على نهج أجدادهم الأئمة، يوغل الحوثيون -يومًا بعد آخر- بِنَهَمِ كبير، في نهب وحيازة أراضي المواطنين اليمنيين في تهامة بطرق ووسائل مختلفة، منذ وهلة خروجهم من كهوف صعدة ووصولهم صنعاء وانقلابهم على السلطة في سبتمبر العام 2014 وحتى اليوم.
وآخر عمليات نهب المليشيا الحوثية لأراضي التهاميين، كانت في الخامس من مايو الجاري، حيث قامت مليشيات الحوثي بنهب أراضي سكان قرية الدقاونة الواقعة بالقرب من المنطقة الصناعية في مديرية باجل التابعة لمحافظة الحديدة، كما قامت بتهجيرهم من منازلهم ومزارعهم واعتقال عدد منهم.
استهداف ممنهج
كشف مصدر خاص من أبناء قرية الدقاونة لـ"الصحوة نت" عن نهب ممنهج للأراضي في القرية وما جاورها من قبل مليشيا الحوثي. وشدد المصدر على أن هذه ليست الجديدة، بل سبقتها الكثير من الحملات العسكرية خلال العامين الماضيين بقيادة نافذين ومسؤولين في جماعة الحوثي.
وأوضح المصدر أن أبناء المنطقة تصدوا في البداية لهذه الحملات، لكنّ المليشيا عمدت إلى محاصرة المنطقة واختطاف واعتقال العديد من شبابها وأعيانها، وإجبارهم على القتال في صفوفها بجبهات مأرب والضالع مما اضطرّ عدد من أبناء المنطقة الفرار إلى محافظات الشرعية.
يظهر فيديو مصور للعملية العسكرية الأخيرة، اقتحام قرية الدقاونة من قبل قوة أمنية تابعة للمليشيا الحوثية، مدججة بالسلاح، حيث قامت تلك القوة بكسر أبواب أحد منازل القرية والتمركز فيه.
كما يُظهِر فيديو آخر أفراد الحملة العسكرية وهم يهاجمون ويروعون نساء قرية الدقاونة وفتياتها اللواتي خرجن لمواجهة الأطقم العسكرية ومحاولة صدهم عن دخول المنازل وحيازة الأراضي، وذلك بعد أن أصبحت القرية خالية من شبابها عقب اعتقالهم وتهجيرهم.
وأفادت مصادر محلية لموقع "الصحوة نت" بأن مليشيا الحوثي في حملتها الأخيرة اعتقلت أكثر من عشرة مواطنين من أبناء قرية الدقاونة، بينهم مواطن عجوز يتجاوز عمره السبعين وستة أطفال دون الخامسة عشرة، وقد أفرجت المليشيا عن الأطفال لاحقًا بفعل الضغوط الشعبية والمنظمات الحقوقية، بينما لا تزال تتحفظ على البقية المعتقلين.
على خطى الإمامة
وكما كان الأئمة بالأمس يسوِّغون ويشرعون لعمليات نهبهم لأراضي اليمنيين، من خلال تكفيرهم واعتبار حربهم وقتلهم اليمنيين جهاد في سبيل الله، تفعل المليشيا الحوثية اليوم الأمر ذاته، مع فارق الزمن واختلاف التهمة.
تحت وطأة قوة الحديد والنار، واصلت مليشيا الحوثي منذ انقلابها ووصولها للسلطة، مساعيها لخلق تشريعات تحت عبأة الدستور المسيطرة عليه، لتسوِّغ عمليات نهبها لأراضي وممتلكات المواطنين الذين تصفهم بالمرتزقة والخونة والعملاء. وأنشأت ما يُسمَّى بـ"الحارس القضائي"، ليكون أداة في يد المليشيا لتنفيذ عمليات النهب والسرقة.
