كشف القيادي في مليشيا الحوثي، حسين العزي عن توجه لجماعته لاستهداف منشأة صافر النفطية في مأرب، ضمن سلسلة تهديدات ومحاولات للسيطرة عليها خلال السنوات الماضية، وسقط مئات القتلى من الميلشيات على أسوار المدينة.
وجاء حديث القيادي الحوثي – في تغريدة بمنصة إكس – طارحاً سؤولا على متابعيه قائلاً "هل ترون أن علينا ايقاف النفط في مأرب ومنع الاقتراب منه كما فعلنا في أماكن أخرى"، في إشارة إلى توقف التصدير من موانئ حضرموت في أكتوبر 2022.
ويأتي ذلك في سياق حربها الاقتصادية على الشعب اليمني التي حلت محل حربها العسكرية الفاشلة والتي تهدد الأمن والسلام في اليمن، وفق خبراء مجلس الأمن. حيث سبق للميلشيات تدمير ميناء الضبة لتصدير النفط بحضرموت (شرقي اليمن)، والتي تقدر قيمتها بأكثر من 55 مليون دولار.
سياق الهجمات الحوثية على منشآت النفط
بدأت مليشيا الحوثي في وقت مبكر فور إسقاطها الجمهورية التوجه للسيطرة على قطاع الطاقة وأهم مصادر تمويل الميزانية العامة، في 2014 خاصة منشأة صافر وشركة صافر.
واستولت الجماعة بقيادة محمد علي الحوثي في أكتوبر 2014 على مقر شركة صافر الرئيسي في صنعاء، وعطلت عمل الشركة إلا من صرف المرتبات حينها، الأمر الذي أدى إلى تفكيك إدارة الشركة في صنعاء.
في وقت لاحق عمدت المليشيا إلى سرقة النفط المجمد في خط التصدير بين صافر وموانئ راس عيسى في الحديدة، وأدى ذلك إلى تدمير الخط وسرقة ملايين البراميل النفطية التي كانت جاهزة للتصدير، وأخرجت خط التصدير عن الخدمة.
كما عمدت المليشيا إلى قصف مصافي عدن في 2015 بسلسلة من الهجمات الصاروخية أدت إلى إخراج المصافي عن الخدمة، وتعطيل اتفاقية صيانة بقيمة ملايين الدولارات مع شركة صينية تعاقدت معها الحكومة في وقت سابق لإعادة تأهيلها، وكبدت الحكومة ملايين الدولارات.
وما زالت الحكومة اليمنية تدفع تعويضات لشركة صينية، فاقمها الإهمال الحكومي في إعادة تنفيذ عملية الصيانة، رغم أن التأخير في التنفيذ يكلفها مزيدا من التعويضات للشركة الصينية ويبقي المصافي في عدن خارج العمل.
اشتدت وتيرة الهجمات الحوثية على مصادر الطاقة والمنشآت الاقتصادية الحيوية بعد فشل هجومها للسيطرة على منابع النفط والغاز في مأرب وشبوة في 2021 و2022 الذي انتهى بهزيمة مدوية للمليشيا جعلها تلجأ في سياق انتقامها من الشعب اليمني إلى تدمير مقدراته الاقتصادية ضمن عدوانها المتجدد بخبرات إيرانية لإسقاط المقاومة والحكومة.
هدنة 2022 وهجمات الحوثيين
ومع دخول الهدنة الأممية في أبريل2022 حيز التنفيذ، وحصول المليشيا على امتيازات اقتصادية هائلة بفعل ضعف شديد اعترى الوفد الحكومي المفاوض، وتواطئ أممي، وبعد فشل تمديد الهدنة رسمياً، هاجمت مليشيا الحوثي في أكتوبر 2022، منشآت تصدير النفط في شبوة وحضرموت.
