يشهد القضاء تحت سيطرة مليشيات الحوثي انتهاكات جسيمة للقانون الدولي والإنساني، حيث تصدر المحاكم التابعة لها قرارات تعسفية تفتقر إلى أي أساس قانوني، يؤكد القاضي فيصل المجيدي وكيل وزارة العدل أن المحكمة الجزائية في صنعاء منعدمة الولاية ولم تعد ضمن الإطار الهيكلي للقضاء اليمني ولا يعترف بقراراتها، موضحاً في حوار مطول - أجراه معه موقع "الصحوة نت" بأن ما تصدره المحكمة لا تسمى أحكاماً وإنما قرارات صادرة من عبدالملك الحوثي سواء كانت هذه القرارات قرارات قتل، أو قرارات مصادرة أموال، أو قرارات الاختطاف، مشيراً إلى أن كل هذه القرارات تؤكد أننا أمام عصابة تمارس القتل والتنكيل بحق اليمينيين، وأن ما نراه فيما يسمى بمحاكم الحوثي هي عبارة عن مهازل، تنسب جوراً الى القضاء، وجدد المجيدي التأكيد على أن كل ما يصدر عن المليشيا الارهابية منعدمٌ قانونا ويجوز للضحايا اللجوء للعدالة لمحاكمة من أصدر هذه القرارات ومن أمر بها وكل من اشترك فيها وهي جرائم ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم.
في حوار خاص مع" موقع الصحوة نت" يتحدث وكيل وزارة العدل القاضي فيصل عن الجهود المبذولة للإعادة بناء النظام القضائي، والتحديات التي تواجه هذا المسعى وأهمية دور القضاء في تحقيق العدالة والمساءلة."
الى الحوار..
-في بداية الحوار معالي القاضي نبدأ بسؤالكم حول مشروعية المحكمة الجزائية في صنعاء واستغلال مليشيا الحوثي للقضاء للانتقام من خصومها السياسيين؟
بالنسبة لمشروعية المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء، فقد سعى مجلس القضاء في البداية إلى الحفاظ على استقلالية القضاء اليمني عن التسيس وإبقائه موحداً في كل التراب الوطني على أساس الدستور اليمني، الذي جعله سلطة مستقلة عن جميع السلطات، وكذا قانون السلطة القضائية وهو المناط به الإشراف على المحاكم والنيابات في كل الجمهورية اليمنية، وإجراء الحركة القضائية في الأوقات المحددة، وندب القضاء ومحاسبتهم وترقيتهم وكل الاختصاصات المنصوص عليها في القانون ومنها النيابة، والمحكمة الجزائية المتخصصة، وكذا الاستئناف، بيد إنّ مليشيا الحوثي في الأساس كان لديها الرغبة في اختطاف القضاء ليس منذ نكبة اجتياح صنعاء في سبتمبر 2014، بل بدأت باكراً فقد قامت بتشكيل ما يسمى باللجان الشعبية، ومن أهمها اللجنة القانونية ولجنة القضاء ومهمتها استبعاد كل القضاة الوطنيين المؤمنين بالدستور والرافضين لتسيس القضاء، والإتيان بأشخاص منتسبين لها ومؤمنين بأفكارها وبما يسمونه السيد العلم، وهؤلاء عملياً أصبحوا عقائديين ومتبعين لدين الجماعة وأفكارها، ومتشبعين بالعقيدة الشيعية الوافدة من طهران وقم ومشهد ومن ثم كل من يقدم أمامهم لرفضه لمنهج المليشيا العنصري الاستعلائي الطائفي فهو مدان حتماً، حتى ولو لم يثبت في ملف القضية شيء عليه إذ أن القانون الجنائي يفترض في القاضي الحياد والموضوعية وعدم جواز بناء عقيدته القضائية إلا من خلال ملف القضية، وما يثبت أمامه في الجلسة باعتبار القضاء الجنائي علني ومشهود والمرافعة فيه علنية، وغالباً شفوية ولا يجوز بالتالي لأي قاضٍ بناء عقيدته على ادلة طرحت خارج الجلسات بل لا يجوز له الحكم بناء على علمه ولو كان يقيني وفي هذه الحالة ينبغي عليه التنحي.
- ما يصدر عن هذه المحكمة هل تُسمى أحكام إعدام أم قرارات قتل جاهزة من قبل مليشيا الحوثي؟
ما يحصل فيما يُسمى بالمحاكمات عبارة عن مهازل تُنسب جوراً إلى القضاء، وبعض المحاكمات لم تستمر سوى جلسة أو جلستين وكان فيها أمور ليست من القضاء والعدالة في شيء مثل أن الجالس على منصة الحكم يوحي للمقدمين أمامه بأنهم مدانون وأنهم مرتكبون لجرائم العدوان، ثم يرفض سماع أدلتهم او الاستماع إلى شكاويهم وتعرضهم للإخفاء والتعذيب، ودائماً اكليشة القرار جاهزة كأنها تأتيه مكتوبة من عبدالملك الحوثي، الإعدام بتهمة التخابر مع العدوان والآن يتم تغيرها التخابر مع امريكا وإسرائيل!
- حرص التيار الإمامي على السيطرة على القضاء مبكراً هل ما يحدث اليوم هو محصلة لهذه السيطرة؟
نود التأكيد أن الحوثي في الأساس استفاد من سيطرة الأسر السلالية على القضاء وتمكنها من مفاصله منذ اتفاقية أو صلح دعان التي جرت بين الإمام يحي والدولة العثمانية، الذي تم في 1911م، وفيه تم الاعتراف للإمام بسلطات في المناطق التي يسيطر عليها، ومنها السلطة القضائية، مع مبلغ شهري من السلطنة العثمانية للإمام- يبحثون عن السلطة والمال- بل من قبل ذلك وعندما جاءت الجمهورية حاولت ادخال اليمنيين في هذا المرفق الهام لكن استمرّت سيطرة الإماميين على مراكز السلطة العميقة في القضاء، وبالتالي تكريس هيمنتهم عليه، وهذا الأمر يجيب على تساؤل كيف تهاوت سلطات الدولة في أيديهم بهذه السهولة؟ ومنها السلطة القضائية التي يفترض بها أن تحمي حقوق المواطنين.
وإذا اطلع الشخص على تشكيلة مجلس القضاء الشيعي الأعلى للحوثي سيجد أن الغالبية العظمى المكونة له هي من الأسر السلالية، من رئيس المجلس إلى الأمين العام إلى النائب العام ووزير العدل وكل المناصب القيادية المؤثرة تقريبا، وليس ذلك فحسب بل أنهم لجشعهم وأقصائهم لليمنين أحكموا سيطرتهم حتى على النيابات والمحاكم المركزية، وليس فقط المناصب القيادية، وأزاحوا كل قاضٍ يمكن أن يكشف خططهم، ومن بقي لديه تأثير في المجتمع قاموا بتصفيته، كما حدث مع القاضي محمد حمران، الذي تم اختطافه ثم اغتياله في ١/٩/٢٠٢٢.
- هل تحققت أهداف جماعة الحوثي من خلال سيطرتها على الجهاز القضائي؟
رغم كل هذا الشبق بالسلطة والسيطرة، وتأمين هذا الجانب إلى أن الحوثي لم يطمئن تماما حتى قام باستبدال الهياكل القضائية المذكورة في القانون، مع أن لديه سلطات موازية تسحب اختصاصاتها، بل شكل ما يسمى بالمنظومة القضائية برئاسة المدعو محمد علي الحوثي، رئيس ما يسمى باللجنة الثورية، وجعل في يدها كل السلطات من الناحية العملية، وأنشأ فروعاً لها في المحافظات تصدر قرارات ملزمة للقضاء، وتفرض مدونات سلوك تؤثر على أداء القضاة وتجعلهم عرضة للملاحقة، ومن مهام هذه المنظومة إجراء تعديلات على المصفوفة القانونية المستقرة منذ عشرات السنين، ليس من أجل الصالح العام أو لصالح المتقاضين، وإنما لأشياء تستجيب لمصالح الجماعة وحتى تغلق كل أمل للإصلاح أو عودة مؤسسات الدولة.
ومن ذلك سيطرتها على الأمناء، وعزل كل من ليس من الجماعة من أجل نهب سوق العقار، الذي قدر اقتصاديون عائداته السنوية بـ 3 مليارات دولار، وتهدف إلى مراقبة ممتلكات من يعتقدون أنهم يرفضون نهجهم القمعي العنصري ونهبها في نهاية المطاف حيث انهم جعلوا تبعية هؤلاء الأمناء عمليا لجهازهم الوقائي.
- نعود للسؤال مجدداً عن مشروعية المحكمة الجزائية في صنعاء؟
حول مشروعية هذه المحكمة فإنها في الأساس لم تعد ضمن الإطار الهيكلي للقضاء اليمني ولا يُعترف بقراراتها حيث سبق وأن أصدر مجلس القضاء الأعلى اليمني قراراً برقم [ 15 ] لسنة 2018 وتاريخ 30/ابريل /2018 قضى بنقل اختصاصها إلى المحكمة الجزائية المتخصصة بمأرب التي أنشأها بذات القرار.
كما أصدر القرار رقم [35] لسنة 2019، وتاريخ 29 ديسمبر 2019، القاضي بعدم التعامل مع جميع الأحكام والإنابات والمذكرات الصادرة من المحاكم بشكل عام في المناطق الخاضعة لسيطرة الانقلابيين.
ومن ثم فإن كل ما يصدر عن المليشيا الارهابية منعدمٌ قانوناً ويجوز للضحايا اللجوء للعدالة لمحاكمة من أصدر هذه القرارات ومن أمر بها وكل من اشترك فيها وهي جرائم ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم.
- وماذا عن القضاة الذين قبلوا الصعود على منصة محكمة غير شرعية؟
من خلال ممارسة الأعمال في هذه المحكمة، فهو بكلّ تأكيد مخالف للدستور والقانون ومشترك في الجرائم التي تحدث لليمنيين المختطفين من اختطاف واخفاء قسري وتعذيب، خصوصاً إذا رفض إحالة هذه الشكاوى إلى النيابة للتحقيق بعد إثارتها من قبل هؤلاء الضحايا إذ إن ذلك يُعد من جرائم إنكار العدالة.
- ماذا عن هذه المحاكمات؟
نجدد التأكيد على أن ما يصدر عن هذه الهياكل التابعة للحوثي والتي يطلق عليها مجازاً محاكم، لا يجوز أن نطلق عليها أحكاماً لأنها منعدمة في الأساس، لعدم قانونية تشكيلها كما أوضحنا سابقاً، ولا مشروعية لها عطفا على كونها في الأساس قائمة كأثر لاختطاف مؤسسات الدولة، لجماعة مجرمة وفقا لأحكام قضائية من القضاء اليمني، قضى بكون هذه الجماعة انقلابية إرهابية، والحكم على قادتها بالإعدام وعلى رأسهم عبدالملك و 73 من قادة الجماعة، كما قضى بمصادرة أموال الجماعة وغيرها من بنود قرارات المحكمة العسكرية بمحافظة مارب.
وبالتالي لا يمكن أن يُطلق عليها أحكام مطلقاً ولا محاكمات إذ لم تتوفر فيها أدني درجات المحاكمات العادلة، بل هؤلاء الضحايا الذين صدرت بحقهم مورست بحقهم أقسى أنواع التعذيب المادي والنفسي والمعنوي، ولم يقدموا للنيابات إلاّ بعد مرور سنوات على إخفائهم، وهي جريمة ضد الإنسانية تنسف كل ما يليها، بل يفترض أن يُحاكم من قام بارتكاب هذه الجرائم ضدها، مع العلم أنه حسب الدستور والقانون يجب تقديم من قُبض عليه خلال 24 ساعة، بعد إعلامه بالتهمة أو الشبهة الموجهة إليه والسماح له بتعيين محام وليس سنوات يتعرض فيها لكل صنوف العذاب.
وبالتالي ما يصدر من قرارات هي قرارات سياسية تم اعدادها من مكتب عبد الملك الحوثي وما على المغتصب لمنصة القضاء الا تلاوتها فحسب!
- لوحظ على القضاة في مناطق الحوثي ذهابهم إلى مناطق تعلم الرماية والقنص ما علاقة القضاة بالرماية والقنص؟
وهذا ما يؤكد أن ما يسموا بالقضاة في هذه المحكمة بل وفي مجلس قضاء المليشيا أن هؤلاء تركوا مكاتبهم وذهبوا لحضور دورات عسكرية وإطلاق النار استجابة لنداء سيدهم الارهابي عبدالملك الحوثي فكيف لا يخجل هؤلاء وهم يفترض فيهم أن يكونوا حيادين كونهم يعتبرون انفسهم قضاة يمكن أن يلجأ لهم الناس في مظلوميات تعرضوا لها من قيادات الجماعة لكن ذلك يكشف حقيقة أنهم في الأساس مجرد تابعين لقيادات الجماعة وجزء من تنفيذ مشروعها.
مع العلم أنه رُصد على المليشيا القضائية، في هذه المحكمة تحديداً مشاركتهم في دورات طائفية وفي حشد الناس للجبهات وفي جمع تبرعات للحرب على اليمنيين.
- ما تأثير القرارات الصادرة عن محاكم الحوثي بحق المواطنين وخصوم الجماعة من السياسيين على عملية السلام التي يسعى إليها المجتمع الدولي؟
لا تستغربوا قرارات القتل السياسي وقرارات التصفية خارج نطاق الدستور والقانون التي اقتيد بموجبها التسعة من أبناء تهامة إلى المقصلة في مشهد يدمي ضمير الإنسانية التي تعيش في غيبوبة المصالح بعيداً عن القيم التي تنادي بها.
الحوثي يعمل الآن على قتل كل مشارب الحياة، ويصنع الموت والدمار والخوف، وينشر قبضته الإرهابية على كل اليمنيين، ومن هنا يفهم السُعار الذي ينتابه تجاه كل اليمنيين ومنهم من صدر بحقهم قرارات القتل والتصفية، وكذا حملة الاعتقالات الأخيرة والمستمرة حتى اللحظة.
إن مفهوم مليشيا الحوثي الإرهابية للسلام، هو الاستسلام وتقرير أحقيتها في الحكم والتنازل عن حقوق الناس في الشراكة في السلطة والثروة، بل والتنازل عن حق المواطنة، إذ يُصبح اليمني في نظر الحوثي مجرد تابع ذليل لا يملك من حقه في الحياة إلا بما يكون نافعا لعبده الحوثي فمدار حياته وموته رضى للسيد، كما أنه عمليا يصبح مملوكاً لمشروعه السيد العلم وفقًا لخرافة الولاية وماله مستباح وللأسف حتى عرضه وعودوا إلى مناهج المليشيا التي تحشو بها عقول النشء والشباب، نحن أمام صناعة جيل مفخخ كاره للحياة ولليمنيين وللعالم ولا يجد من أحد إلاّ السيد العلم.
- ما هي الاجراءات التي اتخذتها السلطة القضائية اتجاه هذه القرارات وغيرها الصادرة عن قضاء مليشيا الحوثي؟
سبق أن أوضحنا ان مجلس القضاء اصدر قرارات بانعدام اي أثر قانوني لما يصدر عن هذّه الهياكل المسيطر عليها حوثياً.
- هل تواصلتم مع المجتمع الدولي بخصوص ما تقوم به مليشيا الحوثي من عبث بالسلطة القضائية؟
التواصل مع المجتمع الدولي لم ينقطع عبر الجهات الرسمية سواء مجلس حقوق الإنسان أو المفوضية أو الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو غيرها.
كما يتم التنسيق مع الخارجية ووزارة حقوق الإنسان، وكل الجهات الفاعلة في هذا الشأن، لكن للأسف نشعر أن هناك خذلاناً من قبل المجتمع الدولي الذي تحكمه المصالح أكثر من المبادئ التي سيطرتها البشرية منذ قرون، ومع ذلك هناك أثر لهذه التحركات ليست كما كنّا نأمل لكنها خطوات في الطريق الشاق الذي سنستمر فيه في هذا الجانب، ومنها تقارير لجنة الخبراء التابع للأمم على مدار السنوات، والتي أكدت على انتهاكات المليشيا لكل قواعد العدالة الجنائية، واعتبرت أن القضاء يسير وفقاً لمصالح الجماعة وأصبح منصة سياسية للتعبير عن ما تريده.
ومن ذلك كارثة الحارس القضائى، الذي تم اجتراحه من النظام الايراني- يسمى هناك جمعية تنفيذ أوامر الإمام - وقد عبّر تقرير مجلس الخبراء عن أن ما يقوم به الحارس القضائي من نهب ومصادرة لأموال المعارضين جرائم حرب.
والأمر في هذا الملف شائك ويحتاج إلى عمل شاق وأكثر إخلاصاً.
- هل وجدتم تجاوباً من قبل المجتمع الدولي؟
للأسف المجتمع الدولي متخاذل فعلاً في ما يتعرض له الشعب اليمني من تنكيل وخطف وانتهاك لحقوقه، وقرارات إعدام حتى للنساء، وقد أكدت تقارير الخبراء قضايا لا أخلاقية منسوبة لقيادات المليشيا تجاه النساء والأطفال من جرائم اغتصاب منتظمة في اقبيتهم الظلامية.