منذ منتصف ثمانينيات القرن الفائت وحتى بداية العشرية الثانية من القرن الحالي. كانت صحيفة الصحوة تمثّل موعدا أخضر يتفيؤ ظلاله عشاق الصحافة الورقية نهاية كل أسبوع ظلالاً من البهجة، وأنسامًا من الفرحة، وتجلياتٍ باذخة للكلمة الحرة التي تحمل على عاتقها مهمة أن يكون الإنسان إنسانا بكل ما للكلمة من معان ودلالات.
ولقد كانت الصحوة بأعمدتها وصفحاتها المختلفة وبكتّابها المتميّزين شارة تعافٍ كبرى في الصحافة اليمنية. فهي معنية برصد المشهد اليمني بتجلياته المختلفة بعيدا عن المغالات والتدجين واستثمار الوقائع والأحداث لأغراض بعيدة عن روح الصحافة ومسئولية الكلمة.
ومايزال ماثلًا في تلافيف الذكرى كيف أنَّ عشاق الصحوة ومتابعيها كانوا يتجمّعون ليلة الخميس في أحد ميادين مدينة الحديدة انتظارا لوصول العدد الجديد من الصحيفة، وكيف كان الزحام على أشده أمام أبواب إحدى المكتبات الشهيرة هناك والمعنية بتوزيع الصحيفة. بل إن الأمر وصل في أحيان عديدة إلى إقامة طوابير وكتابة قوائم حسب أولوية الوصول إلى ساحة المكتبة، ومن شغله شاغل عن الحضور في الموعد المحدد فإنَّه لا يدرك مبتغاه صباح الجمعة التالي بل ورّبما في ساعات الخميس المتأخرة.. فلا عزاء للمتأخرين.
في صفحتها الأولى تفرد الصحوة في كل عدد جديد لها عمودا ثابتًا بعنوان (وللصحوة كلمة). كان هذا العمود هو عتبة الدخول إلى محتويات العدد. وهي عتبة تختزل بشكل كامل تقريبًا مواضيع هذا العدد، والرسالة التي يريد إيصالها إلى القارئ الكريم بلغةٍ تجتمع فيها سلاسة الأسلوب بقوة المنطق. مما يجعل من هذا العمود محطّة أولى شبه إجبارية للقراء. يبدؤون شغفهم القرائي منه، ثم ينطلقون في تصفح مقتنيات العدد من الغلاف إلى الغلاف إن جاز التعبير.
ولقد توالت على الساحة اليمنية أحداث سياسية وعسكرية كبرى توالت تباعًا مثل قيام الوحدة اليمنية وإعلان التعددية السياسية ومعركة الدستور وحرب صيف94، وأحداث جزيرة حنيش، ثم ما تلا ذلك من التحالفات والتكتلات السياسية مثل قيام اللقاء المشترك، وحروب صعدة، وغير ذلك من القضايا الوطنية.
وفي مختلف هذه القضايا كانت الصحافة اليمنية بشقيها الرسمي والحزبي تنظر إلى الأمر من زاويةٍ براجماتية تحكمها النظرة الموقفية والصبغة الإيدلوجية، وتعرض القضايا لا بحقائقها وطبيعتها وإنما بنظرتها وانطباعاتها تجاه هذه القضايا، ولم يكن ذلك خافيًا على القارئ الحصيف الذي يدرك مغزى هذه الأطروحات والهدف منها ومحاولة تجيير ما يحدث لأهداف ضيقة تشتمل على كثير من المغالطات.. وأحيانا من الافتراءات.
وبين هذا الركام كله كان عمود (وللصحوة كلمة) يمثل موقفًا وطنيًا صادقا إزاء مجريات الأحداث. يرصدها بوعي، ويحللها بمصداقية، ثم يردف ذلك بما يراهُ طريقة للحل، ومضمارًا للخروج الآمن من الإشكالات والممارسات الخاطئة، وكل ذلك بلغة هادئة وقورة تحكمها الرؤية الوطنية. لغةً تجمع ولا تفرّق، وتبني لا تهدم. وتضع بلسم الحال قرين كل داء يشير إليه.
وإنّه لمن الفائدة العظيمة أن يعاد نشر هذه المقالات التي عرضها هذا العمود منذ الإنطلاقة وحتى التوقف بين دفّتي كتاب يجعله مُتاحا لكل الذين عايشوا الأحداث الوطنية وكيف كان منبر الصحوة يرصدها ويحللها كلسان حزبٍ له حضوره الكبير على الساحة الوطنية.
وإني لأتمنّى أن يكون القائمون على هذا الكتاب قد وفِّقوا في ترتيبهِ زمنيًّا، ووضعوا قرين كل مقالة تاريخ النشر، والحدث الذي يغطيه بعبارة مفتاحية مختزلة.
كما أتمنّى أن يُنشر هذا الكتاب بكل صيغ النشر المتاحة، وخاصة الإلكترونية منها، وعدم الاكتفاء بالنسخة الورقية، ضمانًا لوصول الكتاب إلى أكبر شريحة من القراء الذين عشقوا الصحوة وأحبّوا كلمتها الصادقة.