الهجمات الحوثية حرمت الحكومة من إيرادات وصلت إلى 1.4 مليار دولار في 2022 زعزعت الوضع الاقتصادي في مناطق الحكومة، لكن الحكومة ظلت ملتزمة بصرف المرتبات بينما كانت مليشيا الحوثي واقعة تحت ضغط شعبي هائل ينذر بانفجار اجتماعي ضدها مطالبة بالرواتب.
وكانت ميلشيات الحوثي تراهن على إسقاط الحكومة أولا، ومن ثم تهاجم مناطق الثروة النفطية في شبوة وحضرموت ومأرب، للإمساك كليا بالقبضة الاقتصادية اليمنية. وفي مارس 2023 حظرت شراء الغاز المنزلي المحلي من مأرب في استهداف مباشر لليمنيين.
ولجأت إلى استيراد الغاز عبر شركات خاصة تابعة لها من إيران والسوق الخارجية تبيعه بخمسة أضعاف سعره مقارنة بسعر الغاز المحلي. يبلغ قيمة أسطوانة الغاز من منشأة صافر 2700 ريال (ما يعادل أقل من دولارين أمريكي) بينما تبيع مليشيا الحوثي نفس الكمية من الغاز المستورد بمبالغ مالية مضاعفة، ما يعادل 13 دولار أمريكي.
محاولة لتفكيك المجلس الرئاسي
الوعيد الحوثي باستهداف منشآت النفط في مأرب، يهدف إلى تدمير المقاومة القوية في مأرب، والسيطرة على المثلث النفطي، لكنه يهدف أيضا إلى مفاقمة أزمة الكهرباء في عدن، التي هي في أسوأ وضع منذ عقود.
ويهدف الحوثيون إلى منع شركة صافر في مأرب من تزويد محطة الرئيس الكهربائية في عدن من إنتاج ما يقارب 100-200 ميجا وات من الكهرباء، لإشعال الأوضاع في عدن، والدفع باتجاه انهيار مجلس القيادة ذي الطبيعة الهشة.
وتزود منشأة صافر المحطة بحوالي 9000 آلاف برميل من النفط الخام الوقود المستخدم للمحطة، رغم مزاعم حوثية في السنوات الماضية أنها سمحت بإنتاج تلك الكمية من النفط المخصص للكهرباء مراعاة للظروف الاقتصادية والإنسانية للسكان في عدن.
استهداف موانئ عدن والبنوك
شن الحوثي أيضا حربا اقتصادية عبر الجمارك والضرائب الانفصالية التي أقامها بين المحافظات اليمنية التي يحتلها والمحررة منه، أدى إلى تقسيم اليمن فعليا إلى نظامين اقتصاديين منفصلين ومتمايزين.
بالتزامن مع هجماتها الإرهابية على أهم إيرادات الحكومة مثل النفط والغاز، شنت مليشيا الحوثي أيضا حربا جديدة على موارد الحكومة من موانئ عدن، بتواطؤ دولي أيضا، وصفه تقرير خبراء مجلس الأمن 2023 بأنه يلبي مطالب الحوثي لكنه يمنع عودة الحرب الشاملة عبر حظر التجارة عبر موانئ عدن وتحويلها قسريا إلى موانئ الحديدة.
ومنع التجار والمستوردين والشركات من المرور عبر الموانئ البحرية والبرية المحررة، الأمر الذي كبد الحكومة خسائر بقيمة 637 مليار ريال كانت تتحصل عليها من ضرائب وجمارك موانئ عدن.
كما عمدت ميلشيات لشن هجمات على القطاع المصرفي أدى إلى تقسيمه فعليا إلى قطاعين منفصلين بين المناطق المحررة والمناطق التي يسيطر عليها، من خلال إصدار قوانين مصرفية أدت إلى سيطرته على مليارات الدولارات من الودائع في البنوك، والصكوك وأذون الخزانة.
