الهجرة فتح و تحولات

الهجرة فتح و تحولات

 

   بلغ الحقد مداه، و تَنمّر الغيظ حتى لم يعد يرى غير التصفية الجسدية لمحمد( ص)، فقد استنزف الحقد من قريش كل ما كان يفاخر بها العرب من قيم و مروءة و أخلاق.

 

   فمكروا مكرا كبارا (ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك).

 

    و أجمع الملأ من قريش أن اقتلوه، فقد خابت نداءاتهم السابقة : "لا تسمعوا لهذا القرآن وَلْغوا فيه لعلكم تغلبون"، و قد راحوا يمشون بين الناس يأمرونهم التمسك بالأصنام  : " أن امشوا واصبروا على آلهتكم" ؛ لأن محمدا (ص) مضى بإرادة أقوى ينشر الضياء، و يبدد الظلمة.

 

   و كانت الهجرة قد تقررت، و سبقه إليها جُلُّ أصحابه ؛ لأن إقليــــمـا قَبِلَ أن يستقبل الرســـــول، و أن يناصره و رسالته ؛ ليكون هذا الإقليم وطنا للدين الجديد.

 

   فكانت يثرب الدولة . و الدولة: وطن، و شعب، و حكومة لها السيادة، و كانت المدينة المنورة (يثرب) الوطن، الذي فيه الشعب ، و الحكومة ، أو السلطة ذات السيادة.

 

   لم تكن رسالة محـــــمد (ص) على مقولة: قل كلمتك و امْشِ. و إنما كانت رسالة ربانية لها شريعتها،و قوانينها التي تستهدف تحـــرير الأرض و الإنســان من أنواع الطواغيت ؛ لتقيم العدل و الحــرية ، و المسـاواة ، بحيث لا يطغى الإنســــان على أخيه الإنسان؛ رسالة ذات أبعاد إنسانية، و حضارية، و قيمة علمية، و قد كانت.

 

   إنه من غير المُتَأَتَّى أن يكون هناك مشروع حضاري بلا إقليم يبسط نفوذه فيه، و من غير المعقول أن تؤدي رسالة وظيفتها من غير أن يكون لها وطــن تطبق فيه شريعتـــــها، و قوانينها، و تنفّذ أحكامها، و تنطلق منها في صنع التحولات الكبرى.

 

   هل كان يمكن أن تطبق الفرائض الجماعيــة، أو الأحــكام الشرعية في مكة؟ كلا ؛ لأنها لم تكن قبل الفتح لتمثل وطنا للدين، و لا للسلطة، أو الحكومة.

 

   لو كانت الرسالة: على مقولة: قل كلمتك و امش؛ لبقي النبي الكريم في مكة المكــرمة،، يعظ عابـرا ، و ينصــــــح مستكينا، و يهادن محاذرا، و لبقي قاعدا لا يُناهض منكرا، و لا يدل على معروف ، كمن سبقه ممن سموا بالحنيفيين ..!! و لما كانت هناك هجرة . و لكنها كانت رسالة ربانيــة تغـــييرية ؛  تسقط الطغيان ، و تزيل الظلم ، و تخلع الباطل؛ لتقيم الحق ، و العدل و الحرية، و إعادة صياغة بناء الإنسان.

 

   إنها الهجرة التي دلت على أن الرســــــــالة لم تكن لقرية، أو لجهة ، أو لجنس ؛ لم تكن كذلك لقوم أو لأسرة ــ معاذ اللــــه ــ لكن كانت للناس كافة : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

 

   هاجر النبي صلى الله عليه وسلّم إلى المدينـــة المنــــــورة ، و بقيت معظم عشيرته، و كثير من أسرته المقربين ؛ في مكة على شركهم ؛ و لأنه كان رسولا للناس كافة، فقد هاجر مبلغا رسالة ربه ؛ فقد أرسله الله(ليكون للعالمين نذيرا).

 

   و استقر الرسول بالمدينة المنورة، و كانت غزوة بدر في العام الثاني من الهجرة، و كان أغلب من حضرها من الأنصار، إذ كان عددهم 231 رجلا، فيما حضرها من المهاجرين 83 رجلا. فأين الأسرية،أو القروية هنا؟!

