تَشبّع الإصلاح بإرث ثقافي وتاريخي من عراقة الحضارة اليمنية وثقافتها السلوكية، ونهل حد الارتواء بالمنهج السماوي الرباني حيث الإيمان يمان والفقه يمان، والحكمة يمانية.
وقدمت اليمن دولة تمددت مساحة، ونبغت علما وثقافة، وتميزت رقيا وحضارة؛ ألا وهي دولة بني رسول التي كانت عاصمتها تعز، ويُدْعَىٰ لسلطانها في الحرم الشريف.
أما تاريخا فقد انفتح اليمن كشعب ــ له حضارته ــ على الدنيا عبر كل التاريخ والعصور، فكان أن شرّق وغرّب، حيث امتد حضوره على ضفاف دجلة والفرات، فكان لِلّخَمِيّين الذين جاؤوا من اليمن مُلْك وحضور هناك، و َرفت بلاد الشام القوم اليمانين الذين أهدتهم إياهم اليمن والذين عُرفوا باسم الغساسنة ــ لأنهم نزلوا على ماء يسمى غسان ــ وكان لهم مُلْك وسلطان، وانتشر اليمانون في قلب الجزيرة العربية، كما عرفهم شمال أفريقيا. ولما جاء الإسلام، وكانت فتوحاته شارك اليمنيون تلك الفتوحات، فلا غرابة أن تجدهم في السند والهند وسمرقند، أو تلقاهم في بلاد الأندلس.
ومن لا يعرف فتح جنوب شرق آسيا ونشر الإسلام هناك من خلال التجار اليمنيين، الذين قَدّموا صورة مشرقة في التعامل ــ وبالأخص الحضارم؟
لم يتقوقع اليمنيون في يوم من الأيام على أنفسهم فثقافتهم جَبَلتهم على الانفتاح مع الآخر، وظل ذلك ديدنهم، فجاء الإسلام وعزّز هذه الثقافة، بل وزودها بالروح الرسالية التي لا تحصرها الجغرافيا.
الفترة الوحيدة التي تقوقع فيها اليمنيون هي أيام التسلط الإمامي الكهنوتي الذي حول ما كان يعرف باليمن الشمالي إلى سجن كبير؛ ليحرمهم من التعليم، والثقافة، والصحة، والعدل والحرية، وفرص العمل، بل وحرمانهم من انتاجهم الزرعي، وكذا سائر الخدمات، واختصارا حرمهم من الحياة، وهو ما يسعى له الإماميون الحوثة اليوم.
هذا الانفتاح التاريخي، والرسالي ترجمه الإصلاح في انفتاحه على الناس، وسرعة بناء العلاقات مع مختلف المكونات، والتعايش مع الآخر بصدق، حدّ وصف الآخر الإصلاحَ ــ لسلاسة خلقه، وسرعة إقامة العلاقات مع الآخر ــ بأن فيهم كثير من البساطة، ولا يزعج الإصلاح هذا الوصف، بل يراها الفطرة السليمة.
من أكثر ما مَيّز الإصلاح، أنه لم يحمل السلاح في وجه الدولة، ولا استخدم العنف وسيلة، رغم محاولات الاستدراج التي وُضِعَت أمامه، والاستفزازات الكثيرة التي كانت تستهدفه ظلما وزورا.
الإصلاح أُفُقُه واسع، ويعيش في فضاء نقي مفتوح، ولا يدّعي هذه الميزة تَخَرُّصا، ولكن يؤيد هذا دخول الإصلاح في تحالفات حكومية، وفي تكتل حزبي سياسي تمثل باللقاء المشترك، وكان في مؤتمر الحوار الوطني حاضرا بحيوية، ولعله المكون الوحيد الذي لم يعلق حضوره ولم يهدِّد بالتعليق حرصا منه على نجاح سير أعمال المؤتمر والخروج بنتائج تلم الشمل، وتنقذ الوطن.
يعمل الإصلاح بتلك الآفاق وذلك الفضاء تحت ضوء الشمس، ومواقفه كذلك، ولعله المكون السياسي الوحيد أيضا الذي لم يتلكأ، ولم يتلجلج في موقفه الصريح والصارخ تجاه انقلاب 21 سبتمبر، وفي وقت مبكر جدا.
يبقى الواجب على الإصلاحيين والإصلاحيات، ومناصريه، وكل الأحرار ـ في ذكرى تأسيس الإصلاح- تعزيز عزائمهم، وتعزيز انفتاحهم الودود لمواجهة أعداء الحرية، والعقيدة، والهوية، والعمل مع الجميع لبناء يمن الإيمان، والعدالة والسلام.