"بلغوا أبي سلامنا وقول له بأن اليوم هو عرس أبنائه حذيفة وشهاب ليدعو لهما بالذرية الطيبة"، هكذا كتبت ابنة السياسي اليمني، محمد قحطان، تدوينة بمنصة إكس، في 22 نوفمبر/ تشرين ثاني 2023، تعتقد أنها تخاطب أحدهم له علاقة بجريمة الاخفاء القسري ضد والدها من ميلشيات الحوثي.
وخصصت فاطمة قحطان، حسابها في منصة إكس (تويتر سابقاً) للحديث عن والدها السياسي الستيني المخفي قسراً في سجون ميلشيات الحوثي منذ أكثر من 9 سنوات، في محاولة منها إبقاء قضيته حية في وجدان اليمنيين، وتذكير بفداحة الجريمة المستمرة بحق أسرته ومحبيه ممن عرفوه عن قرب.
تكتب "فاطمة" مشاعرها وتذكر بوالدها تستجمع قوتها وتفيض مشاعرها بصوت مرتفع، وتقول "لا يعرفونك بأنك الأب الحنون ولم يلمسوا حنيتك ولم يروا دموعك عندما ترى الظلم، ولم يفتحوا قلبك ليروا نيتك الصافية واجتهادك بفعل الصح".
تسرد "فاطمة" مشاعر إنسانية لإسرتها وعائلتها وتعبر عن اشتياقها لوالدها في كل مناسبة، تتحدث عن الأب الذي تشتاق إليه وعن لحظات الفرح التي غابت عنهم بوجوده، وتلك تفاصيل إنسانية غير مرئية في سياق الجريمة المركبة التي يواصل الحوثيون ارتكابها.
المناضل، محمد قحطان السياسي الصلب والقوي الذي كان يتصدر المشهد السياسي في البلاد بذروة اشتداد حالة العراك السياسي بدء من تشكيل اللقاء المشترك، ومروراً بمحطات كثيرة حتى إخفائه قسرا، في إبريل/ نيسان 2015 من قبل ميلشيات الحوثي في صنعاء.
نداء للغائب الحاضر
وتمنع ميلشيات الحوثيين أسرة السياسي قحطان، من التواصل معه بشكل مطلق، لكن هذا لا يمنع "فاطمة" من مخاطبة والدها وإخباره عن مناسبات تحدث في الأسرة، بشكل دائم، فهي تكتب للغائب الحاضر.
ففي مايو 2023، كتبت فاطمة "أبي صغيرتك اليوم خريجة.. تهديك تخرجها وتؤمن بأن دعواتك ترافقها رغم غيابك الطويل، رغم شوقها إلى رؤيتك تمنت أن ترى فرحتك بعيونك التي انحرمت منها".
وتابعت: "سنوات أخذوك وهي مازالت صغيرة واليوم كبرت وأصبحت خريجة وتنظر الى المكان فارغاً، والذي المفترض تكون جالساً فيه لتشاركها فرحتها".
وفي إبريل الماضي، وفي الذكرى التاسعة لاختطاف قحطان، كتبت حفيدة قحطان "لم اعتد على غيابك مهما مرت الشهور والسنين، كيف اعتاد على غيابك وانت الذي كُنت في ذاكرة طفولتي كل الأشياء الجميلة".
كانت حفيدته طفلة بعمر 9 سنوات عندما تم اختطاف جدها، وقالت فاطمة "هذه كلمات حفيدته ابنتي، التي عاشت طفولتها بوجود جدها حتى تم اختطافه وهي ذات التسع سنوات ولم تعتاد على غيابه ابدا بل تنتظر عودته".
9سنوات ليست أرقام:
يتعود الناس على الجريمة فتصبح رقم، لكن ذلك مختلف في واقع الأسرة والمحبين، انها حياة وقصص وحكايات ووجع وألم، يمر على الذاكرة ثقيل للغاية، للحظة تتذكر بنات وأبناء قحطان والدهم الستيني وتنهال دموعهم وهم لا يعرفون شيئاً عن حالة.
وكتبت فاطمة "التسع السنوات من الإخفاء القسري ليست أيام بل هي أعوام تذهب، يكبر ناس وليست هينة بل هي عند الله عظيمة" وتضيف "كل إنسان أو مسؤول يستطيع يجمعنا بأبي، ولم يفعل شيء، اقول له بأنه سيأتي يوماً ولا أحد يستطيع أن يفعل لك شيء، ويومٌ لكم ويومٌ عليك".
ترفع وتيرة الحنين ومشاعرها الإنسانية، في المناسبات الدينية، وفي رمضان الماضي كتبت فاطمة "رمضان العاشر وأنت يا أبي وحيداً لا عائلة ولا أهل ولا أصدقاء ولا أحباب، ولا نعلم كيف أتى عليك هذا الشهر وكيف وضعك ومعاملتهم لك في رمضان".
وتهنئ والدها بكل مناسبة عيدية، وتعيد تذكير أنه ليس معها، وفي عيد الفطر العام الماضي كتبت "أشرقت شمس عيد الفطر، ولم تشرق شمس حرية أبي، وهذا عيد الفطر التاسع الذي سأذهب فيه إلى بيتنا وأبي ليس موجود فيه لم يعود بعد".
وفي عيد الأضحى الماضي، 29 يونيو 2023، كان هناك تصريح حكومي بأن يسمح لقحطان بالاتصال بأسرته، وكتبت فاطمة "عندها تأملت أن يسمحوا لأبي بالاتصال لنا يوم العيد وخاطبت نفسي، كيف بتعامل عندما أسمع صوت أبي وأدركت بأني سأبكي مثلما بكيت بمجرد أني أخاطب نفسي فقط".
ولم يتحقق لها ذلك الحلم وكانت في الانتظار أن تسمع صوت والدها، عبرت عن خيبة أملها، بالقول "فقدت الأمل ويصبح عيدا أضحى التاسع وأبي وحيداً بين أربعة جدران وسجانه، وسأنتظر وأرى ماذا يصنع المتفاوضون بملف والدي".
خيبة أمل
استعارة فاطمة قحطان قصيدة الشاعر اليمني البردوني، لتعبر عن حزنها وخيبة أملها عندما تمت الصفقة الأخيرة للأسرى والمختطفين، في إبريل 2023، حيث أفرج عن جميع المشمولين بقرارات مجلس الأمن من القيادات ما عدا والدها محمد قحطان.
ونشرت بصفحتها جزء من قصيدة شهيرة، كتبها البردوني في ستينات القرن الماضي أثناء الحرب بين الجمهوريين والملكيين، بلسان امرأة كانت تنتظر زوجها المقاتل، "لِمَ لا تعود؟ وعادَ كلُّ مجاهدِ... بحُلى (النقيبِ) أو انتفاخِ (الرائدِ)... ورجعتَ أنتَ، توقُّعاً لملمتهُ... من نبضِ طيفِك واخضرارِ مواعِدي".
وعادت وباركت لكل من أفرج عنهم ووصفت لقاءات المفرج عنهم بأسرهم بأنه "منظر مهيب تقشعر منه الجلود من جمال المنظر"، وقالت "شعرت بفرحتهم وآلمني في نفس الوقت، كنت أتمنى أن نفرح أيضاً وتشرق شمس حرية أبي فلا يستحق أن يحرم من حريته ويجتمع أيضاً بأسرته وأحبابه".
أما آن لكم ترك أبي يكمل شيخوخته بين أهله
في مطلع فبراير الماضي كتبت فاطمة قحطان، تذكر بملف التفاوض بالإفراج عن والدها، بعد حالة التعثر والجمود والمماطلة، وقالت "إني أرى الألسنة عقدت وتراكمت الأتربة على ملف الأسرى والمخفيين قسريا".
وأضافت مخاطبة ميلشيات الحوثي التي تواصل إخفاءه قسرا منذ 9 سنوات "أما آن لكم ترك أبي ليكمل شيخوخته بين أهله واحبائه أما يكفيكم (...) السنوات التي مرت في إخفائه عنا".
وفي مايو 2023 خاطبت المسئولين عن ملف الأسرى بالقول "إلى متى تماطلوا بالإفراج عن جميع الأسرى، كل دقيقة من التأخير هي من عمر الإنسان، فلا تجعلوا الأرواح معلقة بداخل سجونكم مع أهليهم من خلف السجون".
وتابعت "أكبر ظلم للإنسانية الإخفاء التام وعدم التواصل فتقوا الله وأنتم محاسبين عن كل ثانية من الظلم داخل السجون". كانت فاطمة حزينة وهي تقول "اليوم نودع خال أبي (...) إلى متى يظل أبى بسجونكم وكل أحبابه يرحلون واحداً بعد الآخر وهو لا يدري عنهم شيء".
وفي مناسبة أخرى تكتب محاججة المجرمين الذين يحاولون تحسين صورتهم، وتقول "إذا تكلم الحوثيون عن السلام، فسألوهم عن قحطان، وإذا أفرطوا بالحديث عن تسامحهم فسألوهم عن قحطان".
وللعام التاسع على التوالي تواصل ميلشيات الحوثي إخفاء السياسي محمد قحطان، ومنع اسرته عن التواصل معه، وهذه قصة إنسانية غير مرئية عن السياسي والقيادي في حزب الإصلاح، وهناك أيضا المئات من القصص الأخرى.