انتهاكات متواصلة وجرائم مستمرة طالت معظم فئات وشرائح المجتمع في محافظة إب من أكاديميين وتربويين وأطباء وناشطين سياسيين وحقوقيين وإعلاميين ونساء وأطفال، إضافة إلى الانتهاكات بحق المنازل والمنشآت والممتلكات التي تعرضت للاعتداء من قبل المليشيا الحوثية، وتنوعت الانتهاكات بين القتل والاختطاف والتعذيب والاقتحامات والنهب والسطو على المنازل والمنشآت الخاصة والعامة.
ولا يكاد يمر يوم على المحافظة المسالمة دون أن تشهد انتهاكا جديدا بحق أبنائها الذين يعيشون أوضاعا صعبة في مختلف المجالات، حيث باتت تلك الجرائم والانتهاكات شبه يومية لا تتوقف، لتتحول محافظة إب الشهيرة باللواء الأخضر وعاصمة اليمن السياحية، إلى عاصمة للانتهاكات والجرائم الحوثية التي تنغص حياة المواطنين وتحولها إلى رعب وخوف، نتيجة امتهان مليشيا الحوثي لكرامة المواطنين في جميع مناطق ومديريات المحافظة.
توزيع عادل للانتهاكات
وقد شهدت محافظة إب خلال العام الماضي 2023 سلسلة من الجرائم والانتهاكات الوحشية التي اعتادت المليشيا الحوثية على ممارستها بحق المواطنين والتي طالت الآلاف منهم بمختلف مديريات المحافظة، فقد تمكنت منظمة "رصد" للحقوق والحريات، رغم القيود التي تفرضها مليشيا الحوثي، من توثيق ورصد عدد من جرائم مليشيا الحوثي بحق المواطنين، على الرغم من عمليات الترهيب والقمع التي يتعرض لها الضحايا جراء إبلاغ الراصدين لتلك الجرائم والانتهاكات.
ووفقا لتقرير منظمة رصد للحقوق والحريات، فإن عدد الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها المليشيا بحق المواطنين بمختلف مديريات محافظة إب بلغ 6482 جريمة وانتهاك، شهدتها المحافظة خلال العام 2023م فقط.
ولم تقتصر الانتهاكات والجرائم التي شهدتها إب خلال العام الماضي على منطقة دون منطقة أو شريحة دون أخرى، بل طالت تلك الانتهاكات كل فئات وشرائح المجتمع، ووصلت إلى كل مديريات المحافظة، حيث توزعت بين القتل والإصابة والاختطافات والجبايات والتعذيب والسطو والاعتداءات والنهب والقمع والتنكيل والسرقات واقتحام المدارس والمساجد والتهجير ونهب المسافرين، وعمليات الدهس بأطقم وسيارات عناصر المليشيا.
أخطر الجرائم وأبرزها
وتعد جرائم القتل والإصابة أبرز الجرائم التي انتشرت بشكل كبير في محافظة إب، خلال السنوات الماضية، بعد سيطرة المليشيا الحوثية على المحافظة.
وبحسب تقرير منظمة رصد للحقوق والحريات، الذي أصدرته قبل أسابيع قليلة، فقد تم تسجيل 377 جريمة قتل وإصابة في جميع مديريات المحافظة، خلال العام الماضي، وهو رقم تقول المنظمة إنه أقل بكثير من الأرقام الحقيقية على أرض الواقع.
ويفيد التقرير أنه تم رصد مقتل 144 شخصًا وإصابة 233، من بينهم نساء وأطفال وكبار في السن، في ظل فلتان أمني مروع تشهده المحافظة، لترتفع معه معدلات الجريمة وأعمال القتل والنهب والسطو على ممتلكات المواطنين، إذ عادة ما تقع تلك الجرائم نتيجة ممارسات المليشيا وعناصرها أو بسبب نزاعات مسلحة بين عناصر وفصائل حوثية تودي بحياة مدنيين، وأخرى على خلفية نزاعات على أراض وعقارات، ونزاعات شخصية تغذيها المليشيا، وعادة ما تأخذ حالات كثيرة شكل الفوضى الأمنية والحوادث التي تُسجل ضد مجهولين بسبب انتشار السلاح والذي زاد بشكل لافت بعد اجتياح المليشيا الحوثية للمحافظة، حيث زاد مع انتشار السلاح إلى جانب غياب القانون وهشاشة السلطة ارتفاع نسبة القتل إلى نسبة كبيرة.
