منذ قرابة عقد من الزمن، ومليشيا الحوثي الإرهابية تتفنن في التنكيل باليمنيين القابعين في مناطق سيطرتها، مستخدمة كافة الوسائل والطرق لتحقيق أهدافها، ومنها الجهاز القضائي، لإضفاء مشروعية كاذبة على جرائمها وانتهاكاتها الجسيمة، بما في ذلك أوامر الإعدام والقتل العمد.
ماتسمى المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، والتي سبق وأن ألغى مجلس القضاء الأعلى شعبتها ونقل اختصاصها إلى الجزائية في مأرب، أصدرت على مدى السنوات القليلة الماضية المئات من أحكام وأوامر الإعدام بحق مختطفين مدنيين وقيادات سياسية ومدنية ورسمية.
ومن بين هؤلاء، أصدرت الجماعة الإرهابية عبر المحكمة ذاتها مؤخراً أوامر بإعدام 70 مختطفاً، في خطوة قوبلت باستنكار واسع، وتحذيرات حقوقية واتهامات للأمم المتحدة بالتواطؤ وتحميلها ومبعوث أمينها العام الخاص لليمن مسؤولية إقدام المليشيا على تنفيذ مجزرة جماعية بحق هؤلاء المدنيين الذين اختطفوا من منازلهم وأعمالهم.
وكما هي عادتها، لفقت المليشيا لجميع المختطفين الصادرة بحقهم أوامر إعدام، تهمة واحدة هي "العمالة للعدوان"، وهي التهمة التي تقول الوقائع إنها قد تطال كل من لم ينخرط في صفوف الجماعة فكراً وعقيدةً وعملاً عسكرياً.
هذه التهم الجاهزة "التجسس والخيانة والعمالة للعدوان"، التي تحاول المليشيا تحت يافطتها شرعنة جرائمها، تتم عبر سلسلة من الإجراءات والخطوات التي يصفها المعنيون بأنها "غير قانونية"؛ إذ تبدأ بالاختطاف والإخفاء القسري وإرهاب الآمنين واقتحام منازلهم ومصادرة ممتلكاتهم، مروراً بالتعذيب وانتزاع اعترافات بالقوة من المختطفين، قبل تقديمهم إلى مشانق الإعدام بعد محاكمات صورية، تفتقد لأبسط معايير العدالة والنزاهة.
وبالتزامن مع تصدر وسم #المحاكمات_الحوثية_تصفية_للخصوم، الذي أطلق تحته مدونون يمنيون حملة تضامن مع المختطفين الصادر بحقهم أوامر قتل من مليشيات الحوثية، استجابةً للنداء الذي أطلقته أسرهم وعائلاتهم، يستعرض "الصحوة نت" في هذا التقرير رأي رجال القانون والحقوق في تلك الأوامر وتكييفها القانوني كجرائم إرهابية وفقاً للقانون اليمني والقانون الدولي الإنساني ومواثيق حقوق الإنسان.
القتل لأهداف سياسية ومالية
يؤكد المحامي فهد الوصابي لـ"الصحوة نت" أن قيام جماعة الحوثي الإرهابية بإصدار أحكام الإعدام بحق المواطنين من المحكمة الجزائية المتخصصة بأمانة العاصمة (منعدمة الولاية القضائية) بتهم كيدية ولأهداف سياسية، هي جريمة حوثية جديدة تضاف إلى سجلها المتخم بالانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق المواطنين في مناطق سيطرتها واليمنيين عموماً.
ويشير الوصابي إلى أن تلك الأوامر صدرت لنهب حقوق المدنيين وممتلكاتهم، خلافاً للقانون والدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها اليمن.
وقال الوصابي إن "هذه الأحكام تؤكد أن ميليشيات الحوثي السلالية الإرهابية قامت بتغيير وظيفة مؤسسات القضاء (غير الشرعي) الخاضع لها في مناطق سيطرتها من حماية حقوق المواطنين ودمائهم وأموالهم حسب الدستور والقانون، إلى أداة من أدوات البطش والنهب والقتل، وجعلت من أتباعها في تلك المؤسسات المختطفة شركاء لها في كل تلك الجرائم بل وفاعلين مباشرين لها".