إدخال الغاز الإيراني إلى اليمن
في منتصف مايو 2021 أعلنت سلطنة عمان، أنها تعتزم إحياء خطط استيراد الغاز الإيراني ونقله إلى اليمن، وفقا للموقع الاقتصادي الشهير "إس اند بي جلوبال"، يأتي هذا في ظل استمرار تهريب شحنات النفط الإيراني للحوثيين.
وكشف وزير النفط والغاز بالسلطنة محمد الرمحي بأنّ "عمان تريد إحياء خطط استيراد الغاز الإيراني عبر خط أنابيب في حالة إعادة الاتفاق النووي، وتدرس أيضًا توسيع شبكة خطوط الأنابيب الخاصة بها إلى اليمن".
ووفقا للتقارير يمتد خط الأنابيب المقترح من حقل بارس الجنوبي العملاق للغاز في إيران إلى صحار في شمال عمان، حيث يمتد خط أنابيب قائم إلى صلالة بالقرب من الحدود اليمنية.
وقال وزير النفط العماني حينها "إنه من الناحية المثالية، يمكن بعد ذلك توسيع خط الأنابيب إلى اليمن، وفي يوم من الأيام، سينعم بالسلام، وبعد توقيع اتفاق سلام أول شيء سيطلبونه هو الطاقة، فالوقود مطلوب في بلد مثل اليمن للبدء في الانتقال من الصراع إلى خلق صناعات وفرص لشعوبهم".
وتقول الحكومة اليمنية إن مليشيا الحوثي تعتمد على تمويل إيراني بملايين الدولارات شهريا يقدمه الحرس الثوري الإيراني على شكل مبيعات غاز ونفط على حساب المنتج المحلي.
فشل حكومي بمواجهة حرب الحوثي الاقتصادية
واعتبرت الإجراءات الحوثية الاقتصادية هي حرب شاملة على الحكومة اليمنية الشرعية، لكن في المقابل لم تقم بشكل جاد في التصدي لهذه الحرب الحوثية، وعجزت عن حماية أهم مصادرها الإيرادية، في حماية المنشآت النفطية وتأمين تصديره.
يقول الباحث عبد الهادي العزعزي "إن الهجمات الحوثية على القطاعات الاقتصادية المختلفة تهدف إلى تدمير الأوضاع الاقتصادية في المناطق التي قدمت الكثير من التضحيات لمقاومتهم، من أجل أن تنهار بسبب تردي الاقتصاد".
وأضاف لـ"الصحوة نت"، "من ناحية ثانية يريد الحوثي بدرجة رئيسة عكس أزمته الاقتصادية مع الشعب إلى مناطق الحكومة، ويريد انهيار الحكومة وتمزق مؤسساتها في مواجهة الغضب الشعبي في مناطق سيطرته".
ولفت العزعزي "أن ميلشيات الحوثي في أزمة حقيقية بشأن علاقتها مع الشعب، وأن المفاوضات بشأن خريطة الطريق والتفاهمات التي كانت قد تمت من قبل لم تعد متاحة له كما كانت من قبل".
ويؤكد العزعزي "أن هجماتهم في البحر الأحمر لم تمنحه أي شرعية أو قبولا شعبيا، ولم تحد من تراكم الغضب الشعبي المتفاقم ضده".
من جانبه رأى الصحافي الاقتصادي، وفيق صالح "إن التهديد بهجمات حوثية على منشآت اقتصادية حيوية ليس جديدا ويأتي بعد سلسلة من الهجمات الخطيرة على المنشآت الاقتصادية الحيوية التي تعتمد عليها الحكومة وتحرك السوق في مناطق سيطرة الحكومة".
وأضاف لـ"الصحوة نت"، "أن العجز الحكومي عن الرد على هجماته الاقتصادية بهجمات مضادة شجع الحوثي وأغراه على تصعيد هجماته، بما فيها المنشآت الحيوية كمحطات إنتاج الغاز المحلي التي تزود أيضا محطة الغاز الكهربائية الرئيسية لتدميرها وتدمير النشاط الاقتصادي في المدينة".