخلال بالدستور
من جهته، أكد الدكتور عبدالكريم الصوملي، أستاذ القانون بجامعة صنعاء، أن مشروع القانون الذي تحاول المليشيا فرضه "يمثل إخلالاً صارخاً بمبدأ دستوري، إذ يتعدى على حق الدفاع والمواجهة، ويعتدي على استقلال المحامي عن القضاء ويضغط على نقابة المحامين وقانون المحاماة المنظم لها".
وأوضح الصوملي أن "النقابة هي الجهة المختصة بالرقابة على المحامين وأفعالهم، وإصدار العقوبات عليهم تصل إلى شطبهم من سجل المحامين. بالإضافة إلى أن السلطة القضائية لها رقابة شرعية ومشروعة لا تؤدي إلى مصادرة استقلال المحامين وسلطة نقابة المحامين عليهم. وإن ثبت عليه جرم، فهناك إجراءات قانونية محددة توضح كيفية معاقبته".
وأضاف: "مشروع كهذا يعد مخالفاً للدستور ويهدف إلى تكميم الأفواه، وهو من النصوص الاستبدادية"، داعياً سلطات الجماعة إلى "الرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل".
وأضاف الصوملي: "نعيب على من أسس وصاغ هذا النص وأصر عليه ليستبد، ومن صوت عليه من مجلس النواب (الخاضع للمليشيا)، الحامي للحقوق والحريات الأساسية للشعب اليمني".
وخاطب الصوملي أعضاء البرلمان الخاضعين للمليشيا قائلاً: "أنتم أصبحتم غير أمناء على الشعب وحقوقه وحرياته. اتقوا الله والأمانة الملقاة عليكم، والله المستعان على ما تعملون".
استهداف مستمر للقضاء
بدوره، أكد المحامي عبدالباسط غازي أن مشروع التعديلات الحوثية هو "منهجية السلطة الحاكمة لإعادة الشعب إلى زمن الحاكم الفقيه صاحب القاوق، الذين سمّاهم المشروع العلماء، وأن يكون أبوه وجده وسيده قاضي".
وأضاف: "أرادوا أن يوصلونا إلى أن يكون من شروط القاضي أن يكون سيداً ومن أسرة مشهورة بالفقه، فقط."
وتابع غازي: "هي نفس مطالب وزرائهم السابقين الذين اشترطوا لقبول طلاب المعهد العالي للقضاء أن يكون ابن ناس ومن أسرة شريفة، يعني هاشمي بالمختصر، أما دونهم فليسوا شرفاء ولا أبناء ناس".
وقال المحامي المقيم في صنعاء: "استهداف القضاء بدأ بتشكيل المنظومة العدلية، ثم إلغاء وزارة الشؤون القانونية، واليوم إلغاء مواد ونصوص القانون لما يخدم بقاء السلالة على منصة القضاء دون غيرها. ومن يعترض من المحامين حتى وإن كان من نفس الفصيل، حال تقديمه دفوعاً بانعدام ولاية القاضي كونه لا يحمل شهادة جامعية ولم يدخل المعهد العالي للقضاء، يُقرر القاضي الفقيه المعمم، حتى وإن كان ضابط أمن خفي أو مخابراتي، بمنع المحامي من مزاولة المهنة لمدة خمسة أشهر إلى سنة تحت مبرر تقديم دفوع كيدية".
الحاكم الفقيه
وتابع: "دمّروا كل شيء جميل... والآن يدمرون السلطة القضائية... عزائي للقضاة الأجلاء الذين قضوا أعمارهم في دراسة كتب الفقه والقانون وكتب كلية الشريعة ومجلدات المعهد العالي للقضاء والبحوث والأحكام الفقهية والقواعد القضائية".
وأوضح المحامي غازي أن تمرير مثل هذا القانون يعني أن القضاة الأجلاء "سيتم عزلهم قريباً، وسيتم جلب فتيان وشباب درسوا العلوم الشرعية في أقبية جامع الصالح، وحضروا دورات توعوية، وحفظوا الملازم عن ظهر قلب، ليعتلوا منصة القضاء ويحكموا بأحكام مالك الأشتر فقط... فإذا قدم المحامي دفعاً قانونياً، قالوا: 'ما في وصية الإمام علي دفوع، وهذا دفع كيدي عقوبته المنع لمدة سنة'".
وأكد غازي أن الجماعة "يتحكمون في مهنة المواطن... فالمحاماة مهنة مثلها مثل المهندس والنجار والتاجر وغيرها من المهن الحرة، فمالكم والتدخل في أرزاق الناس ومهنهم؟ فهم ليسوا موظفي دولة".
وكان نادي قضاة اليمن، أعلن رفضه القاطع لانقلاب مليشيا الحوثي، على القضاء اليمني ومحاولتها لإعادة نظام الإمامة البائد عبر بوابة القضاء، مشيرا إلى أن ما قامت به المليشيا الإرهابية يمثل انقلاباً على حجية الحكم الدستوري والمكتسبات الوطنية التي تحققت بعد ثورة 26 سبتمبر.
ووصف نادي القضاة مشروع قانون الحوثيين بـ"المذبحة القضائية" والانقلاب الكامل على العدالة، مؤكداً أن القانون الحوثي ليس سوى محاولة شيطانية لتدمير ثوابت ومبادئ سلطة الحقوق والحريات والكرامة، مؤكدا أن المليشيا الإرهابية تسعى عبر هذا المشروع إلى إعادة نظام الإمامة من خلال القضاء، باستخدام أساليب كانت سائدة في عصور الظلام.