وأوضح أن "هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمن، وسيحال جميع من ارتكبها أو شارك فيها إلى القضاء لينالوا جزاءهم عاجلاً أو آجلاً".
ودعا الوصابي "المبعوث الأممي إلى اليمن والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني إلى إدانة هذه الجرائم الممنهجة والعمل على وقفها ومحاسبة مرتكبيها والمسؤولين عنها وحماية وإنصاف ضحاياها".
محاولة لإرهاب المجتمع
ويشير مدير عام مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة فهمي الزبيري إلى "قيام مليشيا الحوثي الإرهابية باختطاف الآلاف والمئات من المدنيين والأبرياء بشكل غير قانوني، منذ تسع سنوات، وإخفائهم قسراً في سجونها، وممارسة أبشع صنوف التعذيب ضدهم".
وقال الزبيري لـ"الصحوة نت"، إن المليشيا تحيل هؤلاء المختطفين والمخفيين قسراً في نهاية الأمر إلى "محاكمات هزلية أمام محكمة فاقدة للمشروعية، وتفتقر لأدنى معايير وإجراءات التقاضي والمحاكمة العادلة".
وأكد أن تلك المحكمة سيئة الصيت، يحرم فيها المختطفون من حقهم الطبيعي والقانوني في الدفاع عن أنفسهم وتوكيل محامي والاطلاع على ملفاتهم ومعرفة ما نسب لهم من تهم كيدية.
وأضاف الزبيري أن مليشيا الحوثي مستمرة في المحاكمات السياسية ضد المدنيين والناشطين والناشطات في محاولة لإرهاب المجتمع، بعد سلسلة من الانتهاكات ضد المختطفين في سجونها، وممارسة أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، ومنعهم من الاحتياجات الأساسية والضرورية.
وأوضح أن تقارير حقوقية وثقت أكثر من 350 حالة قتل تحت التعذيب في سجون جماعة الحوثي المصنفة إرهابياً منذ العام 2014، وسط صمت مطبق من المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية.
وطالب الزبيري المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لليمن ومنظمات حقوق الإنسان، بالضغط على الجماعة الإرهابية للتوقف عن قرارات إعدام الخصوم، والإسراع في تشكيل لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات المحاكمات السياسية، وملاحقة المتورطين في الجرائم والانتهاكات الممنهجة.
وصمة عار
أكرم الوليدي، المختطف المحرر من سجون مليشيا الحوثي وأحد الصحفيين الأربعة التي أصدرت مليشيا الحوثي عبر "الجزائية المتخصصة" بحقهم أحكام بالإعدام قبل أن يطلق سراحهم في صفقة تبادل، وصف أوامر الإعدام الجديدة الصادرة عن ذات المحكمة بأنها "وصمة عار في جبين العدالة والإنسانية".
وقال الوليدي لـ"الصحوة نت": "إن هذه الأحكام الجائرة تفتقر إلى الشرعية وتتنكر لمبادئ القانون والإنصاف، وتأتي كأدوات قمعية تسلطها هذه المليشيا على رقاب من يخالفها الرأي".
وأكد الوليدي أن "أحكام القضاء التابع للحوثيين باطلة وجائرة، غابت فيها الشفافية واغتيلت فيها العدالة، وتُساق فيها التهم جزافاً دون أدلة تُثبت، ويُحرم المختطفون لدى مليشيا الحوثي من حق الدفاع المشروع عن أنفسهم".
وأضاف: "المحاكمات التي تعقد في محكمة غير شرعية ما هي سوى مسرحيات هزلية، أبطالها قضاة سلبت منهم الإرادة، رضوا لأنفسهم بأن تستخدمهم مليشيا الحوثي كبيادق، لزرع الخوف والترهيب في نفوس الناس".
وناشد الوليدي مجلس القيادة والحكومة الشرعية والمجتمع الدولي وجميع أحرار العالم، برفع أصواتهم للتنديد بهذه الانتهاكات الفظيعة، والعمل على إيقاف تنفيذ هذه الأحكام الجائرة، والوقوف إلى جانب المختطفين وحقوقهم، مؤكداً أن "التاريخ لن يرحم من وقف متفرجاً على هذه الجرائم، والأجيال القادمة ستذكر بألم من تقاعس عن نصرة الحق والعدالة".