 

   كلا الجانبين؛ المهاجرون و الأنصار آمنوا بالله و رسوله، على أن محمد عليه السلام رســـولا للعالمـــين ، فلبى نداء الرسول مهاجرون و أنصار لغزوة بدر طاعة لله و رسوله الذي أرسله الله رحمة للعالمين.

 

   فهل تعي السلالة الحوثية، أن لو كان صلى الله عليه وسلّم نبيا( للعائلة) - بحسب مزاعمها التي تريد بها تأميم الرســـــول و مصادرة الرسالة - لَمَا هاجــــــر من مكة المكرمة، و لما كان أكثر المجاهدين في كل الغزوات مع الرســــــول من الأنصــار و سائر العرب.

 

   يعلم  الحوثي، كما يعلم مفتيه ، و المتسلقون من حوله أن أبا لهب عم رسول الله، فدا نفسه بعوض مالي لمن يذهب لقتال الرسول ــ ابن أخيه ــ  نيابة عنه لفزعه من مصير ينتظره؟ 

   و هل يعلم الحوثي ، و المفتي، و المتسلقون أن عقيل بن أبي طالب ، و أبا سفيان بن الحارث ابني عمي الرسول كانا ممن قاتلا الرسول يوم بدر في صفوف المشركين؟

 

   لقد هاجر النبي عليه الصلاة و السلام إلى المدينة المنورة لدعوة الناس أجمعين، و كما قال للناس كافة: " صلوا كما رأيتموني أصلي"، قال لهم في الحج بوضوح، و في جمع حاشد من الناس : " خذوا عني مناسككم ". و قال في مكة قبل الهجرة أيام كان أحوج ما يكون للنصير المساند ، حين كان يعرض نفسه على القبائل يطلب نصرتها، فقال قائل قبيلة بني عامر : أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال : " الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء".

   هل رد عليهم أن الأمر محسوم و أنه سيكون للعائلة؟ أم قالها بكل وضوح : الأمر إلى الله؟

 

   إن أهم صفتين للرسل :  الصدق، و البلاغ ، و القوم هنا لا يرعوون أن يلمزوا الرسول و يُعَرِّضوا به ، في أنه لم يقل قولا صريحا، و لاــ حتى ــ مُبهما، و هو يلقي بعرفات خطبة الوداع، أو بعدها أو قبلها فيقرر ، أو يشير إلى أن الحكم ، أو الإمارة ، أو الإمامة ليحيى الرسي، أو عبد الملك الحوثي، أو... الخ. ما يتمناه المُدّعون ..!!

 

   أترى أن كل ذلك الجهاد، و تلك الغزوات، و الفتوحات، كانت من أجل أن تصبح الإمامة لبيت حميد الدين، أو بدر الدين، أو لمن ادعاها قبلهم أمثال السفاح ابن حمزة، أو حسين المهدي الذي زعم أنه أفضل من رسول الله ، و أن كلامه أنفع من القرآن الكريم ، أفترى الرسالة الربانية نزلت من أجل هؤلاء ؟!!

 

   ما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ؟!!

 

   لا أضل منهم سبيلا ، إلا من جاراهم في ضلالاتهم و سايرهم، و انكفأ يقبل أقدامهم ، و يتمسح بأعتابهم ،  و يتسكع عند أبوابهم  ، و حاباهم فيما يفترون.

 

   لو لم يكن من ثورة 26 سبتمبر إلا أنها أسقطت الهالة المقدسة للأدعياء ، و حطمت الصنمية السلالية التي فرضتها الخرافة لكان يكفي الشعب اليمني منها ذلك، لكنها كان ثورة، فتحت فوق ذلك آفاقا و تنمية و نشرت علما و معرفة و حرية. و واجب الشعب اليمني اليوم التصدي، و مقاومة كل محاولة تسعى لإعادة همجية الإمامة، و فرض القيود و الأغلال التي حطمها شعب أبي عظيم في ال 26 من شهر سبتمبر بتورة مباركة أبية.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى