لطالما كان التقدم في مباحثات وقف الحرب مرتبطاً بملفات حسن النوايا وفي مقدمتها ملف الأسرى والمختطفين؛ لكن اليوم تتحدث التقارير عن تقدم في مباحثات وقف الحرب وعملية السلام برعاية الأمم المتحدة التي فشلت في الضغط على ميليشيا الحوثي للكشف عن مصير أحد أبرز السياسيين اليمنيين الذي اُختطف من منزله في 2015م.
يثير رفض الحوثيين اخفاء مصير عضو الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح الأستاذ محمد قحطان - علاوة على الإفراج عنه- غضب السياسيين ومعظم اليمنيين، فكيف للأمم المتحدة تطمين المجتمع بمستقبل اتفاق سلام ترعاه وهي غير قادرة على كشف مصير "سياسي" لم يحمل بندقية ولم يكن مقاتلاً اُختطف منذ قرابة عقد من الزمن؟!
مزيج من الترهيب والتحدي
طالبت الأمم المتحدة والصليب الأحمر ومجلس الأمن والمنظمات الدولية ومعظم السياسيين اليمنيين باختلاف انتماءاتهم بالكشف عن مصير محمد قحطان والافراج عنه، وكانت الإجابة الحوثية: لا!
هي إجابة لا تكشف فقط مدى إجرام الجماعة المسلحة بحق البلاد، وانتهاك أعرافه وعاداته وكل القوانين والمواثيق الدولية، بل درجة خوفها من عودة العمل السياسي والشراكة السياسية بإخفاء الشخصية الجمعية القادرة على صنع المشتركات بين الفرقاء، وخلال عقود عمل محمد قحطان مع معظم الفرقاء السياسيين لتجسير الفجوة والاختلاف وصولاً إلى إيجاد حلول مشتركة لتجاوز الأزمات التي مرّت بها اليمن.
إن رفض الإفراج عنه دون قيد أو شرط هي مزيج من منهجية ترهيب للسياسيين والصحافيين والمتحدثين في الشأن العام، وتأكيد على تحدي للمجتمع الدولي ورفض كل قراراته حتى لو كان قرار للإفراج عن سياسي شارك في مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة قبل وبعد انقلاب سبتمبر2014م.
عجز المجتمع الدولي
إن تحدي الحوثيين للمجتمع الدولي منذ عشر سنوات، هو تأكيد على عجز المؤسسة الدولية في انفاذ قراراتها الصادرة تحت الفصل السابع. فالأستاذ محمد قحطان أحد المشمولين بقرار مجلس الأمن الدولي 2216، الذي يطالب مليشيا الحوثي بالإفراج الفوري عنه دون شروط مسبقة، إلى جانب اللواء ناصر منصور شقيق الرئيس السابق ووكيل السابق لجهاز الأمن السياسي في عدن ولحج وأبين، ووزير الدفاع الأسبق اللواء محمود الصبيحي، والقائد العسكري العميد فيصل رجب. أفرج عن الثلاثة العسكريين من سجون الجماعة المسلحة في (2023) وبقي السياسي المدني الذي تفاوض تحت رعاية المجتمع الدولي في غياهب السجن دون معرفة مصيره
يبلغ قحطان من العمر 65 عاماً، وكان ممثل حزب الإصلاح في الحوارات التي كان يشرف عليها المبعوث الأممي جمال بنعمر بين القوى السياسية والحوثيين بعد اجتياح صنعاء، كان بنعمر مدعوماً من الدول العشر في مجلس الأمن والتي عقدت اجتماعاً للمجلس في صنعاء تأكيداً على دعم العملية السياسية في اليمن، دعم اتفاق الرياض ودعم مؤتمر الحوار الوطني، آمن محمد قحطان بالحوار والعملية السياسية واعتبارها طريقاً للعدالة والمواطنة المتساوية وهي قيّم دائماً ما ترفعها الأمم المتحدة وتروج لها في خارطة طريق تسعى لتحقيق التوافق حولها لإنهاء الحرب المستمرة في البلاد منذ 10 عشر سنوات.
وصفة فشل
تمضي مشاورات خارطة الطريق برعاية الأمم المتحدة ويجري التشاور حولها مع الحوثيين والحكومة المعترف بها دولياً، والتي من المقرر أن تؤدي إلى مفاوضات مباشرة بين ممثلين من الحكومة والحوثيين- كما تقول التقارير- في نفس المسار يسعى مكتب المبعوث إلى مفاوضات تبادل الأسرى والمعتقلين دون الكشف عن مصير "محمد قحطان" المفاوض الأول الذي عمل مع الأمم المتحدة لسنوات من أجل العملية السياسية في اليمن كممثل لحزب التجمع اليمني للإصلاح وتكتل اللقاء المشترك.
أليس من الأولى أن تخرج الأمم المتحدة من حالة العجز الحالية في قضية محمد قحطان وإرغام الحوثيين على الإفراج عنه لتأكيد نيّة الجماعة الحسنة الدخول في مفاوضات مع الحكومة الشرعية والأطراف الأخرى، بدلا من محاولة تجاوزها؟! إن ذلك تأكيد على الولاية الأممية في اليمن وحدود صلاحياتها مع ما تصفهم "الأطراف المتحاربة"، تأكيد إنفاذ قرارات مجلس الأمن.
ألا ينبه رفض الحوثيين التعاون في قضية الأستاذ محمد قحطان مكتب المبعوث الأممي ومجلس الأمن أن أي تفاوض مع هذه الجماعة مصيره الفشل والسياسيين المشاركين فيها مصيرهم الإخفاء القسري أو الاغتيال! هل هذه الشراكة السياسية التي تعد الأمم المتحدة خصوم الحوثيين بالحصول عليها؟!