تتعامل مليشيا الحوثي مع الجامعات الحكومية في مناطق سيطرتها، كغنيمةٍ تحَصَّلت عليها إثر انقلابها على السلطة في سبتمبر العام 2014. تديرها وتتدخل في شؤونها وتتحكم بها بشكل كامل، وبالوقت والكيفية التي تخدم مشروعها وتحقق مصالحها.
بدأت الانتهاكات الحوثية بحق الجامعات الحكومية في وقتٍ مبكر من وصول المليشيات إلى السلطة، غير أن وتيرة الانتهاكات قد تصاعدت خلال الأربعة الأعوام الأخيرة بشكل كبير وملحوظ، وبأساليب وأدوات مختلفة.
يسلط هذا التقرير الضوء على الانتهاكات الحوثية المرتكبة منذ العام 2020 وحتى اليوم، بدءًا من تغيير بعض المقررات الدراسية وأسماء قاعات الجامعات، مرورًا بمراقبة الطلاب والأكاديميين، وصولًا إلى الاعتداءات الجسدية المباشرة بحقهم.
- التلاعب بالمناهج:
استبدلت مليشيا الحوثي مضامين بعض المقررات الدراسية في الجامعات الحكومية بمضامين أخرى ذات طابع طائفي يروج لمشروعها ويؤصل لفكرها السلالي.
مصادر أكاديمية تؤكد لـ"الصحوة نت" بأن الجماعة فرضت ملازم زعيمها الحوثي كمقرر دراسي في مختلف الجامعات الحكومية، ويتم تدريسه لجميع الطلاب في إطار مقرر "الصراع العربي الإسرائيلي" و"الثقافة الوطنية".
وقالت المصادر إن المليشيا استقدمت مشرفين وتربويين تابعين لها في الجامعات الحكومية لتدريس الطلاب هذه الملازم الطائفية، باعتبارها مقررًا أساسيًا لطلاب المستوى الأول في جميع الكليات والأقسام.
- تغيير أسماء القاعات:
أصدرت المليشيا الحوثية خلال السنوات الأخيرة قرارات تقضي بتغيير أسماء عشرات القاعات الدراسية في مختلف الجامعات الحكومية، واستبدالها بأسماء وألقاب قياداتها الصرعى الذين قتلوا في جبهات حربها ضد الحكومة الشرعية.
ففي جامعة صنعاء، غيرت المليشيا "اسم قاعة المدرج 2 في كلية التجارة إلى قاعة القتيل أمين محيي الدين، والقاعة (ج) إلى قاعة المتوكل، والقاعة 123 إلى قاعة القتيل العوبلي، والقاعة 138 إلى قاعة المؤيد."
وفي جامعة الحديدة، غيرت المليشيا اسم قاعة المدرج الكبير في كلية الآداب إلى قاعة القتيل أحمد دغَّار، وقاعة الحاسوب إلى قاعة القتيل صالح الصمَّاد، وأخرى بأسماء طه المداني والمتوكل والشهيد القائد.
وفي جامعة عمران، قامت المليشيا بتغيير اسم أكبر قاعات الجامعة إلى قاعة الهالك "صالح الصماد"، فيما سمت قاعات أخرى بأسماء قيادات قتلاها أمثال محمد الزعرور، عبدالمجيد غولة، ومجد الدين القطاع.
وفي جامعة ذمار، فقد غيرت المليشيا أسماء أكثر من 25قاعة في مختلف كليات الجامعة، أهمها القاعة الكبرى التي سمتها بقاعة المروَني، وأخرى بالصماد، وعبداللطيف مجلي، وإبراهيم الشامي.. وغيرها.
وحول هذا الموضوع، يقول الناشط الإعلامي "بديع القدسي" بأن المليشات تقوم بتغيير كل ما هو يمني من منطلق إدراكها بأنها إذا أرادت استعباد وحكم الشعب، فعليها محو تاريخه ورموزه وهويته، حتى تأتي أجيال لا تعرف شيئًا عن تاريخها.
ويضيف "إن أسماء قاعات الجامعات تحمل أسماء رموز يمنية تاريخية، وهذه الرموز تعبر عن ثورة اليمن ضد حكم الإمامة الكهنوتي، وكان لها الدور الكبير في القضاء على حكم الإمامة السلالي".
ويشير القدسي، في حديثٍ مع "الصحوة نت"، إلى أن المليشيات تسعى من وراء هذه الخطوات إلى الانتقام من الثورة والجمهورية التي أطاحت بحكم أجدادها، وذلك من خلال محاولتها طمس كل ما يتعلق بهما.
وينوِّه إلى أنها خطوات خطيرة ولها تأثيراتها على المدى الطويل، حيث تهدف المليشيات إلى عزل الطلاب، والشباب اليمني بشكلٍ عام، عن هويتهم الوطنية، وخلخلة انتماء الجيل الناشئ للثورة والجهورية.
- مصادرة أراضي وقاعات الجامعات:
استمرارًا لمسيرة انتهاكاتها المستمرة بحق الجامعات، اتجهت المليشيا إلى مصادرة ونهب أراضي الجامعات الحكومية، بالإضافة إلى تحويل بعض قاعات الجامعات إلى معارض عسكرية وطائفية.
في يوم 26 من شهر مايو الماضي، صدر توجيه من رئيس المكتب السياسي التابع للمليشيا "مهدي المشاط"، يقضي باقتطاع مساحات شاسعة من أراضي جامعة صنعاء لصالح وزارة الصحة التابعة للمليشيا.
وكشفت مذكرة صادرة عن رئاسة المكتب السياسي الحوثي أن مساحة الأراضي المقتطعة من حرم جامعة صنعاء تقدر ب10000 لبنة، ويتم تمليكها لشخصية مجهولة تدعى "عبده هادي".
ولاقى القرار الحوثي ردة فعل غاضبة من قبل الطلاب والأكاديميين والناشطين، الذين اعتبروا ما جاء في مضمون القرار الحوثي مخالفة واضحة وصريحة للقانون اليمني.
وكان قد سبق هذه الحادثة، قيام المليشيا الحوثية بتحويل القاعة الكبرى بجامعة الحديدة، أهم وأكبر قاعة داخل الجامعة، إلى معرض عسكري وطائفي، يتضمن صورًا لقادتها وقتلاها، وقطعًا حربية استخدمتها المليشيات في حربها ضد الحكومة الشرعية.
- مراقبة وتجسس:
أسست مليشيا الحوثي تنظيمًا خاصًا لمراقبة أنشطة الطلاب والأكاديميين في الجامعات الحكومية الواقعة في مناطق سيطرتها، تحت اسم "ملتقى الطالب الجامعي".
مصادر خاصة من داخل التنظيم، قالت لـ"الصحوة نت" إن التنظيم الحوثي يضم أكثر من 1500فرد من الطلاب والمشرفين في مختلف الجامعات، تم تجنيد النواة الأولى منهم على يد جهاز الأمن والمخابرات التابع للمليشيا الحوثية.
وبحسب المصادر، يقوم التنظيم بجمع معلومات طلاب الجامعات والكوادر التعليمية، ومراقبة أنشطة وتحركات كل من يشك التنظيم بمعارضته لسلطة المليشيا، وبالتالي قمعهم واعتقالهم حتى من وسط قاعات الدراسة.
وأضافت المصادر بأن التنظيم يتم تمويله بشكل كامل من قبل المجلس السياسي في سلطة المليشيا، وهو يمتلك صلاحيات في مختلف شؤون الجامعات الحكومية، تفوق في كثير من الأحيان صلاحيات رؤساء الجامعات أنفسهم.
حيث لا تستطيع أي جامعة حكومية أن تتبنى نشاطًا ما أو تتخذ قرارًا مهمًا إلا بعد الرجوع للتنظيم الحوثي وأخذ الموافقة الكاملة منه، في حين يتخذ التنظيم كل قراراته داخل الجامعات دون الرجوع لمسؤولي الجامعة.
- قمع واعتداءات:
لم تتوقف مسيرة الانتهاكات الحوثية بحق طلاب وأكاديميي الجامعات عند المراقبة والتجسس، بل أظهرت عشرات الحالات تنامي الانتهاكات الحوثية إلى ممارسة القمع والاعتداءات الجسدية بشكل مباشر.
آخر هذه الانتهاكات، قيام المشرف الحوثي المدعو عبدالكريم الغرسي بالاعتداء بالسب والضرب المباشر على طالبتين في حرم جامعة صنعاء بسبب محاولتهن تصوير لحظة احتفالهن بحفل التخرج.
يذكر بأن الغرسي عينته المليشيا الحوثية أمينًا عامًا لكلية الإعلام في جامعة صنعاء بالقوة، في حين أنه لا يمتلك مؤهل الثانوية العامة، متجاوزة بهذا كل القوانين المتعلقة بالجامعات والتوظيف.
وتحدث الطلاب في جامعة صنعاء عن عشرات الانتهاكات التي ارتكبها "الغرسي" وحده بحق الطلاب في جامعة صنعاء. مشيرين إلى أن شكاويهم المرفوعة ضده لم تأتِ بنتيجة، وذلك بسبب ضعف موقف رئاسة الجامعة أمام مشرفي المليشيا.
وبحسب طلاب في جامعة الحديدة فإنهم يعيشون هذه الانتهاكات بشكل يومي، بدءًا من دخولهم الجامعة كل يوم، حيث فرضت المليشيا حراسة أمنية، على بوابات الجامعة، تفتش الطلاب وتقيم مظهرهم وملابسهم وتسريحة شعرهم قبل أن يسمح لهم بالدخول.
ويؤكدون لـ"الصحوة نت" بأن الأمر ذاته يحدث مع الطالبات التي يتم تفتيشهن يوميًا على بوابة الجامعة من قبل أمنية نسائية تابعة للمليشيا الحوثية، وقد تمنع أحدهن من الدخول بسبب لون عباءتها.
يشار إلى أنه لا توجد إحصائية رسمية توثق عدد الانتهاكات التي مارستها مليشيا الحوثي في الجامعات الحكومية، غير أننا رصدنا -خلال إعداد هذا التقرير- ما يزيد عن 27حالة انتهاك موثقة منذ العام 2019، وما خفي كان أعظم.
وفي هذا السياق، يقول الصحفي إسحاق الحميري لـ"الصحوة نت" إن هذه الانتهاكات التى ترتكبها مليشيا الحوثي تؤثر سلبًا على العملية التعليمة في الجامعات الحكومية، وعلى الطالب الذي أصبحت الجامعة في نظره سجن كبير.
ويضيف بأن "هذه التعسفات في الجامعات الحكومة ترغم الطلاب على التوجه إلى الجامعات الخاصة لأجل الحصول على جو تعليمي مناسب بعيدًا عن بطش المليشيا وانتهاكاتها.
كما تؤثر على الدكاترة الذي قد وصل الحال بالكثير إلى ترك التدريس في الجامعات الحكومية والاتجاه إما للجامعات الخاصة أو للعمل في مهنٍ أخرى. بحسب "الحميري"
ويعتقد "الحميري" بأن الهدف استثماري في المقام الأول، حيث ترتكب مليشيا الحوثي هذه الانتهاكات في الجامعات الحكومية من أجل توجيه الطلاب نحو الجامعات الخاصة التي تنهب منها مبالغًا خيالية.