الراشد.. عندما تصبح الدعوة فنا وجمالا

الراشد.. عندما تصبح الدعوة فنا وجمالا

على مدى عقود متتابعة انجزت المكتبة الدعوية عددا كبيرا من العناوين والكتب والمؤلفات التي انعكست على المسار الدعوي وعيا وترشيدا وتنظير وتخطيطا وصار العمل الدعوي بفضلها أكتر تنظيما وأقوى فاعلية وأوسع انتشارا.

غير أن جزءا كبيرا من هذه المؤلفات جعلت غاية جهدها حشد أكبر قدر ممكن من المفاهيم الدعوية بصيغة تقريرية مباشرة. وأعلت من شأن الكم على حساب الكيف. وجعلوا بينها وبين كتب الفقه نسبا من الخشونة ويباس القول. فجاء خطابها جافا مفتقرا إلى اللغة العذبة والكلمة الرقيقة والأسلوب الجميل الذي يخاطب العقل والقلب معا.

وفي مقابل ذلك برز كتاب آخرون. جمعوا بين قوة الفكرة وعذوبة الكلمة. وبين نبل المقصد وروعة الأسلوب. وبين جلال العقل وجمال النفس وبين العلم والفن. فجاءت مؤلفاتهم حدائقَ ذاتَ بهجةٍ. وكانت أكثر حضورا وأوسع مدى وأبلغ تأثيرا في الخطاب الدعوي المعاصر. ومن هؤلاء الكتاب الشيخ محمد الغزالي. والدكتور فريد الدين الأنصاري والأستاذ محمد أحمد الراشد. رحمهم الله جميعا. والذين مثلوا امتدادا لمدرسة البيان الدعوي التي أرسى دعائمها الإمام محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية الذي قدم في ذلك مجموعة من العناوين المدهشة مثل مدارك السالكين وطريق الهجرتين وأسرار الصلاة وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.

ومن خلال قراءاتي المتواضعة في المنجز الدعوي لهؤلاء جميعا أجد كتب الأستاذ محمد أحمد الراشد أقرب إلى قلبي وإلى فهمي المتواضع. فقد استوعب رحمه الله منجز من سبقوه وأفاد منه كثيرا. وراح يستكمل ما رآه من قصور في الفكرة أو التواء في الأسلوب. وأضاف إلى ذلك أسلوبه المتميز في اختزال الفكرة وتكثيفها وتشعير الخطاب الدعوي. وجعله جنسا من الأجناس الأدبية. وضربا من ضروب الجمال البياني. وهو مع استغراقه في بث فنون الإدهاش الأدبي في ثنايا كتبه؛ لم يأت بكل ذلك على حساب الفكرة. فكل مافعله ـ بالمختصر المفيدـ أنه جعل من اللغة العذبة والأساليب الجمالية أوعية أمينة لنقل الفكرة وإيصالها إلى القارئ الكريم شهدا صافيا يجمع إلى حلاوة الطعم ولَذته  عظيم الفائدة وغلاء القيمة وجمال الشكل والمضمون. ويتجلى ذلك في عناوينه المتأخرة مثل المسار وصناعة الحياة ورسائل العين وآفاق الجمال أكثر مما يتجلى في المؤلفات السابقة كالمنطلق والعوائق والرقائق.

رحم الله الأستاذ عبدالمنعم صالح العلي الذي اتخذ من اسم محمد أحمد الراشد اسما حركيا له لأسباب لم يفصح عنها. فقد كان صالحا وعليا ومحمودا وراشدا. وخلف للمكتبة الدعوية جواهر فكرية وأدية خالدة. ستكون محطات لأجيال وأجيال من قوافل الدعاة السائرين إلى الله.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى