بين ليلة وضحاها، تحولت الحياة في تهامة إلى كابوسٍ ثقيل، إثر اجتياح سيول جارفة، في ليل الثلاثاء الماضي، لمناطق تهامية واسعة، من جنوب مدينة الحديدة إلى محافظة حجة شمالي البلاد، مخلفة وراءها دمارًا هائلًا وخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
ووفقا لإحصائيات أولية غير رسمية، فإن نحو 30 شخصا توفوا وتضررت الآلاف الأسرة النازحة، وتدمرت عشرات المنازل، وطُمرت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية جراء السيول التي شهدتها محافظتي الحديدة وحجة، خلال الفترة من 6 وحتى 8 أغسطس الجاري.
مناشدات للمساعدة
ارتفعت أصوات المواطنين ومناشداتهم لسلطات المليشيا الحوثية التي تسيطر على المحافظة، في طلب المساعدة والتدخل العاجل لاحتواء الكارثة، غير أن هذه الأصوات لم تلقَ استجابة حقيقية، حيث اكتفت المليشيا بحصر أعداد الضحايا دون أي تحركات عملية في الميدان حتى اليوم.
وبين سندان الحضور الغزير للسيول والأمطار ومطرقة غياب سلطات المليشيا الحوثية وتجاهلها للكارثة، يعيش أبناء تهامة اليوم واحدة من أكبر المآسي والأزمات الإنسانية في البلاد.
"المشهد مأساوي والكارثة الإنسانية أكبر من أن توصفها الكلمات". كان هذا رد المواطن "يوسف الأهدل" على سؤالنا عن الوضع الحالي الذي تعيشه مناطق تهامة.
يقول الأهدل لـ"الصحوة نت" إن سيول الثلاثاء الماضي أودت بحياة مواطنَين من جيرانه في منطقة الرقود بمديرية زبيد، وفقدان ثلاثة آخرين بينهم طفل، لا يزال مصيرهم مجهولًا حتى لحظة كتابة التقرير.
ويشير الأهدل إلى أن السيول لم تتوقف وأن عشرات البيوت لا تزال غارقة حتى اليوم، بعد مرور ثلاثة أيام من وقوع الكارثة، وسط غيابٍ تامٍ لمليشيات مليشيا الحوثي التي تسيطر على المحافظة.
مؤكدًا بأن ما حصل هو كارثة إنسانية كبيرة لم تشهدها تهامة منذ سنوات، وآلاف المواطنين من أبناء تهامة اليوم في أمس الحاجة إلى التحرك الجاد والفوري لمساعدتهم في تجاوز الكارثة وتبعاتها الثقيلة.
وخلال حديث مع "الصحوة نت"، يروي أحمد رزق، أحد سكان مديرية المراوعة، اللحظات الأولى للكارثة، قائلًا: "استمر المطر ست ساعات وكان الوضع طبيعيًا والسيول خفيفة، لكن وبشكل مفاجئ تبدل المشهد تماما، حيث وصلت سيول ضخمة ومباغتة وجرفت كل شيء يقف أمامها".
ويضيف رزق: "كل البيوت مبنية من الطين وأسعاف النخيل، وهذا ما جعل الكارثة أكبر. ورغم إن بيتي يبعد كثيرًا عن مجرى السيول المعتاد إلا أن السيول هذه المرة وصلت إليه وتهدم الحوش كله وجانب آخر من البيت، كما فقدت دراجتي النارية)".
ويشير "رزق" إلى أنه أقل المتضررين في قريته، حيث أن أكثر من خمسة أسر، بما يقارب 26شخصًا، قد جرف السيل كل ما يملكونه، ويقفون اليوم على أطلال منازلهم التي تهدمت وأصبحت ركامًا.
وفي مدينة الحديدة، تضررت عدة مبانٍ سكنية في شارع الحكيمي وغليل، فيما تهدم منزل بالكامل في حارة سوق الهنود بجوار جامع الخال، وأصبح أهله في العراء بدون مسكن.
سكان محليون يقولون لـ"الصحوة نت" إن المليشيا اكتفت بشفط مياه الأمطار من الشارع الرئيسي في المدينة للتنصل من مسؤوليتها أمام وسائل الإعلام.
ويشكو سكان شارع التسعين وحارات غُليل والمطراق من تجاهل المليشيا لمعاناتهم المستمرة حتى اليوم، حيث أن مياه الأمطار والسيول لا تزال تغطي شوارع وأحياء وحواري المدينة بعد ثلاثة أيام من هطولها.
تهميش وبنية تحتية هشة
كشفت السيول الجارفة التي اجتاحت محافظة الحديدة عن هشاشة البنية التحتية، بل وانعدامها في القرى الريفية للمحافظة، وغياب تام لخطط الطوارئ.
يقول الصحفي "معاذ شجاب" إن الإنسان التهامي منذ زمن بعيد يعيش حالة من الإقصاء والتهميش المتعمد من قبل كل السلطات المتعاقبة على الحكم في البلاد.
ويشير "شجاب" إلى أن المواطن التهامي ببساطته وفقره المعهود يبني بيته بما يتناسب مع قدرته المادية، وهو في الأغلب بيت من الطين وسعف النخيل، إلى جانب أنه يبني بيته بالقرب من مجاري السيول للاستفادة من عيون المياه.
ويوضح "شجاب" بأن هذه العوامل، بالإضافة إلى عدم وجود مشاريع مياه في مناطق تهامة وتقصير الدولة الكبير في عدم بناء السدود الضخمة وقنوات المياه التي تحجز الماء كانت هي السبب الرئيسي في جرف المنازل والمزارع والمصالح التهامية.
فشل في إدارة الأزمة
فشلت مليشيا الحوثي التي تسيطر على 95% من جغرافيا المناطق المنكوبة في التعامل مع كارثة سيول تهامة، بل لم تتخذ أي خطوات أو إجراءات ملموسة على أرض الواقع تجاه الوضع.
وتقول الحكومة الشرعية إن سيطرة المليشيا الحوثية على المناطق المنكوبة جعل من أمر الإغاثة وإيصال المساعدات إلى المواطنين أمر أكثر صعوبة.
أما المنظمات الإغاثية فإن حملة المضايقات والاعتقالات الأخيرة التي شنتها مليشيا الحوثي على عشرات العاملين فيها أدت إلى توقف الكثير منها عن العمل ومغادرتها البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، منعت سلطات المليشيا فتح أو إنشاء حملات تبرعات من قبل الأفراد أو المنظمات لإغاثة المنكوبين في تهامة، متعهدة بأنها ستتكفل بمعالجة الأمر بالكامل، إلا أنها لم تقدم شيئًا منذ يوم وقوع الكارثة.
ويرى ناشطون أن إعلان المليشيا الحوثية هو مجرد ابتزاز للمنظمات الإغاثية الدولية وكذلك للحملات الشعبية الإنسانية، وذلك لإجبارهم على جعلها تدير عمليات الإغاثة وبالتالي فإن كل المساعدات والأموال ستمر من تحت يديها.
ينوِّه "معاذ شجاب" إلى أن الفترة الحالية هي فترة إنقاذ وطوارئ، وإيجاد مراكز إيواء للمتضررين بشكل مستعجل، وتقديم مساعدات إغاثية أساسية كالأكل والشرب والملبس لمئات الأسر حتى يتم احتواء الكارثة بشكل كامل.
لافتًا إلى أنه يمكن تفادي الكارثة مستقبلاً من خلال إعادة تكوين المنزل التهامي بشكل أقوى بعيداً عن مجاري المياه، وإيجاد حلول لتصريف المياه وحجزها والاستفادة منها، وهذا فقط يمكن أن تفعله الدولة.