الناشط الحقوقي "عبدالعزيز البُتيك" يقول لـ"الصحوة نت": "إن هذا النهب والتجريف الممنهج لأراضي أبناء تهامة من قِبَل مليشيا الحوثي، يجسد حجم غل وحقد هذه الجماعة تجاه تهامة، التي انطلقت منها أول رصاصة جمهورية بوجه الكهنوت الإمامي، حين حاولت قوات الإمام الاستيلاء على أراضٍ تهامية لإجبار قبائل الزرانيق على الاستسلام حينها."
ويضيف البُتيك بأن الحوثي اليوم يدعي أن معظم أراضي تهامة كانت مِلكًا خاصًا لجده الإمام وأسر أخرى من السلالة قبل أن تظهر المقاومة التهامية بقيادة قبائل الزرانيق وتطردهم منها، وهو الآن يسعى إلى استعادة ممتلكات سلالته، متناسيًا أن جدَه الإمام ضم أراضي تهامة وغيرها في البلاد بأكمله إلى ممتلكاته الخاصة بدون وجه حق، لمجرد أن أصحابها كانوا يعارضون سياسته ويرفضون فساده.
إخفاء عين الشمس بغربال
لا تختلف محاولات مليشيا الحوثيين لتبرير ممارساتهم المجحفة عن محاولات إخفاء الشمس بغربال فعندما تظهر جريمة ما ارتكبتها مليشيا الحوثي وتتحول إلى قضية رأي عام، تسارع إلى محاولة تفنيد الاتهامات وامتصاص السخط الشعبي المتراكم ضدها، لكن محاولاتها سرعان ما تصير أمرًا مثيرًا للسخرية.
بعد ثلاثة أيام من اقتحام المليشيا الحوثية لقرية الدقاونة، وانتشار عشرات الصور والفيديوهات التي توثق الجريمة بالصوت والصورة في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وصلت عدسة قناة "المسيرة" الناطقة باسم المليشيات إلى المنطقة لتحاول إخفاء الحقيقة.
بحسب الناشط الحقوقي بسيم جناني، فإنه قد تم إجبار بعض أبناء القرية تحت التهديد على التحدث ونفي ما تم نشره وتداوله على وسائل الإعلام، وهي، حدَّ قوله، محاولة غبية لتزييف الحقائق وخاصة أن فيديوهات الاعتداءات وصور المعتقلين من أبناء القرية في سجونهم شاهدة على جرائمهم.
استهداف الإنسان
خلال حديثٍ له مع الصحوة نت، يذهب الصحفي والناشط التهامي "جمال علي" إلى أن مليشيا الحوثي تسعى من خلال نهب وتجريف أراضي تهامة إلى إحداث تغيير ديموغرافي يستهدف الإنسان التهامي بشكل عام، وذلك عبر تهجير أبناء الأرض الأصليين بالقوة وإحلال سكان جدد ينتمون للمناطق التي تشكل عمق ومنشأ السلالة الإمامية.
كما أنها تهدف إلى تغيير معتقدات وثقافة أبناء تهامة، وتغيير العقيدة الدينية السُنية التي يؤمن بها أبناء تهامة ويتمسكون بها ويدافعون عنها، واستبدالها بالعقيدة الشيعية المتطرفة التي تجعل الأفضلية في الحياة والحق في السلطة والثروة لسلالة محددة دون بقية الناس. حسب تعبيره.
مضيفًا بأن المليشيا تسعى أيضًا إلى السيطرة الكاملة على ثروات تهامة وموقعها الجغرافي المهم والمطل على البحر الأحمر، وبالتالي استخدام هذه الثروات المهولة والموقع الإستراتيجي لخدمة مشروعها الإرهابي والمتطرف المستمد من إيران، وتوسعته، وإحداث فوضى وحروب في المنطقة ذات نتائج كارثية.
واختتم "جمال" حديثه بأن حادثة الدقاونة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لأنها ضمن مشروع نهب ممنهج ومتعمد للأراضي تنفذه مليشيا الحوثي في تهامة، وليست حادثة آل عباقة بباجل وحادثة بيت الفقيه وغيرهم من الحوادث ببعيد.