اختطافات وتنكيل
جرائم الاختطافات التي تشهدها المحافظة كان لها نصيب كبير من الأرقام التي سجلتها إحصائية المنظمة، حيث ذكر التقرير رقما قياسيا مقارنة بالأعوام السابقة التي سجلت فيها أرقاما أقل للجريمة ذاتها، فقد كشف التقرير عن اختطاف مليشيا الحوثي 452 شخصًا، شملت العديد من فئات المجتمع من بينهم أطفال تم اختطافهم بأهداف متعددة، مشيرًا إلى تعرض المئات من المختطفين لعمليات تعذيب نفسية وجسدية مروعة داخل السجون الحوثية بالمحافظة.
كما رصد تقرير منظمة "رصد" الحقوقية، تسجيل 6 حالات تعذيب لمختطفين داخل سجون المليشيا الحوثية بعضهم فارق الحياة نتيجة عمليات التعذيب الشديد الذي يتعرض له المختطفون وبمختلف وسائل وأساليب التنكيل التي كشفتها وتحدثت عنها تقارير حقوقية، فضلا عن متاجرة مليشيا الحوثي بمعاناة المختطفين ورفضها الإفراج عن أي مختطف إلا بمقابل مادي، الأمر الذي اتخذته المليشيا كنوع من طرق التكسب والابتزاز، وصلت في بعض الحالات إلى عشرة ملايين ريال، بحسب شهادات وروايات بعض الضحايا الذين تحدثوا لـ"الإصلاح نت"، الأمر الذي ساهم في رفع وتيرة الاختطافات في المحافظة.
مداهمات وسطو على المنازل
جنون المليشيا الحوثية وإيغالها في الإجرام دفعها لتوسيع نطاق الجرائم والانتهاكات في المحافظة، إذ دأبت مليشيا الحوثي على التنكيل بالمواطنين بشتى الوسائل، والتي من بينها اقتحام المنازل والسطو عليها أو نهبها أو ترويع الآمنين فيها من النساء والأطفال، وهو الأمر الذي تكرر كثيرا في العديد من مناطق ومديريات المحافظة، كرسالة للسكان غرضها التخويف ونوع من استعراض العضلات وإرهاب المواطنين.
ورصد تقرير المنظمة (65) جريمة من جرائم الاقتحامات والمداهمات التي تنفذها عناصر المليشيا للمؤسسات والمرافق الحكومية والمؤسسات الخاصة ومنازل المواطنين، إضافة إلى (28) جريمة نهب نفذتها المليشيا، و13 حالة سطو، وإحراق لمنازل وسرقة سيارات بـ19 حادثة، فضلا عن وقوع 105 حالات سرقة مختلفة طالت المنازل ومحال تجارية ومواطنين وسيارات وممتلكات مختلفة، خلال الفترة التي رصدها التقرير.
ويشير التقرير إلى أنه رصد 11 انتهاكًا طال دور العبادة والمساجد التي لم تسلم هي أيضا من موجة تلك الانتهاكات، إصافة إلى إغلاق مدارس التحفيظ ومصليات النساء في مساجد مدينة إب، فضلا عن استغلال الخطاب الديني لنشر الأفكار الطائفية وتغيير الخطباء والأئمة بما يتوافق مع الخطاب الذي اعتمدته المليشيا الحوثية والذي تهدف من خلاله لنشر المذهبية وتنشئة الأجيال وفقا لمعتقداتها الطائفية، وإحلال ثقافة دخيلة في المجتمع بما يساعدها على تجنيد طلاب المدارس وصغار السن واستقطابهم للقتال في صفوف المليشيا.
نهب وسلب ونزوح
كما رصد التقرير جرائم أخرى من الجرائم التي برعت فيها المليشيا الحوثية واشتهرت بها منذ دخولها المحافظة وإحكام قبضتها عليها، حيث تعتبر الجبايات والفيد من الجرائم التي عرفت بها المليشيا لا سيما في محافظة إب، فقد نشطت مليشيا الحوثي في فرض الجبايات والإتاوات على أبناء المحافظة لتطال المؤسسات والمرافق المختلفة والمستشفيات والجامعات والمحال التجارية والبسطات وغيرها التي أصبحت هدفا مشروعا لتوجيه عناصر المليشيا لنهبها وفرض الجبايات على أصحابها، حيث رصدت المنظمة 2289 حالة جباية طوال العام الماضي، استهدفت تجار ووجهاء وصولا إلى المواطنين والطلاب في المدارس، تحت مسميات عدة، وبوسائل التهديد التي طالت مئات التجار، الأمر الذي أجبرهم على دفع مبالغ كبيرة للحوثيين.
ويلفت التقرير إلى وفاة 11 شخصا جراء الرصاص الراجع بمختلف مديريات المحافظة نتيجة لفوضى السلاح التي تشهدها المحافظة، إضافة إلى 15 حالة عبث بالسلاح أدت لسقوط قتلى وجرحى، بالإضافة إلى رصده 17 حالة عنف أسري شهدتها المحافظة خلال العام الماضي، مشيرًا إلى أن ثقافة العنف التي تعمل المليشيا على إحلالها في المجتمع والإفلات من العقاب شجعت على تفشي وزيادة ظاهرة العنف الأسري، كما رصد التقرير تسجيل 14 حالة انتحار خلال العام الماضي، غالبيتها تتعلق بتردي الأوضاع المعيشية.
كما رصد التقرير المئات من الجرائم التي من بينها "السرقات والاعتداءات ونهب المسافرين وتهجير وقمع وتنكيل بالناشطين والإعلاميين واختطافهم، فضلا عن جرائم اقتحامات طالت مدارس حكومية، وإقالات لمدراء مدارس واستبدالهم بعناصر حوثية أو موالين لها، واستخدام المدارس وجامعة إب وجامعات خاصة، كمنصة لإقامة فعاليات حوثية ونشر أفكار المليشيا".
كما يلفت التقرير أيضا إلى عمليات النزوح التي شهدتها المحافظة خلال العام الماضي، والتي يذكر أنه تم نزوح 447 أسرة من المحافظة تتألف من 2406 أفراد، خلال الفترة بين 1 يناير وحتى 31 ديسمبر 2023، مرجعا أسباب النزوح إلى الهروب من جرائم مليشيا الحوثي والملاحقة، إضافة إلى البحث عن فرص عيش أفضل، نتيجة لتردي الأوضاع المعيشية، وانعدام فرص العمل وانقطاع الرواتب.
سخط مجتمعي
الجرائم والانتهاكات التي تمارسها المليشيا الحوثية بحق أبناء المحافظة كسلاح ممنهج لإسكاتهم كانت سببا لحالة من السخط الشعبي المتنامي ضد جرائم وانتهاكات الحوثيين الذين تسببوا بمعاناة كبيرة وأوضاع اقتصادية صعبة.
ويقول ناشطون في المحافظة إن السخط الشعبي في محافظة إب يتنامى بسبب جرائم المليشيا، واستدلوا بالصورة العفوية التي رسمها أبناء إب في جنازة الشهيد حمدي عبد الرزاق "المكحل" عندما هبوا للمشاركة في التشييع، ووجدوها فرصة للتعبير عن رفضهم لتواجد المليشيا ورفعوا شعارات مناهضة للمليشيا وجرائمها، كما هو الحال في أكثر من محافظة.
وبحسب الناشطين فإن المليشيا الحوثية ومنذ اقتحامها للمحافظة عملت على إحلال الفوضى وصنعت واقعا بئيسا ووضعا اقتصاديا مزريا يصعب تحمله، لا سيما بعد أن فقد كثيرون وظائفهم ومصادر دخلهم، ناهيك عن الانتهاكات المتكررة بحق أبناء المحافظة، فالكرامة بنظر الكثير من أبناء المحافظة هي أغلى ما يملكون.
إرهاب متجدد
واستمرارا لتلك الجرائم والانتهاكات وتأكيدا للنهج ذاته ذكرت مصادر إعلامية في وقت سابق من العام الجاري أن قيادياً حوثياً يٌدعى أبو نصر الرازحي المعين في منصب نائب مدير أمن إب أصدر توجيها إلى إدارة قسم الشرطة يقضي باعتقال أحد ملاك الفنادق السياحية ويدعى عثمان الباشا، على خلفية مطالبته لأحد أقارب القيادي الرازحي بدفع مستحقات كإيجار مقابل سكنه مع عائلته القادمة من محافظة صعدة والذي بقي مع أسرته لأكثر من أسبوع في الفندق، حيث سارع القيادي الحوثي المقالح المعين من قبل المليشيا مديراً لقسم شرطة "الشعاب" في مدينة إب، برفقة مسلحين على متن دورية فور تلقيه التوجيه إلى اعتقال مالك الفندق، ليقوم باعتقاله وإيداعه السجن وفق ما أكدته المصادر، بالإضافة إلى تعرض مالك الفندق لعقوبة السجن مع اشتراط عناصر أمن المليشيا عدم الإفراج عنه إلا بدفع غرامية مالية نتيجة تقديمه شكوى ضد المقرب من القيادي الرازحي المنحدر من صعدة (معقل المليشيا)، حيث فوجئ في اليوم التالي بخطفه على يد مسلحي المليشيا وإيداعه السجن.
هذه الحادثة سبقها بأيام قيام القيادي الحوثي البارز والحارس الشخصي السابق لزعيم المليشيا الحوثية أبو علي الكحلاني المعين من قبل المليشيا مديرا لأمن محافظة إب، بإصدار أمر قهري بالقبض على نجل شيخ قبلي من مديرية بعدان يُدعى رصاص يحيى علي الجبري، على خلفية احتجاجه على عرقلة عناصر المليشيا للسير في وسط شارع رئيسي في مدينة إب.
وشكا رصاص الجبري في مقطع مرئي، نشره على حسابه في "فيسبوك" من قيام العناصر الحوثية بالاعتداء عليه، ثم معاودتها إطلاق الرصاص أثناء وجوده مع ابنته الصغيرة بالقرب من مشفى خاص وسط المدينة، وتهديده عبر رسائل نصية بمواصلة ملاحقته، واقتحام منزله والقبض عليه، وإيداعه السجن لتأديبه.
وقبل أيام، هدد قيادي حوثي يدعى فارس عائض المصنعي، المنحدر من محافظة عمران، أبناء مديرية "السياني" بمحافظة إب باستقدام مجاميع مسلحة لاستخدام القوة ضدهم، بعد رفضهم السماح له بإنشاء كسّارة في "وادي نخلان"، بحسب مصادر إعلامية.
يأتي هذا التهديد في سياق حملة متزايدة من الانتهاكات التي تمارسها عصابة الحوثي ضد المواطنين في محافظة إب وسط اليمن.
وقالت مصادر محلية ان مشروع الكسّارة، الذي يعتزم المصنعي إقامته بالقوة، أثار غضب أهالي مديرية السياني، الذين أبدوا رفضهم القاطع له، نظراً لما سيتسبب به من أضرار جسيمة على البيئة وعلى حياة المواطنين، إضافة إلى ما سيتسبب به من تدمير الأشجار والمحاصيل الزراعية، وأيضا التأثير السلبي على صحة الإنسان والماشية بسبب الضوضاء والتلوث البيئي الناتج عن نشاط الكسّارة.
ورغم التحذير والرفض المتكرر من قبل الأهالي للمشروع بسبب خطورته، إلا أن القيادي الحوثي لم يكتفِ بتعنته فحسب، بل تهكّم عليهم بطريقة سوقية، ولهجة مناطقية متعالية، معبّراً عن ازدرائه لأبناء محافظة إب، مؤكداً نيته بالمضي قُدماً في تنفيذ مشروعه بالقوة إذا تطلب الأمر، وفق تسجيل صوتي تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي.