شهدت امتحانات الشهادة الثانوية التي انتهت قبل أيام في مناطق الشرعية حراكا مكثفا اختلط فيه السلبي بالإيجابي. غير أن السلبيات برزت بشكل صارخ مما يجعل من هذه الامتحانات مراسيم شكلية فارغة لا تؤدي الهدف منها إلافي إطار ضيق لا يمكن الحكم معه بنزاهة هذه الاختبارات وسلامتها ومصداقيتها في غربلة ناتج التعليم النظامي وتقديم الصالح منه إلى باحة الدرس الجامعي.
لقد برزت ظاهرة الغش بشكل صادم. وتحولت كثير من القاعات الامتحانية عن وظيفتها المناطة بها إلى بؤر مظلمة لصناعة الكذب والتدليس. وتساوى في هذا المحيط الفوضوي الطالب الذي واصل ساعات نهاره بكلال ليله درسا وتحصيلا بالطالب الذي لا يعي من أمره شيئا سوى أن عليه اجتياز قنطرة هذه الاختبارات والعبور إلى مبنى الجامعة بأكبر معدل يمكنه من خلال دخول الكليات الحساسة ليصنع هنالك إما طبيبا فاشلا أو مهندسا خائبا أوقانونيا جاهلا. والويل الأكبر حين يجد في حاويات التعليم الجامعي المتفلت مراده من نيل الشهادات الجامعية بتلك الطرق الملتوية. وعندها تصبح نتائج التعليم الجامعي هي الأخرى شرا ووبالا وعوامل هدم ومسيرة خراب.
وعودا إلى موضوع اختبارات الشهادة الثانوية لهذا العام فإن روائح الغش فيها قد فاحت بشكل لافت. بل وأزكمت الأنوف. وعلى الرغم من تلك الإجراءات التي اتخذتها بعض الجهات المسئولة في عقاب بعض المخالفين كحرمان بعض الطلاب ونقل بعض المراكز الامتحانية والتحقيق مع بعض أعضاء اللجان. إلا أن هذه الإجراءات ليست إلا أعواد يابسة تخفي وراءها غابات مهولة من الحرائق. لا يملك المتأمل معها إلا أن يضرب كفا بكف أسفا على الحال الذي وصل إليه التعليم برمته.
أسباب كثيرة تقف وراء تغول ظاهرة الغش بهذا الشكل الموجع. لكن السبب الأول والرئيس مصدره الجهات المسئولة عن هذه الامتحانات. حيث أرسلت اللجان الامتحانية دون تغطية مالية. وكأنها بذلك تشير إليهم بالبحث عن مصادر لتغطية نفقاتهم وخاصة في المناطق النائية. مما حدا بضعاف النفوس إلى اعتبار ذلك ضوءا أخضر لجمع الأموال من الطلاب. ولاشك أن الطالب بعد ذلك سيطلب لقاء مادفع في قاعة الامتحان عونا وتسهيلا. ومافيش حد أحسن من حد.
للتأمل:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له
إياكَ إياكَ أن تبتلَّ بالماءِ